ما هى الثقافة؟ .. ما يقوله كتاب تأويل الثقافات لـ كليفورد جيرتز

رغم أن سؤال "ما هي الثقافة؟" يبدو للوهلة الأولى بسيطا، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، بل هو سؤال مركب له أكثر من إجابة، ومنها ما قاله كليفورد جيرتز في كتابه "تأويل الثقافات" ترجمة الدكتور محمد بدوي، والذي يسأل:
ما هي الثقافة؟
ثم يجيب عن ذلك:
من أقدم التعريفات وأشدها رسوخاً وثباتاً كان التعريف الذي قدمه إدوارد بورنيت تايلور في بداية كتابه الثقافة البدائية (1871) حيث عرف الثقافة بأنها " تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والإيمان والفن والأخلاق والقانون والعادات بالإضافة إلى أي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في مجتمع، وفي كتابه الأنثروبولوجيا أضاف تايلور أن الثقافة، بهذا المفهوم، هي شيء لا يمتلكه الإنسان.
ومع التقدم الحاصل في علم الأنثروبولوجيا، قدم علماء آخرون تعريفاتهم الخاصة لمفهوم الثقافة وكانت تلك التعريفات مبنية على المكتشفات الجديدة في الأنثروبولوجيا، وتكاثرت تلك التعريفات حتى أن عالمي الأنثروبولوجيا الأميركيين أ.ل.كروبر وكلايد كلوكون أثبتا في كتابهما "الثقافة: مراجعة نقدية للمفهومات والتعريفات" (1952) تعريفاً يتراوح بين السلوك المثقف إلى الأفكار في العقل، إلى التركيب المنطقي، إلى آلية الدفاع النفسية، وما إلى ذلك، إلا أن التعريف المفضل عندهما وعند كثير غيرهما من الدارسين في هذا الحقل، هو أن الثقافة "عملية تجريدية"، وبعبارة أكثر تحديداً تجريد مستخلص من السلوك.
ويحاجج كروبر وكلوكون بأن الثقافة هي تجريد بالقول بأنه لو كانت الثقافة بنفسها سلوكاً، لكانت بما هي كذلك، موضوعاً لعلم النفس، وبذلك استنتجا بأن الثقافة هي تجريد مأخوذ من السلوك الملموس ولكنها ليست سلوكاً بذاتها.
وقد أدى هذا التعريف إلى إثارة تساؤلات حول حقيقة الثقافة بوصفها مجرد تجريد، ولا يمكن لشيء مجرد لا وجود له مادياً في العالم المشاهد أن يكون موضوعاً لعلم وبحث فآنية الفخار واحتفال الزفاف هما شيئان ملموسان محسوسان، وليسا تجريديين، وحاول ليزلي وايت أن يقدم حلاً لهذا الإشكال في مقالته مفهوم الثقافة (1959) حين أكد أن القضية ليست في ما إذا كانت الثقافة شيئاً حقيقياً أو مجرداً، بل القضية كل القضية هي في السياق الذي يجري فيه التأويل العلمي، فعندما ينظر إلى الأشياء والأحداث في سياق علاقاتها بالكائن الإنساني، فهي تؤلف السلوك؛ وعندما ينظر إليها ليس من خلال علاقاتها بالإنسان بل علاقتها بعضها ببعض، فهي تصبح ثقافة، وهذا هو التمييز ذاته الذي طبقه علماء اللغة على الكلمات على مدى سنين طويلة عندما تنظر إلى الكلمات من خلال علاقتها بالإنسان أي من حيث إنها أفعال صادرة عن فاعل، فهي تصنف في خانة السلوك وعندما ينظر إليها من خلال علاقاتها ببعضها، حيث ترى المعجم والصرف والنحو وما إلى هنالك، فهي تصبح لغة، وبهذا لا تكون موضوعاً للدراسة النفسية بل للدراسة اللغوية، ومن هنا يمكننا القول إن الثقافة هي الاسم الذي يطلقه الدارسون على أنواع من الأشياء والأحداث التي تعتمد على الترميز، أي على النطق والكلام، والتي ينظر إليها في سياق يتجاوز ما هو بشري.
