عندما أصبح نزار قباني ممثلا من أجل نجاة الصغيرة.. اعرف القصة

ارتبط اسمي نجاة الصغيرة ونزار قباني في الذاكرة الفنية العربية بعلاقة فنية راقية جمعت بين الشعر والموسيقى، في ستينيات القرن العشرين، كانت نجاة الصغيرة في أوج نجوميتها كمطربة ذات إحساس مرهف، تبحث دائمًا عن النصوص الشعرية العميقة. في الوقت نفسه كان نزار قباني قد أصبح شاعر الحب والمرأة الأول في العالم العربي، بأسلوبه السلس ولغته القريبة من القلب، هذا التعاون أسّس لمدرسة خاصة في الأغنية العربية، حيث غدت القصيدة الفصحى الحديثة قابلة للتلحين والغناء للجمهور الواسع، بعد أن كانت الفصحى حبيسة القوالب التقليدية.
القيثارة الحزينة.. التجربة التمثيلية الوحيدة لنزار قباني مع نجاة عام 1967
التجربة الوحيدة لشاعر المرأة، جاءت عام 1967، عندما قرر خوض تجربة التمثيل للمرة الأولى والأخيرة فى حياته، من أجل نجاة فى مسلسلهما الإذاعى «القيثارة الحزينة»، بعدما أراد المخرج الكبير السيد بدير استغلال النجاح الباهر الذى هز الأوساط الفنية، بعد نجاح الثنائى نزار ونجاة، بعد نجاح قصيدتى «أيظن» و«ماذا أقول له»، من خلال عمل فنى يجمعهما سويًا، ونجح بعد محاولات فى إقناعهما ليكون المسلسل بمثابة «القبلة الأولى» فى حياة نزار الفنية، وهو من تأليف الكاتب الكبير يوسف السباعى، موسيقى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وشارك فى البطولة كمال الشناوى، حسين الشربينى، نعيمة وصفى، وداد حمدى، عبدالبديع العربى، ومن إخراج السيد بدير.
قصة مسلسل هدى وطارق.. نزار قباني وكمال الشناوي في دراما رومانسية بالإسكندرية
وتدور أحداث المسلسل حول الفتاة الرقيقة «هدى»، التى لعبت دورها نجاة، التى تعيش بمفردها مع والداها الكبير فى السن، عبدالبديع العربى، وخادمتها، وداد حمدى، فى فيلا بالإسكندرية، وفى أحد الأيام يسكن بجوارها محام شاب اسمه «عصام»، كمال الشناوى»، الذى يحاول التقرب منها، ومعرفة سر حزنها وشرودها طوال الوقت، وبعد طول تردد تحكى له قصتها المتوترة مع خطيبها «عزت» الذى لا تبادله مشاعر عاطفية، وكيف كانت لتلك القصة يد فى معرفتها بالكاتب الكبير صاحب الروايات العاطفية المثيرة «طارق»، الذى قدم دوره الشاعر نزار قبانى، والتى أعتادت على قراءة باب المشاكل الذى يقدمه فى إحدى المجالات الصحفية، وقررت فى أحد الأيام أن ترسل له برسالة تستشيره فى أزمتها العاطفية.
رسائل هدى ولقاءاتها مع طارق في «القيثارة الحزينة».. قصة فراق لم يكتمل
رسائل «هدى» لم تكن تصل إلى «طارق» وكأنها «رسائل لم تكتب له»، حتى أرسلت له ذات يوم رسالة تهدده بمقاطعة بابه الصحفى إذ لم يرد عليها، وبعدما قرأها طلب منها مقابلته فى كافيه بالإسكندرية من أجل معرفة مشكلتها وإعطائها نصيحته فى مقابلة حددها هو فى نصف ساعة، نظرًا لانتظاره صديقًا آخر بنفس المكان.
فى اللقاء الأول ظل الكاتب يدقق بقلمه فى روايته التى يمسكها، وعندما ذكرته هى بميعاد صديقه قرر أن يتركا المكان وألا يقابل صديقه، من أجل أن يستكمل اليوم مع تلك الفتاة.
اللقاء تكرر مرتين وفى الثالثة لم يحدث بعدما أصيب الرجل بذبحة صدرية أمام الربوة التى كانا يلتقيان عليها على شاطئ الإسكندرية، ليذهب إلى المستشفى وهناك يقرر الأطباء أنه لابد أن يستريح لفترة، فيقرر «طارق» السفر إلى لبنان.
المسلسل الذى تدور معظم أحداثه عبر حوار تتذكر فيه «هدى»، نجاة، الأحداث مع جارها، تغيرت وتيرة مجرياته بعد سفر «طارق»، فالفتاة لم تنكر أنها أنجذبت إليه، وتنتظر أن يأتى أو أن يكتب رسائل لها، يبعث بها من أعلى جبال لبنان، أو أن يعود كى تطمئن عليه، فكل شىء يهون على المحب «إلا فراق الأحباب».
«هدى» أحبت «طارق» فهل أحبها هو، وهل كان ذلك النزق التى تملك الرجل الأربعينى فى اللقاء الأول كان وليد الحب من أول نظرة، أم أن شيئًا فى تلك الفتاة الصغيرة جذب انتباه الرجل، وسرقه من سكينة الأديب إلى متاهة الهائمين؟
قصة «هدى» و«طارق».. حكاية نزار قباني ونجاة في القيثارة الحزينة
«طارق» رأى فى «هدى» ابنته «هيفاء»، فتاته التى أنجبها من زوجته اللبنانية، وتغيب عن عينه لإقامتها فى بيروت بينما هو فى الإسكندرية، كان يسعد بمقابلتها، لكن شعر بالحزن بعدما رأى نظرة الحب فى عين الصغيرة، ورغم أن «هدى» لم تكن تتوقع ذلك، وتصورت أن صاحب باب المشاكل العاطفية يبادلها مشاعرها، إلا أنه أقنعها فى النهاية بأنهما لن يلتقيا أبدًا، فهما مثل الخريف والربيع، وأنها كانت تبادل خطيبها «عزت» الحب إلا أنها كانت تغالط نفسها، صنع الخجل بداخلها مشاعر أخوية كاذبة صنعت جدارًا بينهما، وخلافًا للتفسير الحقيقى لمشاعرهما، وتسببت العلاقة العائلية بينهما فى صنع تلك المشاعر الكاذبة، وفى النهاية نجح الكاتب فى أداء دوره وحل مشكلة «هدى» العاطفية بعدما كاد أن يتسبب لها فى أزمة أخرى تفقدها الثقة فى كل البشر.
«نزار» الذى مثل لأول وآخر مرة فى حياته، ظل طوال المسلسل يتحدث كأنه يلقى قصيدة، وكان كل مشهد بمثابة بيت شعر يرتله بصوته، فأشعر نزار ولم تغنِ نجاة، وإن ظل إحساسها المرهف، وصوتها العذب يدندن فى أسماع المستمعين، الذين انتظروها أن تغنى مثلما انتظرت هى «طارق» أن يعود، فلا عاد هو كما تمنت، ولا هى غنت كما انتظر الجمهور.

Trending Plus