خالد دومة يكتب: "العهد 7" قلب مغلق

كنت أظن في نفسي أنهم يؤمنون على كلام الشيخ دون فهم، لالا يقال إنهم مغلقوا القلوب، أول وصمة وصمت بها بعد رحلة شاقة معهم، أردت فيها بصدق أن أصل إلى ما يصلون، وإلى ذلك اليقين الذي أراه فيهم، كنت أجتهد، ولم تثمر جهودي إلا فقعات هواء، لا شيء، أيام وشهور، وأنا أتقلب بينهم تائة وأظن أن القصور في قلبي، كما أشعروني أتمثلهم أمامي وأفعل ما يفعلون، حتى حلقات الذكر، كنت أهتز بجوارحي وأتمعن في الاندماج بغير طائل، بعد تعب ومشقة رأسي تدور كما تدور رؤسهم، ولكن رؤسهم في عالم، ورأسي في عالم أخر، أغمض عيني عما أرى حولي، ولكن عقلي يتفتح ويتسع ويتسآل، أجلس في حلقات علومهم، ولا علم ينفذ إلى قلبي، مما يقولون، هل قرأ الشيخ ما يدور في خاطري وألقى حكمه، الذي وصمني به، هل هو صادق، فيما يقول ويدعي، هل يكذب، هل ما قال وحي الساعة، أم إنه يأس من دخول قلبي في زمرة المريدين، ولكن ما معنى مريد، وما الشيخ، وكيف أكون، وكيف أصل، وما بداية الطريق الصحيح، الذي سلكه الأخرون، وأخطأته، أنتقلت معهم في الموالد، وعلى أضرحة الموتى، ممن كان لهم معجزات، توسلت بما توسلوا، دعوت بدعائهم، وقفت صامتا تأخذني الرهبة والخوف، أرتعشت كما ترتعش أيديهم وأقدامهم، لامس رأسي مئات منهم وكانت الدعوات أمطار فوق رأسي، بلا جدوى وبلا طائل، سنوات على الطريق، والطريق غير معروف الهوية، قابلتني الصخور، التي فتت، والجبال الوعرة والبحار، ركبتها معهم طوفت شرقا وغربا، وكانت النتيجة أنه لا نتيجة، أو نتيجة عكسية، عدت بعدها موصوم القلب، وغلق الفؤاد، كما قال الشيخ، كانت كلمة قاسية شديدة، بكيت لها بكاء شديد، كيف أكون بعد كل ما حاولت أن أعود بمرض في القلب لا علاج له، أعود بعد بدأت معهم بقلب يقظ مفتح الأبواب على كل معنى، من معاني الحياة، كان يتشوق إلى المزيد، من الفهم والإدراك يأمل في أن يتطلع ويفهم ويصل عن معرفة ووعي، أيكون وراء عقلي قلب مغلق، وما معنى أن يكون لي قلب مغلق، لا تتفتح غرفاته المتعددة إلى معاني الحياة، يقف في مكانه يصدأ تحمل جوانبه غبار وأتربة، سكن كالموت غارق في الظلام، ضال هل ولدت به؟ وهل هو ما سحبني من عقلي، كي أدور به باحثا عن الحقيقة، التي أتوهمها أيكون خداع ما عشت فيه طوال عمري، أيكون ضلال موصول بعيني، حتى لا أرى شيء، كيف يكون لي قلب مغلق، وقد كنت أدقق في الأشياء المحيطة، أتسال من املآه بالنور بالعلم بالأدب، أغذيه ما أغذ جسدي بالطعام، إنه طعام من نوع أخر طعام الفكر والروح الشغوفة، يتقدمها أمل جامح بالمعرفة، بت ذلك المساء أعاني صدمة الحكم، إنه حكم بأني ميت، وأنا لا أدري، أأكون ميت؟ وما أساق إليه أوهام كلها، ولكن ما إن بزغ نور الشمس على جفوني الملتهبة من قلة النوم والأرق، حتى قلت لنفسي إن الشمس تظهر لعيني الأن، أفي ذلك شك أفي ذلك خديعة، لو أن ألف أعمى قال لي إن الشمس، التي أراها بأم عيني، إنها غير موجودة، أكنت أصدقة أسلم له برأيه، وما أراه أكذب فيه قلبي ونفسي، ألا يجوز أن يكون هم الذين لا يبصرون الحقيقة، رغم وضوحها، وضوح الشمس، إذا كان العقل الذي أفكر به واستند إليه غير موجود، فيما أعتمد إذن وعلى أي شيء بعده أرتكن وأسلم له قيادة نفسي وروحي، فإذا ما نحيته بعيدا في ركن ركين، أأكون حين إذن إنسان كامل الإنسانية، أم أصير بلا شيء، حيوان في غابة الحياة، إنهم دائما ما يتعاملون مع العقل بشيء من الزراية والتجاهل، إنه يعاملونه على أن له المرتبة الثانية، فإن كان يوافق ما يؤمنون به، فلا بأس من الأخذ به، والتعويل عليه، أم إذا كان له رأي مخالف، وحجة دامغة، ضد ما يعتقدون ويتفوهون به، فهو أمر حدسي، لا