"نعيش بقدم واحدة نخشى فقدانها".. مبتورو الأطراف بغزة بين تكرار النزوح ونقص العلاج وغياب المسكنات.. أم وبناتها يعيشون بطرف واحدة.. أبو عكر ذهب لتعبئة المياه فعاد بدون قدمه.. خالد النجار يزحف لإحضار كيس طحين

<< نقص الإمكانيات الطبية تدفع طبيب لبتر قدمه
<< 15 طفلا يصابون يوميا بإعاقات دائمة
<< عماد الفيري صاحب الـ60 عاما يقف على عكاز مهترئ: أريد العيش بكرامة
<< 4700 حالة بتر في غزة بسبب الحرب و2000 قبل العدوان
<< اليونيسف: نتواصل مع مؤسسات معنية لتوفير أطراف صناعية للأطفال مبتورى القدم
<< الأونروا: نقدم خدمات العلاج الطبيعي في مراكزنا للمرضى
<< واحد من كل أربعة أشخاص في غزة يحتاجون الرعاية بعد بتر الأطراف
أسرة "ماضي" كانت تملأها الحركة والمرح، 6 أبناء كانوا يشيعون في البيت السعادة والبهجة، جاءت الحرب لتحولهم إلى أشخاص ذوى إعاقة، فقدت العائلة ثلاثة أقدام وتخشى أن تفقد الرابعة بعد أن بترت قدم الأم واثنين من بناتها، بينما الابن مصاب بشظايا أيضا في قدمه، ينظر الأب نضال لهم في حسرة لا يعلم ماذا يفعل في ظل عجز المنظومة الطبية بغزة في توفير رعاية صحية تتناسب مع حالاتهم الحرجة، يخشى أن يفقد فرد أخر من الأسرة قدمه، يسمع كل يوم صراخ ابنته الصغرى سيلا، ويشاهد عجز ابنته الكبرى رهف، ويحاول أن يخفف من آلام زوجته نسرين.
اقرأ أيضا:
"متأخرة وضعيفة".. منظمات إنسانية تنتقد سياسات الاتحاد الأوروبى بشأن غزة
4500 حالة بتر جديدة في غزة
بحسب بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في مارس الماضي، أكد أن هناك 4500 حالة بتر جديدة في غزة بسبب الحرب، بالإضافة إلى 2000 حالة موجودة منذ قبل الحرب، كثير منهم من الأطفال، مما يجعل القطاع يعد واحد من أكبر أزمات بتر الأطراف لدى الأطفال بالنسبة للعدد الإجمالي في التاريخ الحديث.
سيلا ورهف والأم نسرين .. يعيشون بقدم واحدة
17 مايو الماضي، هو اليوم الأسوأ في تاريخ عائلة "ماضي"، في الساعة الحادية عشر والربع صباحا، تجوب طائرة أف 16 سماء منطقة فش فرش بخان يونس، تطلق صاروخا على مجمع خيام فإحدى المناطق الإنسانية بالمدينة، يشاء القدر أن يسقط على خيمة تلك الأسرة، ليكتب تاريخ جديد ملئ بالمآسي والألم والدماء، يفقد فيه ثلاثة من أفرادها قدميهم، بينما يصاب الأخر في قدمه إلا أن القدر أرحم معه عن شقيقاته ووالدته.
الطفلة الفلسطينية سيلا
سيلا نضال ماضي صاحبة الثمانية أعوام، هي الحالة الأصعب في تلك الأسرة، نظرا لضخامة الإصابة، فالأمر لم يقتصر على بتر إحدى قدميها بل إن الأخرى مهدد بالبتر أيضا، حيث يكشف أحمد ماضي خال الطفلة سيلا ، تفاصيل الحالة الصحية الصعبة لتلك الأسرة، قائلا إن الصاروخ الذي ألقته قوات الاحتلال على تلك الخيمة المتهالكة التي كانت تحمل أفراد عائلة ماضي، تسببت في كارثة، حيث أصيبت سيلا نضال ماضي وبترت قدمها اليمنى التي تحولت لأشلاء ولم يتمكن الدفاع المدني من انتشالها ولا زالت تلك الأشلاء مفقودة حتى الآن.
سيلا ماضي تتلقى العلاج
"سيلا وجدناها مقذوفة خارج الخيمة بـ20 مترا وأصيبت بقدمها الثانية وبسبب تهالك الكادر الطبي وعدم وجود معدات وأدوية وبعد 6 أيام من الاستهداف تم بتر قدمها اليسرى للأسف"، حيث يشرح خال الطفلة في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" الحالة الصعبة لابنة شقيقته"، مضيفا أنها تعاني من التهابات شديدة ومضاعفات وارتفاع بدرجة الحرارة دائم وانتفاخات بالبطن".