وبما أن الثقافة، كما أسلفنا ناجمة عن مقدرة لا يملكها إلا الإنسان، فقد برز السؤال الآتي في حقل الدراسات الثقافية: هل الفارق بين عقل الإنسان وعقل الحيوانات الأدنى هو فارق في النوع أم في الدرجة؟ وهذا سؤال لم يجد له جواباً حاسماً حتى اليوم.
إلا أن أحداً من القائلين بفكرة أن الفارق العقلي بين الإنسان والحيوان هو فارق في الدرجة لم يتمكن من تقديم أي إثبات على ذلك أو على أن الحيوان قادر، ولو بأدنى الدرجات، على ممارسة سلوكيات يتصف بها البشر عموماً، من مثل تذكر الأعياد المقدسة وتصنيف الأقارب في أصناف مميزة للتمييز بين الأعمام وأبناء الأعمام مثلاً، وتحديد مفهوم زنا المحارم وتحريمه، فليس هناك مطلقاً ما يثبت أن أياً من الكائنات الحية في ما سوى الإنسان، قادر على استيعاب مثل هذه المفهومات أو السلوكيات، فكما صرح تايلور في كتابه الأنثروبولوجيا أن هناك فجوة ذهنية واسعة بين أدنى البدائيين من البشر وأعلى القرود تعقيداً.
تأويل الثقافات
وباعتماد هذا التمييز، فإن السلوك الذي ينبغي تصنيفه إنسانيا هو السلوك المعتمد على الترميز وليس أي نوع آخر من السلوك من مثل السعال أو التثاؤب أو التمطيط التي هي سلوكيات لا تميز البشر بذواتهم، ومع أننا لا تعرف سوى القليل عن العمليات العصبية التشريحية الداخلة في عملية الترميز، فإن من المنطقي الاستنتاج أن هذه العملية تحصل في الجهاز العصبي المركزي، وبخاصة في مقدم الدماغ، وتذكر هنا أن الإنسان يمتلك دماغاً كبيراً بكل المقاييس، إلا أن الآليات التفصيلية الداخلة في تلك العملية لاتزال مجهولة لدينا حتى الآن، ويعتقد بعض الدارسين أن تغيراً ما، في سلالة ما أو في بعض السلالات، في نقطة زمنية ما في أثناء تطور الكائنات الحيوانية العليا أدى إلى ظهور القدرة على الترميز وتجليها في السلوك الظاهر، ليس هناك في ذلك مرحلة انتقالية فإما أن يكون الكائن الحي قادراً على الترميز أو لا يكون، وليس هناك حل وسط وإننا لواجدون نموذجاً واضحاً لذلك في حياة هيلين كيلر ؛ عندما حصلت كيلر على القدرة على الانعتاق من عزلتها التي كانت مفروضة عليها بسبب العمى والصمم، بمساعدة معلمتها أن سوليفان، وتمكنت من إقامة الاتصال مع عالم المعاني والقيم الإنسانية، كان التحول في عقلها فورياً وليس بالتدريج.
ولكن إن كانت الجوانب العصبية التشريحية في عمليات الترميز في حكم المجهول بالنسبة إلينا، فإن هناك الكثير مما تعرفه عن تطور العقل أو عمليات التفكر.
ينظر إلى تطور إعمال الفكر على أنه يمر بمراحل أربع؛ كلها تهدف إلى تحسين نوعية حياة الإنسان وحمايتها، المرحلة الأولى هي مرحلة المنعكس البسيط، حيث يتحدد السلوك عن طريق المميزات الجبلية في الكائن المستجيب والمثير العارض، كما يحصل عند إغماض العين عند التعرض للضوء الساطع.
المرحلة الثانية هي مرحلة المنعكس الشرطي حيث تأتي الاستجابة من قبل الكائن المستجيب ليس وفقاً لخصائص جبلية وإنما وفقاً لمعان يكون المثير قد اكتسبها بالنسبة إلى الكائن على أثر تجربة ما، كما في استجابة الكلب لصوت الجرس في تجربة بافلوف.