شأن للعقل به، وإنما هي أشياء تدرك بغير العقل، الروح ربما بالرؤية بالإلهام، ولا حظ لي أنا صاحب القلب المغلق، بهذه الأمور، فأصحاب القلوب المغلقة، لو ولدوا في أيام النبي كما يقولون فإنهم، أبعد ما يكونون من الإيمان وإنهم من أصحاب الكفر المحاربين للحق والأنبياء، وكل ما هو يهدي ويرشد، إنهم يتقلون بلا سؤال ما يلقى إليهم من شيوخ، دون أن تنبس ألسنتهم بنت شفة، بلا إدراك أو وعي، أو مناقشة، ولا يمررون على عقولهم شيء من هذا القبيل، وإلا كانوا حينئذ من أصحاب القلوب المغلقة، أليس في هذا تناقض، أنا صاحب القلب المغلق أكون من الكفار، حين أتسال لماذا نعبد الأصنام، التي لا تنفع ولا تضر، وأنتظر الهداية لقلبي، هداية قلب وعقل، ونور ينبع من داخلي لينتشر إلى بقاع نفسي، يكون مصدره القلب، وهم أصحاب عقول متفتحة الأبواب، وهم لا يستعملونها إلا وقت الحاجة، والتي توافق هوى في نفوسهم، إنها عقول تحت الطلب، فإذا كانت موافقة أهلا بها، وإن كانت رافضة، فلا حاجة لنا بها، إذا ما كان لنا تشف وترف وتعلو على أي عقل، وأي منطق وأن العقل ذاته يعجز عن الإدراك لمثل هذه الأمور، كان ذلك الصباح قد أضاء لي جوانب معينه في نفسي، وأيقنت بيني وبينها، أن ما قال الشيخ، لا يعني الحقيقة فالحقيقة هي أنهم ليسوا أهل للحكم، وهم مفتقدين العدالة، وأنهم لا يرون الحياة، إلا من جانب واحد، أو ثقب ضيق لا يتسع لرؤية، ولو جزء ضئيل من الحقيقة، التي أسعى لإدراكها، إنني لست منهم، ولا هم مني، ولا طريقهم طريقي، ولا دروبهم الوعرة دربي، الذي أريد أن أسلكه وأصل منه إلى الحقيقة، أتخذت قراري بالرحيل بالبحث في الجاب الأخر الذي يتجاهلونه، ولم يعرفوا عنه شيء، وقد حرموا أنفسهم منه، بل تعاموا عن رؤيته، وعن مواجهته، هؤلاء أناس طيبون لا يريدون أن يتعبوا في البحث عن الحقيقة، فأيقنوا أنهم أعجز ما يكونون عن الوصول، فأمنوا إيمان العجائز، إيمان يرضي كسلهم، وينيم ضمائرهم مستريحة مغتبطة.
كل قلب لا يوافق هواهم هو قلب مغلق، أو ليس بقلب، حتى لو كان أزكى وأرهف، فهم يحكّمون القلب في قضية حاسمة تريد عدالة عقل، يزن الأمور ويحكم بالعدل، بعيد عن أهواء، يقولون إنها أشياء فوق العقل، وتُعرف بالقلب، إنها قلوبهم تخدعهم، تضلل عقولهم، تضحك بصوت عالي في الفلوات على أعمالهم، حين يرجون للقلب حكما، يكون حين يعجز العقل، وفي العجز عزاء، بقاء لمن لا يريدون للعقل سلطة، يجعلوه في أخر الصف بلا قيمة ولا رأي ينحونه جانبا، يهملونه يقود القلب حين يريدون فإذا عجزوا، قالوا إنها أشياء فوق العقل، فوق القلب، فوق طاقة اللحم والدم، فوق طاقة البشر، نعود بأيدي مقطوعة، لا تحمل شيء، وأرجل عاجزة عن السير، وللروح معنى، وللمعنى معنى لا يدركه أصحاب القلوب المغلقة، خرجت بقلب لا هو قلب ولا لا قلب، ليت صدري عندهم لا يعرف، ضل، لكني علمت أن لي قلب مغلق، لا طريق إذن أسلك، إذ كل الطرق مسدود، أما القلوب المغلقة لن تهتدي إذن، كُتب عليها الضلال، الكفر يصم صدري، الذي يتسآل عن هداية الطريق، كيف سأبحث بلا قلب، يعينني على المسير بلا أمل، أسعى جهدي بلا ثمرة، أشقى كي أعود في نهاية المطاف بلا شيء، أعود إلى بيتي الذي تركت، أخرج بقلب يريد أن يقف على الدنيا، أعود بلا قلب أو بقلب معطل، لا قيمة له غير الضلال، وما قيمة أن يكون لي قلب مغلق، ولماذا إذا كان لي، فأنا لا ذنب لي أن قلبا أو لا قلب، تيه جديد، وضياع يخلفه ضياع، ولا أمل من بعيد أو شعاع، وظلمة فوق ظلمة، وجحور جديدة، وكهف عميق، وسدود فلا يقين ولا عين يقين، ولا قرب من يقين، وجفاف في الحلق، ظمأ في صحراء النفس الشاسعة، نقطة أنا، حبة رمل ..أتساءل متى؟

Trending Plus