سيلا ماضي بعد بتر قدميها
ويضيف :" سيلا 7 سنوات لم تستمتع في طفولتها ولم تر نور الحياه، ففي بداية الحرب كان عمرها 5 سنوات وجاءت الحرب قتلت طفولتها في الخوف والآم والنزوح وبعد إصابتها تم قتل طفولتها وحياتها بالكامل فعليا، حيث عاشت طفولتها 5 أعوام فقط، كانت تحلم أن تصبح مهندسة ودائما كانت تردد أنا مهندسة ماما سأصمم لكي بيت المستقبل الخاص بعائلتنا".
سيلا ماضي
18 % من حالات البتر في غزة لأطفال
وفي 28 مايو الماضي، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن هناك أكثر من 4700 حالة بتر، بينهم 18% أطفال، موضحا أن هناك 123308 مجموع الجرحى والمصابين الذين وصلوا للمستشفيات، بينهم 17 ألف من الجرحى الذين هم بحاجة إلى تأهيل طويل الأمد، و22 ألف مريض بحاجة للعلاج في الخارج ويمنعهم الاحتلال من السفر، بينهم أكثر من 14 ألف أنهوا إجراءات التحويل وينتظرون سماح الاحتلال لهم بالسفر.
سوء حالة سيلا النفسية
الصور التي أرسلها أحمد ماضي لسيلا تكشف سوء حالتها النفسية، وهو ما يؤكد عليه بأن الطفلة تعاني من حالة نفسية صعبه للغاية، حيث لا تتقبل أحد، وتظل تلعب في جروحها وتمزقها، وفي حال دخل عليها أحد تغطي وجها ولا تريد لأحد أن يراها".
سيلا ماضي في المدرسة
في 21 يونيو، خضعت سيلا ماضي لبتر فوق البتر، فلم يكتفِ الألم بساقها، بل التهمها حتى الحوض، ليحدث بتر جديد لساقها اليمنى امتد إلى الحوض مباشرة، بعدما فشلت محاولات السيطرة على التهابات مدمرة تفتك بجسدها الصغير، بينما ساقها اليسرى الآن تواجه المصير ذاته، والحرارة لا تهدأ، والالتهاب ينتشر بسرعة تنذر بأن الباقي من سيلا قد يفقد أيضا، بحسب تأكيد عائلتها.
سيلا ماضي قبل الحرب
تدمير حلم رهف في دراسة الطب بعد بتر قدمها
حال شقيقتها الأكبر "رهف"، لم يختلف كثيرا عنها، فقد نالها نفس مصير سيلا، بعد بتر قدمها اليسرى، بينما يوجد بجسدها شظايا عالقة ولم يستطع الأطباء إخراجها، بحسب ما يؤكد خالها، بينما والدتهم نسرين محمود ماضي تعرضت لبتر أصبع يدها اليسرى وبتر كعب قدمها اليسرى وجزء من قدمها".
رهف ماضي بعد بتر قدميها
جاءت الحرب لتدمر حلم رهف، حيث كانت في بداية مرحلة الثانوية العامة، وتطمح بدراسة الطب البشري وكانت تحصل على كورسات لغة إنجليزية من أجل تحقيق حلمها، لتأتي إصابتها وتتبخر كل أحلامها في هذا الحادث الأليم، وأصبح كل أمنيتها أن تستطيع السير بشكل طبيعي كما كانت قبل الحرب.
تحويلة طبية لعلاج رهف خارج القطاع
ويضيف "ماضي"، أن حالة الأم الصحية صعبة، خاصة أن الالتهابات في قدمها تزداد يوما تلو الأخر وتتعرض لانتفاخ وقبل عدة أيام فقدت الحركة في أصابع قدمها، مشيرا إلى أن حالة نسرين ورهف النفسية صعبة لكن تظل سيلا هي الأصعب".
والدة سيلا ماضي مبتورة القدم
عائلة "ماضي" تواجه الشتات
تواجه عائلة ماضي الشتات، خاصة الجرحى منهم، حيث إن تعالج الأم وابنتها رهف في مستشفى الصليب الأحمر الميداني برفح، بينما سيلا تتلقى العلاج بمجمع ناصر الطبي في خان يونس، حيث يقول خالها :"ناشدنا الكثير الكثير ولم نترك باب إلا طرقناه وللأسف لا مجيب والعائلة مشتتة لا مكان لهم ولا مأوى، وباقي الأطفال في الأسرة لا يوجد لديهم ماكن يأويهم ولا أحد يعيلهم، واضطررت لجلبهم إلى خيمتي ويعيشون معي".
