طمع القلوب يطفئ نور الدروب

في زمن ازدادت فيه سرعة الحياة، وتبدلت فيه القيم، بات بعض الناس يركض خلف المادة كأنها الغاية والهدف، لا الوسيلة والسند، أصبح الطمع طقسًا خفيًا يمارس في صمت، خلف ابتسامة زائفة أو مودة مشروطة، فصار الأخ يطمع في أخيه، والشقيق يتربص بميراث شقيقته، والزوج يمدّ يده إلى مال زوجته، والزوجة تُمنّي نفسها براتب زوجها، الجار يرقب جاره بعيون الطمع لا عيون المودة، والصديق يتحسس رزق صديقه وكأن الأرزاق تُقسَّم بالحسد، لا بالقدر، المدير يتضخم بطمعه في مجهود موظفيه، والموظف يمدّ عينيه إلى كرسي لم يُخلق له بعد.
نعم، هذه وقائع مؤلمة، لكنها تظل استثناءً لا قاعدة، تصرفات فردية، لكنها موجعة، تُنذر بما هو أبعد من المال، وتؤشر إلى شُح في القلوب، لا في الجيوب، فالدنيا، مهما ضاقت، تتسع للجميع، لكن القلوب التي أُغلقت بالأنانية، لا ترى إلا نفسها، ولا تسمع إلا صوت الطمع.
الطمع مرض خفي، لا يظهر في التحاليل، لكنه ينهش القلوب ويُطفئ النور من العيون، من طمع في كل شيء، فقد كل شيء، من أفرط في المقارنة، أهدر لذة النعمة، ومن مدّ عينيه لما في يد غيره، ضاق صدره بما في يديه، الطمع لا يُورث إلا الضجر، والرضا لا يجلب إلا السكينة.
علموا أبناءكم الرضا، فالراضي سعيد وإن قلّ ما يملك، والطامع شقي ولو ملك الأرض وما عليها، علموهم أن ما كُتب للعبد لن يأخذه غيره، وأن ما في يد الناس ليس طريقًا للفرح، بل بوابة للحسرة، الرضا ليس ضعفًا، بل فِطنة، وهو جنة الله في الأرض، يعيش فيها من عرف قيمة ما بين يديه، لا من ظلّ يعدّ ما في أيدي الآخرين.

Trending Plus