المرحلة الثالثة هي مرحلة استعمال الأدوات لتحقيق غايات معينة، كما نرى في استعمال الشمبانزي للعصا الضرب عناقيد الموز للحصول على الثمرة، فهنا تكون استجابة الشمبانزي محكومة بعناصر داخلة في طبيعة عناصر العملية (العصا، الموزة، وبنيته العصبية - الحركية - العضلية)، إلا أننا نلحظ هنا دخول عنصر جديد في العملية هو ممارسة الكائن القدر من السيطرة على العالم الخارجي.
أما المرحلة الرابعة فهي المرحلة الرمزية حيث يتحدد السلوك عن طريق الاستجابة لمعان غير داخلة في طبيعة عناصر العملية وإنما ترمز إليها استنسابياً، ويلاحظ في تطور هذه المراحل ازدياد مقدار أثر الرمزية في كل مرحلة عن سابقتها، حيث يأخذ الشيء أو الحدث معنى غير معناه المباشر وإن كان مرتبطاً به. وبهذه العملية يستطيع الكائن استبصار أشياء غير مباشرة بربطها بإشارات غير منظورة مباشرة، ما يعزز قدرته على استجلاب المنافع ودرء المضار.
ويلاحظ أنه بينما يبقى الكائن في المرحلتين الأوليين تحت رحمة العالم الخارجي بالكامل في استجابته للميزات، فإنه في المرحلة الثالثة يأخذ بممارسة قدر من السيطرة على هذا العالم عن طريق الأدوات كالعصا في حالة القرد الموصوفة أعلاه). وبما أن مراحل عملية إعمال الفكر هي تراكمية بطبعها بحيث يفيد الكائن من الخبرات التي اكتسبها في مرحلة ما ليضيفها إلى المرحلة اللاحقة، فإن المرحلة الرابعة تشهد تطوراً مبنياً على التجريد الذي تم التوصل إليه في المراحل السابقة، وهي بذلك تؤدي إلى المزيد من السيطرة على البيئة والمزيد من التحرر من القيود المادية التي تفرضها تلك البيئة.
وهكذا يمكن أن ينظر إلى هذا التطور على أنه انتقال متدرج من حالة الغريزية حيث تكون استجابات الكائن محكومة بخصائصه الجبلية) إلى حالة من التنوع والحرية في اختيار السلوك الذي يرى مناسباً، وتكون هذه الحالة قابلة للنقل للآخرين بالتعلم والتعليم من فرد إلى آخر ومن جيل إلى آخر. ويكون تراكم ذلك كله نظام جوهره المعاني التي لا تدرك بالحواس وحدها. وهذا النظام هو ما ندعوه بالثقافة. وهكذا تكون الثقافة عبارة عن عالم يصنعه الإنسان، وتمكنه من صنعه القدرة على الترميز على إلحاق معان غير مباشرة تجريدية، بالأشياء والأحداث.
وتكتسب الثقافة حياة واستمرارية خاصتين بها، وهي تتطور على نحو ليس بالمستطاع تفسيره بشكل مرض بحيث يصبح وجوده، بما يحمل من لغة ومعتقدات وأدوات وأعراف، ... إلخ، خارجاً عن نطاق إرادة الفرد بذاته وهو بذلك يخدم في حماية حياة المرء وتحسين نوعيتها.
ثم إن كل مجموعة من الناس (قبيلة، أمة تطور أنظمتها الخاصة من ضمن ما يمكن تسميته بـ ثقافتها الخاصة، التي تشترك فيها مع مجموعات أخرى ببعض الخصائص وتنفرد فيها بخصائص أخرى. ومن وجهة بنيوية، يمكن أن ندعو الثقافة العامة بالـ Langue الخصائص العامة التي تميز التراث بشكل عام) بينما تكون الثقافة الفردية للمجموعات بمثابة الـ Parole الخصائص الخاصة التي تميز كل ثقافة بذاتها. والذي يحكم هذه الدراسة التي يمكن أن ندعوها بالاجتماعية التراثية هو النظر إلى المتغيرات في الثقافات المختلفة من المحيط المادي المباشر والموارد المتاحة ودرجة التطور في الاستعمال اللغوي وصنع الأدوات وما إلى هنالك.