عائلة سيلا بعد الحرب
كما تواجه أسرة ماضي أزمة أخرى خاصة الجرحى منهم في ظل تهالك المنظومة الصحية نتيجة الاستهداف المتواصل من جانب الاحتلال لمستشفيات الصحية، حيث يقول أحمد ماضي، إن الأم وابنتيها يحتجن للرعاية الصحية الكافية، كما يحتجن إلى غذاء صحي، خاصة أن المريض يصوم من أجل إجراء العملية الجراحية، ثم يخرج من العملية ولا تستطيع جلب شيء له يسد رمق جوعه إلا حبة البندورة وقطعة خبز، خاصة أن أسعار السلع في غزة مرتفعة للغاية".
في غرفة واحدة، تجتمع المعاناة الثقيلة، الأم نسرين، بتر جزء من قدمها اليسرى، والأطباء حذروا " ما لم يتحسن وضعها خلال أيام، فبتر جديد سيطال ما تبقى من قدمها"، فتلك العائلة تفقد أطرافها أصبح كل جسد في هذه العائلة ينزف جزءا منه كل يوم، وكل لحظة تمر أصبحت تقربهم من النهاية، أنقذوا العائلة قبل فوات الأوان.
تحويلة طبية لعلاج سيلا ماضي خارج القطاع
لم تعد صورة تلك العائلة بمتورة الأقدام مجرد لقطة عابرة، بل أصبحت صرخة حقيقية، تلك العائلة التي كانت تلتف حول مائدة خبز بسيطة أضحت ضحايا على أسرة الألم، يحمل كل فرد منهم وجعا لا يحتمله أحد.
ويتابع خال الطفلة :"اشتري قطعة البامبرز لسيلا بـ15 شيكل أي ما يقارب 5 دولار وأيضا سعر البندورة والخبز مرتفع يصل إلى 5 شواكل، والمستشفيات منهارة بشكل كامل، فمريض مبتور جزء من جسمه يعيش فقط على أكمول وبنادول وتروفن، والمضاد الحيوي غير متوفر وإذا استطعنا من خارج المستشفى يكون سعره مرتفع وقد لا نستطيع شرائه".
سيلا تتلقى العلاج
ويوجه خال الضحايا رسالة استغاثة لسرعة إنقاذهم، حيث يقول :" أناشد وأطالب كل من لديه ضمير حي أن يساعد العائلة المنكوبة المكلومة بالمساعدة على علاجهم خارج القطاع في ظل انهيار المنظومة الصحية بغزة وعدم قدرتها على مداواة آلام المرضى"، مشيرا إلى أن عائلة "ماضي" فقدت خلال تلك الحرب تسعة شهداء وأصيب أكثر من 13 شخص أغلبهم إصابات بليغة.
تأثير إصابة الأم على الأسرة
يتحدث أحمد ماضي عن تأثير إصابة الأم على الأسرة، موضحا أن والدتهم هي عمود البيت وبتر أصبعها وقدمها مهددة بالبتر سيكون لها أثار صعبة على العائلة، خاصة أن أبنائها ما زالوا صغارا ويحتاجون الرعاية، وبالتالي تعجز عن رعاية شئون أبنائها.
عائلة سيلا قبل الحرب
ويتحدث عن العائلة ومصابها الكبير بسبب العدوان الإسرائيلي، متابعا :"فقدنا ثلاثة أقدام لا نريد فقد القدم الرابعة، استشهد عم سيلا وزوجته وابنه وبنته وزوجة عمها الثاني وجدتها، ولا نريد أن نفقد أفراد أكثر، وفي ظل الكارثة الصحية التي يعيشها القطاع وتهالك المنظومة الصحية أصبح وضع المرضى صعبا للغاية، والابن محمد أصيب في قدمه وإلى الآن لم يستطيع الأطباء إخراج الشظايا لكن الحمد لله حالته أفضل بكثير من شقيقاته ووالدته، وهم جميعا يحتاجون إلى رعاية ووالدهم مصدوم لا يستطيع فعل شيء منهار ومنهك، والعائلة لا يعلم بحالها إلا الله حيث تدمرت بالكامل".
