هبة مصطفى تكتب: منصّتى هى كلمتى

من هنا، من منصّتى، أكتب.. لا لأشكو، بل لأُنصف. أكتب من واقعٍ أراه، كل يوم بين كواليس الصمت والمجاملات وتفاديا لتكرار البدايات والحصول على النتائج المرجوة لا نتحمل تكرار أخطاء التعلم من الجديد. لا أتحدث من برج عاجى، بل من خلال براثن الواقع العملى ومن تعاملاتى اليومية مع بشرٍ تباينت ضمائرهم، وتفاوتت نواياهم، بين من يعمل بإخلاص، ومن يتسلّق على أكتاف غيره دون عناء.
عزيزى القارئ منصّتى اليوم هى صوتُ كل من اجتهد وسُرق تعبه، كل من وقف فى طابور الأمل لسنوات، ليرى من يدخل من "النافذة" فيحجز كل المقاعد!
نعم.. براشوت.. كلمة نسمعها كثيرًا، ذلك الذى نزل من حيث لا نعلم، ووجد كل شيء ممهّدًا، فقط لأنه "يعرف مَن يعرف". لم يحمل عناء السنين، لم يذق مرارة البدايات، لكنه نال النهايات السعيدة على حساب من أفنى عمره فى الميدان. وجاره "الكوّاش"، حامل مفاتيح كل شيء دون وجه حق، يوزّع الفرص كأنها ملكه، ويُقصى الأكفأ لأنه لا ينتمى لدائرته. وما أدراك ما هى نار حامية والكاذب.. ذاك الذى يعلم الجميع كذبه، لكن مصالحهم تتصالح معه، فتُفتح له الأبواب ويُمنح الثقة، وكأن الصدق أصبح عيبًا! والطماع وغيره، الأخطر ليس وجود هؤلاء فقط، بل وجود من يُعينهم.. أولئك الذين يرون الظلم ويسكتون، يصفقون للباطل لأجل فتات مصلحة، يُزيّنون الزيف حتى يَظهر كأنه الحقيقة، ويساهمون، بوعى أو دونه، فى طمس الكفاءات الحقيقية.
ولكن ما بحزن القلب الجهد الهائل – ماديًا ومعنويًا – الذى تبذله القيادة السياسية للقضاء على مثل هذه النماذج، إلا أن الضمير والأخلاق لا حارس لهما إلا الله، ثم أصحاب المسئولية فى المنظومة الحكومية وإسنادا الى هذا التصريح فى أحد الخطابات من قيادتنا السياسية "اللى يشتغل هو اللى يتكافئ، واللى يعرق هو اللى يستحق"، فى تأكيد صريح أن الدولة تُراهن على الكفاءة والعمل، لا على العلاقات والمصالح.
من هنا، أدعو كل مسئول إلى أن يساند هذا الجهد المبذول من قيادتنا عبر أداء العمل بإخلاص، والاحتفاظ بأصحاب الخبرات الذين أفنوا أعمارهم فى مؤسساتهم، بدلًا من تهميشهم انتظارًا لموعد "البراشوت" الجديد!
وتفاديا لما نشهده اليوم "هجرة داخلية صامتة" من كفاءات تغادر مكانها باختيارها، تنتظر سن التقاعد فى صمت، بعدما تيقنت أن القادم سيأخذ مكانها بلا تعب، وربما يعمل غيره عنه، ويكتفى هو بالمزايا واللقب.
وعهدكم بى وإصرارى على نجاح وطن لا يعوض ولن نقبل بغيره بديلا فإن الحل يقتصر على من يحمل الشعلة بين الإعلام والدولة والرقابة.. هنا يبرز الدور الحقيقى للإعلام كسلطة رابعة لا مجاملة فيها، لا تُزين الوجوه ولا تُخفى الحقائق. فهو يسلّط الضوء على النقاط غير المرغوب فيها، مثل "البراشوتيين"، وينصف الكفاءات المهمّشة. وهكذا يكون صوت من لا صوت له، ومراقب حقيقى. لكن وحده لا يكفي.. فالدولة – كسلطة تنفيذية – مسئولة عن سنّ القوانين التى تمنع المحاباة وتجرّم الوساطة، وتضمن التعيينات والترقيات على أساس الكفاءة لا المعرفة. مسئوليتها أن تحمى المبلّغين، وتحاسب المتجاوزين، وتمكّن أصحاب الخبرة، لا أن تهمّشهم.ثم تأتى الجهات الرقابية – المالية والإدارية – كخط الدفاع الأخير، لرصد الانحرافات، والتدقيق فى التوظيف، والتحقق من الشكاوى، وحماية المبلغين ومتابعة تنفيذ اللوائح. هى التى تضمن ألا يتحوّل القانون إلى استثناء وألا يُختزل العدل فى شعارات.
عزيزى القارئ من حق الوطن أن يُنقّى من "البراشوتيين" ومن يساعدهم، فكل منصب لا يُمنح لمستحقه هو ثغرة فى جدار العدالة.
من منصتى الضعيفة كمواطنة بسيطة فأنا لا أكتب طلبًا لمصلحة، بل حبًا فى وطنى، وإيمانًا بأننا جميعًا شركاء فى البناء، وإن عجزت أيدينا فلتكن كلماتنا عونًا.قد لا أملك سلطة، لكنى أملك منصّتي.. وكلمتى.
وختاما لا تحسبن المجد تمراً أنت آكلهُ.. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَبرَا.. المجد لا يُنال بالعلاقات، بل بالكدّ والصبر، وما أسهل أن يُطفأ وهجه فى بيئة لا تُنصف.. والكل ح يتحاسب وهى مش طابونة وأنا أثق فى هذا وسيحيا الوطن.

Trending Plus