المعادن في الحضارات القديمة.. هل قدس الناس الحديد أو الفضة؟

المعادن في الحضارات القديمة لم تكن مجرد وسيلة بل كانت صاحبة دلالة وتقديس كبير عند الأقدمين، فهناك حضارات تعبدت إلى المعادن، ومنها من اعتبرها فألا حسنا، بالتأكيد حظى الذهب بالتقدير والتقديس الأكبر، لكن تبقى معادن مثل الحديد أو الفضة نالت أيضا حظا وافرا من التقدير عند الحضارات القديمة، لدرجة أن بعضهم اعتبروها هبة سماوية.
وفي التقرير التالي نرصد كيف نظرت الحضارات القديمة إلى الحديد والفضة، وهل قدست تلك الحضارات تلك المعادن أم حظت بتقدير بالغ فقط.
الحديد
وفقا لدراسة قامت بها عالمة المصريات والباحثة فى هارفارد فيكتوريا ألمانسا فيلاتورو وفقا لناشيونال جيوجرافيك، فأن الحضارات استخدمت الحديد من النيازك لصناعة الأشياء قبل أن يتوفر الحديد المصهور ففي مقبرة على نهر النيل يعود تاريخها إلى حوالي 5200 عام، اكتشف علماء الآثار تسع خرزات مصنوعة من معدن نيزكي وخنجر مصقول بشكل رائع وأشياء حديدية نيزكية أخرى كانت من بين الكنوز المختومة في مقبرة توت عنخ آمون منذ حوالي 3300 عام وظهرت أيضًا مجوهرات وأسلحة قديمة مصنوعة من هذه المادة النادرة في أجزاء أخرى من العالم: خرز في أمريكا الشمالية، وفؤوس في الصين، وخنجر في تركيا.
في معظم الحالات لا يُعرف ما إذا كانت هذه الثقافات قد فهمت مصدر حديد النيازك ومع ذلك، في قبر أوناس، تخبر النصوص الجنائزية عن وجود معدن في السماء مما يشير إلى أن المصريين ربما لم يدركوا ظاهرة سقوط الحديد فحسب بل أدرجوه أيضًا في معتقداتهم الصوفية.
كسرت أمانسا فيلاتورو دلالات الجملة إذ أشارت إلى رمز مقنطر يعني "السماء" ورسالة على شكل دمعة تشير إلى "المعادن"، وأوضحت أن هذه الحروف الهيروغليفية ، جنبًا إلى جنب مع رمز الوعاء، تشير إلى معدن ينتمي إلى السماء.
تتضمن النصوص التي تظهر أيضًا في مقابر الحكام اللاحقين كلمات أخرى غامضة بنفس القدر ووفقًا لترجمات ألمانسا فيلاتورو، فإن "الباب الحديدي في السماء المرصعة بالنجوم مفتوح"، كما تخبرنا النصوص المصرية القديمة أيضًا عن "بيضة" من الحديد، وهي استعارة محتملة لرحم إلهة السماء المصرية نوت حيث يقول سطر آخر: "سوف ينهمر الحديد بعد أن يشق البيضة".
الفضة
تمتعت الفضة بقيمة عظيمة وجاذبية جمالية في العديد من الثقافات القديمة، حيث استُخدمت في صناعة المجوهرات وأدوات المائدة والتماثيل الصغيرة والقطع الطقسية والقطع الخام المعروفة باسم "الفضة المصقولة" والتي يمكن استخدامها في التجارة أو لتخزين الثروات. كان الفضة المعدن المفضل لسك العملات لفترات طويلة، وكان الاستحواذ على مناجم الفضة في أماكن مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا والأناضول عاملاً هاماً في العديد من الصراعات القديمة.
كما عُثر على المعدن، من بين أماكن أخرى، في مناجم في الصين القديمة وكوريا واليابان وأمريكا الجنوبية، حيث حُوّل إلى أشياء مصنوعة بإتقان لاستخدام النخبة ولتقديمها كجزية وهدايا مرموقة بين الدول. بفضل سهولة استخراجها ومعالجتها وإعادة استخدامها وبريقها اللامع، كانت الفضة واحدة من السلع الدولية القليلة التي ربطت العالم القديم وقسمته في آن واحد.
ووفقا لكتاب "الفضة" لـ فيليبا ميريمان فأن في حضارة المايا القديمة اعتقد أن الفضة هى «دموع القمر»، بينما ساد اعتقاد بأن عظام (الآلهة) المصرية كانت من الفضة وجلودهم من الذهب.لقد فتن هذا المعدن الثمين الناس بجماله منذ آلاف السنين، وروي كثير من القصص والأساطير عن الفضة وعن المنزلة الاجتماعية لصاغتها في تراث الشعوب، بدءاً من «الفايكنغ»، قراصنة اسكندنافيا، إلى بدو أفريقيا الشمالية. استخدمت الفضة عبر القرون لتخزين الثروة وصرف النقود، وإظهار المنزلة الاجتماعية، وفي الطقوس والزينة، كما تم ربطها بالسحر وجلب الحظ. وذلك لأنها تتميز بخواص تجعلها مناسبة لأغراض متعددة، حيث يمكن صهرها وتشكيلها بسهولة، ويمكن تلميعها إلى الحد الذي تصبح فيه كالمرآة

Trending Plus