الأشخاص مبتوري الأطراف بسبب الحرب على غزة
غياب المسكنات والأطراف الصناعية للأطفال الذين فقدوا أطرافهم
بحسب منظمة اليونيسيف، فإن هناك ما بين 3,000 إلى 4,000 طفل في غزة فقدوا طرفا أو أكثر خلال الشهور الأخيرة من الحرب، نتيجة الحصار والقصف المستمران، وأصبح هؤلاء الأطفال لا يعانون فقط من الألم الجسدي، بل هناك نقص حاد في الخدمات الطبية الأساسية، مثل مسكنات الألم، الأطراف الاصطناعية، الكراسي المتحركة، وخدمات إعادة التأهيل، موضحة أن هذا الألم الجسدي يعكس معاناة نفسية أعمق فقدان الأطراف، الأحباء، والطفولة ذاتها، وبحسب المنظمة الدولية، فمنذ شهر مارس الماضي، منعت قوات الاحتلال دخول الأطراف الاصطناعية وغيرها من المعدات الطبية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
اليونيسيف تسعى لتقديم أطراف صناعية للأطفال مبتورى القدم
في هذا السياق يكشف كاظم أبو خلف، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف"، طرق تقديم المنظمة مساعدات للأطفال مبتوري القدم، قائلا إنه حال حالات من التي فقدت أقدامها أو أيديها نحاول معرفة إذا ما تبقى لهذا الطفل أحد من عائلته يرعاه، وأحيانا يكون القصف يستهدف العائلة كلها ويتبقى طفل واحد يخسر قدمه أو ذراعه".
ويضيف المتحدث باسم "اليونسيف" في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن تحاول دائما إذا فقد الطفل عائلته أن تبحث له عن عائلة ممتدة ترعاه وإذا وجدت طفلا ناجيا في مستشفى وفقد أحد أطرافه تسعى قدر المستطاع عبر مؤسسات مختصة لتركيب أطراف له، منها منظمة أطباء بلا حدود، وكذلك وزارة الصحة الفلسطينية لديها شركاء دوليين في هذا الإطار.
ويوضح أن المنظمة دائما ما تعمل على تقييم الحالة وتقديم دعم نفسي إذا احتاج الأمر، وإذا احتاجت الحالة لأطراف صناعية تعمل على تقديم تحويل طبي لها لتركيب طرف صناعي في أسرع وقت ممكن.

الأشخاص مبتورو الأطراف بسبب الحرب على غزة
محمد أبو عكر ذهب لتعبئة مياه لأسرته فعاد بلا قدم
أحد الأطفال الذين يعانون من هذا الألم بسبب الحرب ولم يجد مسكنات لتخفيف الوجع، محمد أبو عكر، الذي أصيب بصواريخ الاحتلال خلال ذهابه لتعبئة مياه صالحة للشرب لأسرته، لتقصف إسرائيل مكان تجمع المواطنين ويكون هو أحد الضحايا.
يقول والد محمد أبو عكر، في تصريحات لـ"اليوم السابع"، إن يوم إصابة ابنه كان ذاهبا مع أخوته لتعبئة مياه شرب من أحد الآبار بعد أن قصف الاحتلال 80 % من الآبار الصالحة للشرب، تقدم محمد عن أشقائه للبئر، ليفاجئ مع الناس المحيطين به بصاروخ قصف في المكان ويصاب 23 فلسطيني أخر بشكل مباشر، بينما استشهد 4 مواطنين في هذا القصف.
الطفل محمد أبو عكر
حاول أشقائه ومجموعة من المواطنين لإنقائه مع بعض المصابين، ليفاجئوا أيضا بصاروخ أخر، حيث يقول والد الطفل :" توجه محمد للمستشفى واضطر الأطباء لبتر قدمه، بينما لا يوجد علاج أو مسكن ليخفف آلامه خاصة أن هناك عجز كبير في الأطباء داخل المستشفيات".
"محمد" يتواجد الآن في مجمع ناصر الطبي لكن لا يجد أي مسكنات تخفف الآلام، ولا علاج يصارع الحُمي والخطر بجسد منهك ونفسية صعبة، فوفقا لأسرته فالطفل لا يبكي من الوجع فقط، بل من الطفولة المسروقة، ومن العجز، وصمت العالم، وأصبح بحاجة لفرصة السفر للعلاج خارج القطاع بعدما انقطعت سبل مداواة وجعه داخل غزة.
محمد كان يحلم أن يكون طبيبا مثل عمه "محمد جامعة"، حمل اسم عمه وأراد أن يسير على نفس خطاه لكن جاءت تلك الحرب لتجعله يفقد طفولته مبكرا، وأصبح كل هم أسرته أن يصبح لدى أبنها طرف صناعي يستطيع من خلاله أن يمشي معهم كما كان يفعل قبل الحرب.