وللثقافة في حياة الإنسان الفرد أثر لا يمكن تحديد مداه بدقة ولا يمكن أن ينكر، فالطفل يدخل العالم من دون فكرة مسبقة ومن دون ثقافة وتتشكل شخصيته وسلوكاته ومواقفه وقيمه ومعتقداته بالثقافة التي تحيط به من كل جانب. إن سيطرة الثقافة على المرء تبلغ من القوة حداً يجعله ينصاع لأوامره ونواهيه حتى في ما يعاكس نوازعه الفطرية، فنجد الشاب مثلاً يضبط نازع الجنس لديه حتى يتزوج، ونجد المرء يمتنع عن تناول الطعام على الرغم من حاجته إليه ومع توفره لدواع تفرضها الثقافة، كالأطعمة التي تعتبر محرمة في ثقافة معينة. كما يمكن أن يدفع الأثر الثقافي المرء حتى إلى الانتحار وإنهاء حياته بما يناقض غريزة بقاء الذات) هرباً من العار أو الخزي مثلاً، وهكذا نجد أن الثقافة تمارس أثراً قوياً في حياة المرء يفوق في شدته وجدته حتى النوازع الفطرية.
وهذا ما حدا بالكثير من الباحثين إلى النظر في التأثير الذي تمارسه العوامل البيولوجية الخاصة بالفرد والعوامل الثقافية الآتية من المجتمع والمحيط الثقافي في تشكيل الشخصية الإنسانية، فلا شك في أن كلا هذين العاملين بتفاعلهما يؤدي دوره في تشكيل تلك الشخصية وتطورها. ويستحيل في الواقع عملياً فصل وتحديد أثر كل من العاملين عن أثر الآخر، فلو كان العامل الثقافي مثلاً هو المعتبر «الثابت»، فيكون المتغير هو العامل البيولوجي في الفرد بجوانبه العصبية والعضلية والعددية وأثرها في الإنسان. وهكذا يجد الدارس للثقافة والشخصية نفسه مدفوعاً إلى أن يأخذ بعين الاعتبار ما يمكن تسميته بـ الشخصية النموذجية التي يراها سائدة في مجتمع ما أو ثقافة ما الشخصية الأوروبية الشخصية الأميركية، ... إلخ)، على الرغم من مقدار التعميم في هكذا ممارسة.
ومع نشوء الاستعمار الأوروبي وانتشاره واحتكاك الأوروبيين بشعوب البلاد الأصلية وقبائلها، نشأت نزعة سميت في ما بعد بـ التمحور الثقافي العرقي أو التعصب العرقي حيث أخذ الرجل الأبيض ينظر إلى الشعوب الأخرى ذات الثقافات المختلفة عن تراثه على أنها متخلفة أو همجية. ولم يكن الأوروبي الأبيض قادراً على تصور وجود حضارة حقيقية خارج حضارته أو على تصور فكرة أن يكون هناك آخر مختلف عنه مساو له في الإنسانية. إلا أن الوضع تغير مع تنامي المعرفة بالثقافات الأخرى والنظرة إلى أن الشعوب ذات الثقافات المختلفة تعيش بحسب قوانينها الخاصة المستقاة من بيئتها الخاصة، وهذا ما أدى إلى نشوء النظرة المعروفة باسم النسبية الثقافية. وتقضي هذه النظرة بعدم جواز إصدار الأحكام على التراثات المختلفة وتصنيفها على أنها أسمى أو أدنى من غيرها على سلم ثقافي مفترض، فمثلاً توصل عدد من علماء الأنثروبولوجيا إلى عدم جواز الحكم على جانب تراثي معين (مثل النسب الأبوي مقابل النسب الأمومي أو الزواج التعددي مقابل الزواج الأحادي بأنه في ثقافة ما أدنى أو أعلى منه في ثقافة أخرى.
