سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 10 أغسطس 1990.. «القذافى» يغضب من «مبارك» ويصرخ فى القمة العربية حول غزو العراق للكويت: لماذا تلجأون للأمريكان لحمايتكم؟ لماذا لا تختصرون الطريق وتطلبون ذلك من إسرائيل؟

أذيع فى ردهات قصر المؤتمرات بمدينة نصر بالقاهرة يوم الخميس 9 أغسطس 1990 أن اجتماعات القمة العربية الرسمية لمناقشة «غزو العراق للكويت» ستبدأ الساعة التاسعة صباح غدا الجمعة وفى يوم الجمعة، 10 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1990 بدأت فعاليات أكثر مؤتمرات القمة العربية إثارة.
كان الشاذلى قليبى، أمين عام الجامعة العربية، «تائها» لا يعرف ماذا سيفعل، بوصف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر»، مضيفا أنه عرف أن الأمير سعود الفصيل وزير الخارجية السعودى يبحث عنه فقصد إليه، فإذا به يسلمه ورقة ورجاه أن يطبعها بواسطة الأمانة العامة للجامعة وتسليمها للملوك والرؤساء قبل دخولهم قاعة الاجتماع.
كانت الورقة عبارة عن مشروع قرارات للقمة، وأحدث بندها السادس مشكلة وينص على: «ان القمة تقرر الاستجابة لطلب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى بنقل قوات عربية لتنضم إلى القوات المسلحة الموجودة فيها «أى السعودية» دفاعا عن أراضيها وسلامتها الإقليمية ضد أى عدوان خارجى»، ويذكر هيكل، أنه بالرغم من إجراء تغيير فى صياغة هذا البند بنصيحة من «القليبى» إلى «الفيصل» إلا أن مشروع القرار تسرب فتكهرب الجو، وتوجه طارق عزيز عضو الوفد العراقى بسؤال إلى الشاذلى القليبى عن مصدر هذا المشروع، فرد، بالظن أنه بالتشاور بين مصر والسعودية وسورية وبعض دول الخليج.
يؤكد «هيكل»، أن الرئيس الليبى معمر القذافى كان أكثر الحاضرين هياجا، وأمسك فى يده بنسخة من المشروع، وقال ما مؤداه: إذن فهذا هو ما يريدون منا أن نختم بأصابعنا عليه، ثم توقف أمام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية، وقال وهو يلوح بالورقة أمامه: «ولماذا تلجأون للأمريكان لحمايتكم؟ لماذا لا تختصرون الطريق وتطلبون ذلك من إسرائيل؟».
بعد جهد بدأت الجلسة الأولى فى الساعة الحادية عشرة صباحا، وافتتحها مبارك بخطاب عد فيه نقاطا اعتبرها ركيزة حل وهى، إما عمل عربى فعال أو تدخل أجنبي، إن المظلة العربية هى المخرج الوحيد من المأزق، إن مبدأ استخدام القوة مرفوض داخل الأسرة الواحدة، إن الاستيلاء بالقوة على الأرض يشكل تهديدا جسيما على الأمة، إن الأمن مطلب أساسى ولا غنى عنه للوجود أو للتطور، إن الشعور بالأمن يجب أن يتوافر لدى كل شعوب المنطقة، إننا لا بد أن نتحرك فى إطار عالم اليوم ونتحدث بلغته.
بلغت المأساة ذروتها فى الجلسة الثانية بقول الرئيس مبارك: «لدينا مشروع قرار وزعناه فى الصباح، وسوف أطرحه للتصويت الآن»، ويؤكد هيكل: «ارتفعت أصوات من القاعة تناشده تأجيل طرح القرار للتصويت لأن المناقشة لم تستوف حقها بعد، والموضوع خطير، علق مبارك بأنه لا يسمع مناقشة جادة وإنما يسمع مهاترات، وأن قراره كرئيس للجلسة هو طرح الموضوع للتصويت، وطلب من الموافقين أن يرفعوا أيديهم، وعد الأيدى المرفوعة وقال: «حداشر» (أحد عشر) أغلبية موافقة، ثم أضاف: ترفع الجلسة، وقام من مقعده للخروج، وأصوات تناديه أن ينتظر، وكان أعلاها صوت ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقذافى».
يؤكد هيكل، أن عرفات انفعل وصاح: «التصويت غير دستورى»، وكان يقصد أن القاعدة فى الجامعة العربية هى صدور قرارات بالإجماع مادام يترتب عليها إجراءات تتصل بالأمن القومى، فرد مفيد شهاب المستشار القانونى للوفد المصري: القرار دستورى وهذا اختصاصى، وأنا أعرف ما أقول، وانفعل عرفات وصاح فى شهاب: إنكم جميعا عملاء، فرد عليه شهاب: إذا كنت تبحث عن العملاء فابحث عندكم وليس عندنا».
انسحب الوفد العراقى محتجا عند بدأ التصويت وتوجه إلى المطار رأسا واعتبروا أنهم وقعوا فى فخ نصب لهم، ووصل مبارك بعد انفضاض الجلسة إلى الباب الخارجي، وسأل عن القذافى، فقيل له أنه أعلن اعتصامه داخل القاعة، وبعث بمن يدعوه، وجاء يصيح من بعيد قائلا لمبارك: «لم تكن ديمقراطيا فى إدارتك للجلسة»، رد مبارك بحدة: «لا أسمح لك بأن تقول هذا»، ثم جذبه من يده بعيدا عن عشرات الصحفيين المحيطين بمبارك، ووقف الاثنان فى ركن بعيد يتحدثان بصوت خفيض، وضباط الحرس يفصلون المتفرجين عنهم بمسافة كافية.
رفض القرار العراق وليبيا، وتحفظت موريتانيا والسودان وفلسطين، وامتنعت اليمن والجزائر، وجرى الشاذلى القليبى، وراء العاهل الأردنى الملك حسين يسأله، هل ممتنع أو متحفظ أو رافض؟ ولم يكن الملك على استعداد لأن يسمع شيئا، فطلب الذهاب إلى وزير الخارجية الذى أبلغ القليبى أن الأردن ممتنع.
يؤكد هيكل: «كان الملك حسين يشعر وهو يدخل المؤتمر أن الموقف العربى شىء، وفى لحظة خروجه كان شعوره أنه ميئوس منه».

Trending Plus