واحد من كل أربعة أشخاص في غزة يحتاجون الرعاية بعد بتر الأطراف
وفي ديسمبر الماضي، أكد المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني، أن واحد من كل أربعة أشخاص أصيبوا في حرب غزة يحتاجون إلى خدمات إعادة تأهيل بما فيها الرعاية بعد بتر الأطراف وإصابات الحبل الشوكي، موضحا أن الحرب أدت لتزايد كبير في حالات بتر القدم في ظل تزايد الإصابات نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر.
وتؤكد مديرة الإعلام بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في غزة إيناس حمدان، في تصريح لـ"اليوم السابع"، أن الوكالة الأممية لا زالت تقدم خدمات العلاج الطبيعي في مراكزها المنتشرة بمدن غزة لمن يعانون من فقدان الأطراف، لافتة إلى أن خدمات الأطراف الصناعية تتم عبر شراكة مع منظمات صحية أخرى مثل مؤسسة Human Appeal، ومؤسسة Human Inclusion.
حالات البتر في غزة قبل وبعد العدوان
أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف يعيشون في غزة
وأكد المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية، في 25 مارس الماضي، أن غزة يعيش فيها أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، فيما أعلن برنامج الإعاقة بجمعية العون الطبي - مؤسسة خيرية بريطانية تقدم خدمات طبية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ولبنان -أن مساعدات الأطفال مبتوري الأطراف خلال الهدنة غطت 20% فقط من الاحتياجات، لافتة إلى أن إسرائيل تمنع دخول مواد تصنيع الأطراف الصناعية بحجة أنها قد تستخدم لأغراض عسكرية.
مؤمن قريقع فقد قدميه يعيل أسرته ويواجه أزمة عدم توافر العلاج والقساطر
مؤمن قريقع، لأحد الصحفيين الفلسطينيين الذين فقدوا أطرافهم خلال الحرب، إلا أن هذا لم يمنعه من تقديم رسالته الصحية وتصوير المجازر التي يشهدها القطاع، يسير على كرستى متحرك بين مكان لأخر ليصور بكاميرته حجم الدمار الذي خلفته إسرائيل داخل القطاع.
مؤمن قريقع
"عدم توفر أطباء مختصين لعلاج وتخفيف الآلام والمتابعة وعدم توافر الكراسي المتحركة، وكذلك عدم تواجد القساطر للشلل الكامل، وعدم توفر أدوية وعلاجات التي تحتاج وصفة الطبيب في غزة، بالإضافة إلى عدم وجود مراكز للعلاج الطبيعي"، هذا ما يكشفه مؤمن قريقع من صعوبات يواجهها بعد فقدان قدميه الاثنتين، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، موضحا أنه رب أسرة ولديه زوجة وأبناء، ويعاني كثيرا من مشكلة توفير المياه، وعدم وجود مرافق يساعد في حالات الطوارئ المتكررة وحالات التنقل، بجانب صعوبة النزوح من مكان لأخر في ظل استمرار القصف الإسرائيلي.
كما يؤكد عدم توافر مواصلات للتنقل سواء في النزوح لمسافات كبيرة أو للوصول للمستشفيات، بجانب عدم توفير دورات مياه تتناسب مع من فقدوا أطرافهم ويسيرون عبر كرسي متحرك، وعدم توفير الطاقة الكهربائية للفرشات الهوائية الطبية التي تخفف من وجود التقرحات.
الأطفال الفاقدين للأطراف يخضعون لعمليات جراحية بدون بنج
وفي 2 ديسمبر الماضي، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أن الوضع في غزة كارثي، وبات القطاع يضم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم، حيث يسجل أكبر عدد في العالم من الأطفال مبتوري الأطراف نسبة إلى عدد السكان، متابعا: "يخسر العديدون أطرافا ويخضعون لعمليات جراحية بدون بنج".
أحمد العبادلة.. شاهد وفاة والده وشقيقه وفقد أطراف يده اليمنى ومهدد ببتر قدميه
بينما الطفل الفلسطيني أحمد العبادلة، البالغ من العمر 13 عاما، شاهد بأم عينيه استشهاد والده وشقيقه بعد استهداف إسرائيلي لمكان نزوحهم في خيمة بمدينة خان يونس، بينما كان حظ الطفل أفضل قليلا منهم، حيث بقي على قيد الحياة إلا أنه فقد أطراف يده اليمنى، وأصبح قدميه مهددان بالبتر .
أحمد العبادلة يفقد أطراف يده اليمنى
حالة أحمد العبادلة أصبحت ترثى لها، فالنمل أصبح ينعش في جسده وهو لا يستطيع الحركة، أخبره الأطباء بأنهم قد يضطرون لبتر قدميه حال عدم سفره للخارج للعلاج في ظل انهيار المنظومة الطبية، وسط عجز كامل من جانب المستشفيات في تخفيف الآلام المبرحة التي يشعر بها هذا الطفل.
