هل تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من القمح؟

خبر من الأخبار السارة والمفرحة وسط سيل الأخبار المحزنة طالعتنا به يوم الأربعاء الماضي وعلى استحياء بعض الفضائيات التليفزيونية المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية، ولم يلق الاهتمام المطلوب والذي يليق بأهميته من المتابعات الصحفية أو من البرامج ونشرات الأخبار المنشغلة بما يجري من أحداث إقليمية وعالمية
الخبر يقول :"إن واردات مصر من القمح خلال العام الجاري انخفضت بنسبة 31%".. ومعنى انخفاض واردات المحصول الاستراتيجي والرئيسي للمصريين هو أن مصر في الطريق الصحيح للوصول إلى الاكتفاء أو شبه الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الاستراتيجية، أو الورقة السياسية التي توظف للضغط على الدول المستوردة وتقييد قراراها السياسي.
فالقمح ليس مجرد سلعة غذائية فقط، كما تعلمنا من مجريات التاريخ المصري في فترات قريبة من محاولات ممارسة الضغوط على السياسة الخارجية المصري بورقة الغذاء الرئيسي للشعب المصري.
ولم يكذب من قال إن من لا يملك غذاءه لا يملك قراره، ومن لا يملك قراره لا يملك مصيره، ويجد نفسه شاء أم أبى ضحية لعبة الأمم.. فما بالك ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم ومطلوب منها توفير الأمن الغذائي (خاصة من محصول القمح) لحوالي 108 ملايين نسمة وتواجه مخاطر وتحديات جسيمة في منطقة جغرافية ملتهبة، تتداخل فيها مصالح قوى كبرى لا تتورع في استخدام الغذاء كسلاح لتحقيق بعض أهدافها ومشاريعها في المنطقة.
لكن هنا نطرح سؤالا مهما ربما أيضا يشغل بال كثيرين.. وكيف حققت مصر تلك المعادلة الصعبة، انخفاض في الواردات مع زيادة السكان..
وحتى نوضح أهمية الخبر يجب أولا قراءة ومراجعة بعض الأرقام المتعلقة بانتاج واستيراد مصر من القمح..
بداية مصر حتى العام الماضي أو قبل الماضي قدر حجم استهلاكها من القمح ما يقرب من 20.6 مليون طن سنويًا، كان تنتج منها نحو 9 ملايين طن. هذه الواردات كانت تكلف مصر ما يتجاوز قيمته 3 مليارات دولار سنويا،
ووفقا للبيات الرسمية لوزارة الزراعة فإن مصر استوردت 4.9 مليون طن من القمح و4.2 مليون طن من الذرة و2.2 مليون طن من فول الصويا منذ بداية العام وحتى نهاية يونيو، مقارنة مع 7.1 مليون طن من القمح و4 ملايين طن من الذرة و1.8 مليون طن من فول الصويا للفترة ذاتها من العام الماضي.
معنى ذلك أن واردات القمح انخفضت بنسبة 31% تقريبا، وواردات الذرة 4% فيما ارتفعت واردات الفول الصويا 22%.
نعود إلى الإجابة عن السؤال.. وكيف حدث ذلك على الرغم من حملات التشويه والأكاذيب التي تستهدف الوعي الجمعي للمصريين فيما يتعلق بالمشروعات القومية الكبرى.
الانخفاض في ورادات القمح يعود إلى عدة إجراءات اتخذتها القيادة السياسية والحكومة، من أهمها العمل على زيادة معدلات الإنتاج المحلي من السلع الاستراتيجية مثل القمح، بالتوسع في المساحة المزروعة من القمح، وإضافة مساحات زراعية جديدة للرقعة الزراعية المصرية، وهو ما يتجسد في مشروع مستقبل مصر والدلتا الجديدة وتوشكى.
فالعام الحالي شهد زراعة أكثر من 3.1 مليون فدان مع استهداف زيادة إنتاجية الفدان باستخدام تكنولوجيا الري والزراعة الحديثة، وساهم ذلك في زيادة معدلات التوريد.
في الماضي فدان القمح كان ينتج حوالى 10 إردب (الإردب يساوي 150 كيلوجراما)، حاليا ينتج من 18 إلى 20 إردبا . ولا ننسى هنا الجهود العلمية الكبيرة لمركز البحوث الزراعية والذي نجح في استنباط وتسجيل 5 أصناف جديدة من القمح، تتميز بإنتاجية عالية تصل إلى أكثر من 20 إردبًا للفدان الواحد، ومقاومة للأمراض والتغيرات المناخية، وهذه الأصناف الجديدة تمثل ثورة حقيقية في زراعة القمح، حيث تضمن إنتاجية أعلى وجودة أفضل، مما يزيد من الحافز لدى المزارعين لزراعتها.
الإجراء الثاني الذي كان له دور في زيادة الإنتاج وانخفاض الواردات، زيادة سعر طن القمح المحلي إلى 2200 جنيه للإردب، وإعلان الحكومة ممثلة في وزارة التموين والتجارة الداخلية بصرف مستحقات موردي القمح المحلي في موعد أقصاه 48 ساعة من التوريد.
الإجراء أو الأمر الثالث في انخفاض واردات القمح هو الخطوات والمجهودات الناجحة في المشروع القومي للصوامع، وهو من المشروعات القومية التي أولتها الدولة اهتماما خاصا ورصدت له التمويل الخاص وكل أنواع الدعم لتحديثه وتطويره، وإنشاء الصوامع الجديدة.
ونظرا لأهمية القمح كسلعة رئيسة غذائية والمحصول النقدي الاستراتيجي أنشأت الدولة صوامع حديثة في كل محافظات الجمهورية لتخزين القمح وحفظه على أحد نظم تكنولوجيا التخزين في العالم، وتطبيق النظام الحديثة في إدارتها.
ويعد المشروع القومي للصوامع واحدا من خطط الدولة للحفاظ على الغذاء وتأمين المخزون الاستراتيجي منه، وتضمن إنشاء نحو 81 صومعة، بسعة تخزينية تقدر بنحو 1.5 مليون طن. موزعة على 17 محافظة، بهدف القضاء على الفاقد الكمى والنوعى للحبوب والناتج عن تخزينها فى الشون المفتوحة والذى كان يصل نسبته إلى 10 -15% وهو ما كان يكبد الدولة خسائر ضخمة.
وبالفعل زادت السعة التخزينية للأقماح داخل الصوامع لما يقرب من 5 ملايين طن، بالإضافة إلى الصوامع التابعة للقطاع الخاص التي تصل سعتها التخزينية إلى ما يقرب من مليون طن.
وقبل عام 2014 كانت السعة الإجمالية لا تتعدى 1.2 مليون طن فقط..!
الطموح والأمل في تعزيز نظرية الأمن الغذائي لمصر وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي ليس مستحيلا أو صعبا في ظل وجود إرادة سياسية حقيقية ملموسة على أرض الواقع من خلال المشروعات الزراعية الكبرى في الدلتا الجديدة وسيناء وتوشكي والعوينات، لإضافة حوالي 6 ملايين فدان جديدة للرقعة الزراعية المصرية بأولوية قصوى في زراعة القمح والذرة وفول الصويا، للوصول إلى حلم الاكتفاء الذاتي وتقليل الضغط على العملة الصعبة وتوفيرها مليارات الدولارات مع تنويع مصادر الاستيراد بقدرة تفاوضية أقوى.. الحلم ليس بعيدا.

Trending Plus