وبينما لا يمكن الحكم علمياً ومنهجياً على ثقافة ما بأنها أفضل أو أسوأ من غيرها في المطلق أو بالنسبة إلى قيم وأخلاقيات عامة لا يمكن قياسها علمياً، فإن هناك مقاييس علمية تتيح إجراء مثل هذه التقويمات والمقياس الأسمى في هذا المجال هو أن وظيفة ثقافة هي جعل حياة الإنسان أكثر أمناً وأكثر قابلية للاستمرار، وحين تظهر ثقافة ما بأن لديها القابلية لتحقيق هذه الأهداف، فيمكن تصنيفها بأنها أعلى من ثقافة غيرها التي لا تملك هذه القابلية أو تملكها بدرجة أقل، فالزراعة مثلاً هي وسيلة أفضل لتأمين القوت من الصيد، واستعمال الأدوات وتسخير الحيوانات وتسخير الطاقات الطبيعية. كل ذلك يؤدي إلى تحسين نوعية حياة الإنسان وتحريره للالتفات إلى أعمال أخرى. وكذلك فإن الثقافة التي تمتلك من الوسائل الطبية ما يمكنه من علاج الأمراض تكون أعلى من الثقافة التي لا تمتلك هذه الوسائل، وهذا ما يمكن قياس نتيجته بدراسة نسب الوفيات في المجتمع، إلا أنه من غير المقبول القول إن الأفراد في شعب ما ذي ثقافة متقدمة في هذه المقاييس هم أسعد من الأفراد في شعب ذي ثقافة متأخرة فيها، أو إنهم أعلى في سلم الكرامة الإنسانية، فالسعادة والكرامة هما في القيم التي لا تقبل القياس بهذا المعيار.
وكان تأثير البيئة الطبيعية على الثقافة مدار بحث موسع بين الدارسين في حقول الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع. وبينما كان الرأي في السابق بأن البيئة الطبيعية تحدد مميزات الثقافة بالمطلق، أصبح الدارسون اليوم يميلون إلى أنها تؤثر تأثيراً كبيراً في ذلك ولكنها ليست العامل الوحيد المحدد فيها.
ويضاف إلى ذلك خاصية مميزة تمتلكها الثقافة وهي قابلية الانتشار. وقد لوحظ أن الثقافة معدية، بمعنى أن العقائد والعادات والأدوات وحتى الحكايات الشعبية وأدوات الزينة، كلها قابلة للانتقال من ثقافة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، وخاصة عندما يرى الشعب المتلقي مصلحة له في تقليد جوانب ثقافية من شعب آخر قد يراها موفية بأغراضه أكثر من جوانبه الخاصة، وقد حدث هذا الانتشار مرات عديدة في التاريخ حتى في ظروف طبيعية صعبة مع وجود حوائل طبيعية (كالأنهار أو الجبال) بين الشعوب، وقد أثبتت أعمال الحفر الآثارية انتقال العنبر من منطقة البلطيق إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط وانتقال قطع النقود من منطقة الشرق الأوسط إلى شمال أوروبا. يضاف إلى ذلك انتقال أنواع من الزراعات كالتبغ والذرة والبن والبطاطا عبر المناطق والتراثات المختلفة.
ولكن بينما نرى الانتشار الثقافي يحدث بين متساويين في القوة السياسية أو العسكرية أو بين متوازيين في مستوى التقدم الثقافي، فإن له اسماً آخر عندما يجري بين طرفين تفصل بينهما هوة واسعة في هذا المجال: الغزو الثقافي . وهنا يلاحظ، كما في حالات الاستعمار الحديث، أن ثقافة الطرف الأقوى تفرض على الشعوب الأقل تطوراً، كما حصل في بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية وسواهما، ولكن يلاحظ هنا أنه حتى في مثل هذه الحالات، تتسرب من الشعوب المقهورة عناصر ثقافية تتخلل ثقافة الشعوب القاهرة وهذا يشمل أنواع الزراعات وحتى المفردات والموسيقى والألعاب وغيرها.

Trending Plus