أحمد العبادلة ينشر صورته قبل الحرب
طبيب الأطفال .. انعدام الإمكانيات أدى لبتر قدمه اليمنى
طبيب الأطفال الفلسطيني، خالد السعيدني، هو أيضا أحد من فقدوا ساقهم اليمنى بعد تعرضه لشظايا صاروخ خلال تأديته لعمله في مستشفى شهداء الأقصى، وإن كان حظه أفضل من آخرين بعد تمكنه من السفر للعلاج خارج القطاع خلال الأسابيع الماضية، حيث يعالج حاليا في مستشفى الشيخ زايد ال نهيان في منشية ناصر، إلا أنه عانى كثيرا خلال فترة بقائه بالقطاع في ظل استمرار الحرب.
يوضح "السعيدني"، أنه يعانى من مرض السكر منذ سنوات، وجاءت وخلال الحرب أصيب بشظايا ومع معاناته من السكر زادت الأمور تعقيدا لكن عدم وجود إمكانيات طبية لعلاجه و خلال فترة الحرب وعدم وجود أطباء أوعية دموية والعظام أدى إلى تدهور كامل حالته الصحية.
انهيار المنظومة الصحية وعدم توافر العلاج، ونقص الإمكانيات والمستلزمات الطبية، والنقص الشديد في الأطباء المتخصصين أدى لتفاقم المرض، خاصة مع معاناة الأطباء الذين يعملون ليلا ونهارا في المستشفيات كي يستطيعون علاج كل هذا العدد من المصابين والمرضى بأقل الإمكانيات، وهنا وجد "السعيدني" نفسه مضطرا لبتر إحدى قدميه، بينما ظلت الأخرى تنتظر نفس المصير.
رغم بتر قدمه ظل خالد السعيدني يواصل عمله على مدار اليوم في مستشفى شهداء الأقصى التي أجرى فيها العملية الجراحية، ورغم عدم وجود إمكانيات طبية في المستشفيات بالقطاع وتزايد الآلام الخاصة بانسداد الشرايين للقدم اليسرى أيضا لم يتوقف الطبيب الفلسطيني عن أداء رسالته المقدسة في علاج أطفال غزة
أكبر دليل على انهيار الإمكانيات الخاصة بالمستشفيات، هو بيان مستشفى شهداء الأقصى التي ينتمى لها الدكتور خالد السعيدني، والصادر في 7 يوليو، عندما أعلنت عن تعطل المولد الرئيسي للمستشفى، وعدم توفر قطع الغيار لصيانته، بجانب نفاد الوقود وحياة مئات المرضى مهددة بالموت داخل أقسام المستشفى، مؤكدة أن توقف الخدمات يهدد بتوقف الخدمة الصحية عن نصف مليون إنسان بالمحافظة الوسطى، ومطالبة المجتمع الدولي والجهات ذات العلاقة بالتدخل الفوري لإنقاذ المستشفى.
عبيدة عطوان حلم بلعب كرة القدم فبتر الاحتلال يده وقدمه
الطفل عبيدة عطوان، البالغ من العمر 15 عاما، حلم بلعب كرة القدم، بل بدأ الاشتراك في النوادي القريبة من مكان سكنه، كان يتمنى أن يصبح يوما لاعبا محترفا يمثل منتخب بلاده، إلى أن جاءت الحرب لتدمر كل آماله، وتصبح كل أحلامه سرابا .
عبيدة عطوان المقيم في دير البلح، كان يسير يوما مع شقيقه في إحدى الشوارع المدمرة داخل مدينته قبل أن تستهدفه طائرات الاحتلال مع أخوه، ليضطر الأطباء إلى بتر يده وقدمه اليمنى، ويصبح يمشي عبر عكاز، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل بسبب انهيار المنظومة الصحية بالقطاع أصبحت قدمه اليسرى مهددة أيضا بالبتر، مما قد يهدد حياته.
عبيد عطوان مبتور الأيدي
ينظر عبيدة إلى قدمه المبتورة حزينا يتذكر أياما كان يستخدم هذه القدم في مراوغة كرة القدم، ولكن أصبح الآن لا يستطيع حملها بيديه أو حتى اللعب بها بقدمه، وأصبح كل حلمه هو ألا يفقد قدمه اليسرى المتبقية وأن يظل على قيد الحياة.
