مصر والحسم بمواجهة الاحتلال.. مسؤولية السياسة بديلا للشعارات

على مدى 20 شهرا، وطوال حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو، واليمين المتطرف، تظهر المخططات التى تتجاوز ما أعلنه رئيس وزراء الاحتلال، بشأن القضاء على حماس واستعادة المحتجزين، إلى مخططات تحمل التهجير والتدمير، وصولا إلى إعادة احتلال غزة، بقرار من مجلس وزراء نتنياهو المصغر، الأمر الذى يمثل تحولا يخالف القوانين الدولية، واتفاقيات السلام، بجانب كونه يعود إلى النقطة صفر ما قبل اتفاقات «غزة - أريحا» و«أوسلو»، والتى انتهت بعودة السلطة الفلسطينية إلى الضفة وغزة، لكن الصدام والانشقاقات فى عام 2006 أنهيا التطور الطبيعى للدولة الفلسطينية، كانت مصر الطرف الأكثر دفعا لمصالحة بين الفصائل وإنهاء انقسام لا يفيد سوى الاحتلال.
قرار إسرائيل أثار رد فعل غاضبا من كل دول العالم تقريبا، أوروبا كلها والدول العربية والإسلامية، واعتبرته مصر تطورا خطيرا وأدان، بيان الخارجية بأشد العبارات قرار المجلس الوزارى الإسرائيلى بوضع خطة لاحتلال قطاع غزة بالكامل، والذى يهدف إلى ترسيخ الاحتلال الإسرائيلى غير الشرعى للأراضى الفلسطينية، ومواصلة حرب الإبادة فى غزة، والقضاء على كل مقومات حياة الشعب الفلسطينى، وتقويض حقه فى تقرير مصيره وتجسيد دولته المستقلة وتصفية القضية الفلسطينية، وذلك فى انتهاك صارخ ومرفوض للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، والموقف المصرى فى الواقع استكمال لمواقف مبدئية حاسمة منذ 7 أكتوبر، ومن يرجع إلى يوم 13 أكتوبر 2023 يجد ردا واضحا وحاسما من الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث أكد أن السلام العادل والشامل، القائم على حل الدولتين، هو السبيل لتحقيق الأمن الحقيقى والمستدام للشعب الفلسطينى، وأن مصر لن تسمح بتصفية القضية، كان الرئيس يرد - بوضوح - على تصريحات مسؤولين ومتحدثين لجيش الاحتلال «يطلبون من الفلسطينيين أن يتركوا غزة إلى سيناء»، كاشفين عن مخطط التهجير، الذى سعت جهات وأحلاف مشبوهة لتغليفه فى صفقات أو تخريجات انتبهت لها الدولة المصرية بشكل حاسم، وتصدت - وستتصدى - لأى مخطط ضد الإجماع الشعبى الفلسطينى المتمسك بحقه وأرضه.
وعلى مدى أكثر من 20 شهرا، استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية، بل تحولت إلى عملية إبادة كما وصفها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبيان الخارجية المصرية الرافض تماما لإعلان إسرائيل إعادة احتلال غزة، وإدانة إعلانات احتلال غزة، والسعى لإنهاء الحرب وإدخال المساعدات، والعمل فى كل الخطوط.
ومنذ بدء الحرب تمت الهدنة الأولى بتدخل مصرى، والاتفاق الذى تم مطلع العام الجارى أيضا، وتم تنفيذ المرحلة الأولى منه، وانقلب عليه نتنياهو، وأفسدته تلاعبات الأطراف التى تستفيد من استمرار الحرب، وكان من الطبيعى أن كل خطوة من الاتفاق حول غزة، تقود لخطوة أخرى، لكن الاتفاقات تفشل بسبب المتطرفين داخل الاحتلال والفصائل على حد سواء، واستمرار تمسك بعض الأطراف بـ«سلطة ضائعة» على حساب عشرات الآلاف من الأطفال والشهداء والجرحى، بجانب أن الحرب تمثل غطاء على التناقضات داخل إسرائيل، وأزمات الاقتصاد والسياسة، بينما تتمسك مصر بثوابت واضحة: «رفض التهجير والتصفية، وإتمام المصالحة»، والتعامل مع التحولات بإدراك يمنح السياسة حقها ويدعم تعاطفا دوليا تكوّن على مدار شهور المواجهة، وهو ما يحتم على الفلسطينيين أن يعبروا تناقضاتهم، ويتخلوا عن الاستسلام لأطراف تستخدم القضية، بينما تتمسك مصر برفض إعادة الاحتلال، وتفتح مجالا لإنهاء حرب طالت أكثر مما يفترض وتحمل كل يوم مخططات وخطوات، وآخرها قرار مجلس الوزراء المصغر بإعادة احتلال غزة، والذى أدانته مصر وحذرت منه وأكدت أن سياسة التجويع والقتل الممنهج والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل لن تؤدى سوى إلى تأجيج الصراع وتزيد من تصعيد التوتر وتعميق الكراهية ونشر التطرف فى المنطقة ودعت مصر المجتمع الدولى، بما فى ذلك مجلس الأمن وجميع الأطراف المعنية، إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لوقف سياسة العربدة وغطرسة القوة التى تنتهجها إسرائيل والتى تهدف إلى فرض أمر واقع بالقوة، وتقويض فرص تحقيق السلام، والقضاء على آفاق حل الدولتين. وتعيد مصر التأكيد على أنه لا أمن ولا استقرار ستنعم به إسرائيل والمنطقة إلا من خلال تجسيد الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الموقف المصرى، والمواقف الدولية وحتى داخل إسرائيل والولايات المتحدة، تكشف عن خطورة الجريمة، والصلف الصهيونى، وأيضا تواطؤ بين تجار الحرب فى كل الجبهات لإطالة المدى، ويفترض أن تحاول جبهات الفصائل الاستفادة من هذا الاندفاع لتحقيق مكاسب سياسية أبعد من مجرد الاحتفاظ برهائن لم يعودوا ذا فائدة، أو سلاح فاشل ومشلول بعد غياب القيادات السياسية التى يمكنها المناورة بدلا من الغرق فى الشعارات والمزايدات.


Trending Plus