قدم عبيدة عطوان المبتورة
أسماء شحادة المعلمة والأم.. تركب طرف صناعى بقدمها اليسري
أسماء شحادة، أحد السيدات اللاتي فقدن ساقهم نتيجة قصف إسرائيلي في بداية الحرب على مدرسة تأوى نازحين داخل القطاع، كانت تعيش فيها مع أسرتها، المعلمة والأم وجدت نفسها لا تستطيع رعاية بناتها بعدما أصبحت غير قادرة على الحركة.
اضطرت أسماء شحادة لإجراء 6 عمليات جراحية في قدمها اليمنى وتركيب طرف صناعي في القدم اليسرى، بعد أن ظلت لشهور عديدة تسير على كرسي متحرك، لتستطيع أن تؤدى رسالتها كأم وتدبر احتياجات أسرتها.
وتقول في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن مبتوري القدم في غزة بحاجة ماسة للعلاج الفيزيائي والتأقلم النفسي مع الوضع الجديد وايضا من حقهم تركيب اطراف صناعية ليتمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي . مصابين البتر بحاجة للخروج من غزة ليتمكنوا من الحصول على أطراف تمكنهم من التعامل بشكل اقرب للطبيعي
15 طفلا يصابون يوميا بإعاقات دائمة
وفي تقرير للجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني صادر في الثالث من أبريل الماضي، حمل عنوان "أطفال غزة بين قصف العدوان وانهيار النظام الصحي: مأساة مستمرة"، كشف عن واقع كارثي عاشه أطفال القطاع خاصة ذوي الإعاقة نتيجة العدوان الإسرائيلي، حيث أصيب 15 طفلا يوميا بإعاقات دائمة بسبب استخدام أسلحة متفجرة محظورة دوليا، ويصاب المئات الذين فقدوا أطرافهم أو بصرهم أو سمعهم.
وأكد التقرير، أنه تم تسجيل آلاف حالات البتر، بينهم 846 حالة بين الأطفال خلال الآونة الأخيرة، ما زاد من تعقيد المأساة، موضحا أن هؤلاء الأطفال يواجهون كارثة مزدوجة بسبب الإعاقات الجسدية والنفسية، إضافة إلى انهيار النظام الصحي نتيجة تدمير المستشفيات، ومنع دخول الإمدادات الطبية والأطراف الصناعية.
تقرير الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطيني عن أطفال غزة
مبتورو غزة بين فاجعة الحرب وغياب العدالة
جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، نقلت قصة عماد الفيري، الذي تخطى الـ60 من عمره، ويعيش في مخيم صغير للنازحين وسط حي الصحابة، فقد قدمه اليمنى في عدوان 2014، ثم جاء العدوان الأخير ليزيد آلامه بعدما دمرت إسرائيل منزله في بيت لاهيا شمال القطاع، فوق الطرف الصناعي الذي كان يضعه بعناية قرب سريره ولم يتمكن من إنقاذه، ليخرج هاربا بلا طرف، زلا عكازات، أو أدوات تعينه على الحركة.
يحكى عماد الفيري تفاصيل هذه المعاناة قائلا: "منذ أن فقدت قدمي، كنت أظن أنني عرفت أقصى درجات الألم، لكنني اكتشفت أن هناك ما هو أشد، حيث تفقد القدرة على الحركة، على النجاة، على الحصول على طعام، فقط لأنك فاقد لطرفك ولا تجد من يعينك، نزحت أكثر من 10 مرات، في كل مرة أعاني الجوع والخوف والعجز الكامل، لم أستطع النزوح إلى الجنوب، فالمسافة لا تطاق دون وسائل مساعدة، ولا توجد مواصلات".
أصبح عماد يعيش في خيمة لا تقي حر الصيف ولا قسوة العجز، ويقف أكثر من ساعتين على عكاز مهترئ للحصول على صحن عدس يسد به رمق زوجته وأطفاله، حيث يتحدث عن صعوبة الحياة داخل المخيم :"أنا لا أطلب شيئًا كثيرًا، فقط أريد أن أعيش بكرامة، أُعامَل بإنسانية، أُمنح حقي في الدعم والرعاية، كما أي إنسان آخر".
مراكز الإيواء غير مجهزة لاستقبال مبتوري الأطراف
صعوبة حياة مبتورى الأطراف، يكشفها مصطفى عابد، المختص في شؤن الإعاقة بجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، الذي يؤكد أن هذه الفئة تواجه واقع كارثي ومعاناة مركبة منذ بداية الحرب الإسرائيلية، خاصة أنها أصبحت من أكثر الفئات حرمانا من حقوقها الأساسية سواء في الخيام أو مراكز الإيواء، لافتا إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن عدد حالات البتر في قطاع غزة منذ عام 1987 وحتى العام الجاري بلغ نحو 6500 حالة، بينما خلفت الحرب الأخيرة فقط ما بين 4000 إلى 4500 حالة بتر جديدة، لتبلغ نسبة حالات البتر 30% من إجمالي الإصابات الحركية الشديدة.
ويضيف، أن مراكز الإيواء داخل القطاع غير مجهزة لاستقبال حالات مبتوري الأطراف، حيث يعيشون في بيئة رملية غير مهيأة، كما تفتقر للممرات الآمنة والمراحيض المناسبة والأسِرّة المخصصة لحالتهم، ما يزيد من صعوبة الحركة ويضاعف الألم الجسدي والنفسي لديهم، لافتا إلى أن المنظومة التأهيلية في غزة شبه منهارة، وخدمات العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والدعم النفسي متوقفة أو شبه معدومة، وكذلك مراكز التأهيل باتت غير قادرة على الاستمرار نتيجة تدمير منشآتها.
آلاف المصابين لم يتلقون أطراف صناعية حتى الآن
ويؤكد المختص في شؤن الإعاقة بجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، أن آلاف المصابين لم يتلقون أطراف صناعية حتى الآن، وكذلك العديد ممن سبق وأجريت لهم عمليات بتر يعيشون اليوم بأطراف صناعية غير صالحة أو مكسورة بسبب تعطل المراكز، وانقطاع الدعم، ونقص المواد الخام والكادر المؤهل، بجانب النقص الشديد الشاش والمعقمات والأدوية الموضعية، مما أدى إلى إصابة العديد من الحالات الخاصة بمبتورى الأطراف بمضاعفات صحية خطيرة، مثل الالتهابات والتقرحات، وبعضها اضطر إلى الخضوع لبتر إضافي نتيجة غياب التدخل الطبي العاجل.
"أغلب مبتوري الأطراف يعتمدون كليا على أفراد أسرهم لقضاء احتياجاتهم اليومية، في ظل انعدام الرعاية التمريضية، مما زاد من شعورهم بالعجز والضغط النفسي"، هكذا يصف "عابد" وضع تلك الفئة، موضحا أن الحرب تركت أثرا نفسيا بالغا عليهم مثل الصدمة، الاكتئاب، العزلة، فقدان الأمل، والعنف الداخلي، وفي ظل غياب الكوادر النفسية يزيد من تعقيد حالتهم.
ويشير إلى أن المؤسسات العاملة في قطاع التأهيل تقدم خدمات محدودة وضعيفة، وأن الأطراف الصناعية التي توفرها بعض الجهات كمركز الأطراف الصناعية ومستشفى حمد للتأهيل لا تفي بالطلب الكبير، كما أن عملية التصنيع بطيئة بسبب نقص المواد الخام وتعطل خطوط الإنتاج، والنزوح المتكرر للعاملين في مؤسسات التأهيل.
ويوضح أن مبتوري غزة لا يحتاجون فقط إلى أطراف صناعية، لكن أيضا يحتاجون إلى تأهيل شامل، دعم نفسي، بيئة إنسانية آمنة، وخطة وطنية ودولية لإعادة دمجهم في المجتمع.
خالد النجار يزحف لإحضار كيس طحين لعائلته
خالد النجار، الذي يعمل نقاش، وفي مقتل الثلاثينيات، بعد أن كان يعتمد على قدمه في عمله، فقد قدمه اليسرى بعد القصف الإسرائيلي على منزله في يناير 2024، حاول أن يتماسك ويتحمل الألم إلا أنه بعد ثلاثة أشهر من الوجع، اضطر الأطباء إلى بتر قدمه من فوق المفصل لتفادي تفاقم الحالة التي قد تؤتي لوفاته.
يقول النجار، إن قدمه كانت كل رزقه ومستقبله، ولكن الاحتلال وجرائمه جعلها غير موجودة، واضطر للتنقل بين الكثير من المستشفيات داخل القطاع لمحاولة العلاج لكن في ظل نقص الإمكانيات وعدم توافر العلاج والمستلزمات الطبية زادت حالته الصحية سوءا مما أدى لبتر قدمه.
يعانى خالد النجار كثيرا خلال رحلات النزوح التي اضطر لخوضها خلال الحرب، مما جعله في بعض الأحيان يزحف لمسافات طويلة، حيث يصف هذا الموقف قائلا :"حتى التنقل أصبح حلما، ففي بعض الوقت أضطر للزحف أو التوسل للناس حتى أعود بكيس طحين أو طعام بسيط لعائلتي، ولا أريد شيئا غير أن يختفي هذا الألم، وأن أضع قدما صناعية، وأعود لعملي".

Trending Plus