لماذا يحبون أنغام هكذا؟

لم تمض أسابيع قليلة بعد ما كتبته عن أزمة الفنانتين المصريتين الكبيرتين أنغام وشيرين، والتي بدأتها بأني ما كنت أحب أن تخرج أنغام للجمهور شاكية باكية مما تعرضت له من شائعات حول صلتها بما حدث لشيرين في مهرجان موازين المغربي، حتى دخلت أنغام في أزمتها التالية، وهي أزمتها الصحية التي ستتعافى منها بإذن الله، وتعود لفنها وحياتها وجمهورها العريض، وقد تأثرت جدا لأن هذا يعني أنها في هذا الوقت كانت تحت ضغوط كبيرة ربما يكون منها الحالة الصحية.
نحن البشر عادة لا نعرف قيمة الأشياء إلا عندما نخاف من الفقد أو الخسارة، حينها نعود فنقيم الأمور بقدر أكبر من الإنسانية، ومن المؤكد أن هذا ما تحتاجه أنغام الآن، فقد فاجأتنا بأزمتها وهي السيدة القوية التي تمتلك زمام أمورها، ولا تلتفت كثيرا لمن يحاول عرقلتها أو تشتيت انتباهها عن الطريق الذي اختطته لنفسها.
ومن خلال لقاءاتها القليلة ومواقفها في مشوارها الإنساني والفني، هي تبدو سيدة قوية صاحبة وجهة نظر وموقف من الحياة، يصاحبه عناد من يعرف حقوقه ويتمسك بها ولا يهتم كثيراً بآراء الآخرين، وهذه قوة لا تتأتى للكثيرين، ولا يدركها سوى أصحاب المواقف الواضحة.
منذ سنواتها الأولى وطفولتها والأضواء مسلطة عليها، وهذا يمكن أن يفسد أي أحد مهما كانت صلابته، ويدمن الشهرة والانتشار والحكايات والشائعات، لكن أنغام على المستوى الشخصي ظلت على قدر إمكانتها المحدودة تعمل على الابتعاد بحياتها الشخصية عن الأضواء، وإمكانتها هنا محدودة لأن أطراف أخرى لم تسلك نفس السلوك، نحن هنا لسنا في محاكمة لأحد، لكن أنغام تعرضت لإساءات وشائعات كثيرة من أصدقاء وأقارب، وكانت دائما تعلو وتترفع، وفقط تهتم بفنها وتذاكر واجبها وترسخ أقدامها في الفن .
الحقيقة أنني أحترمها كثيرا كفنانة وكإنسانة، وأقول هذا لأنني حتى سنوات عديدة كنت أتخذ منها موقفاً سلبياً يقوم على التأثر بأسباب لا صلة لفنها بها، ولكني مع الأسف تأثرت.
بقيت مشاعري الحاجزة بين فن أنغام وأذني حتى حضرت لها حفل في دار الأوبرا المصرية، وقد توقعت أن تكون القاعة الكبرى خالية إلا من عدد قليل، فلابد أن هناك كثيرين مثلي لا يهتمون كثيراً بما تقدمه أنغام، حتى فوجئت بما رأيت، وربما من المرات القليلة التي يحتل الجمهور مقاعد الصالة والبناوير والبلكونات وحتى الطرقات، ومعظمهم من شباب في مرحلة عمرية كنت أعتقد أنها لا تفضل الطرب الذي التزمت به أنغام منذ بدايتها.
الحقيقة أن هذا المشهد أبهرني وأدهشني، وقد زاد من دهشتي أن كل قاعة دار الأوبرا تغني مع أنغام وتحفظ أغانيها عن ظهر قلب، حينها قررت أن أراقب ما يحدث وأبحث لماذا يحبون أنغام هكذا؟ واكتشفت أنها ليست مجرد مطربة كبيرة عابرة في تاريخ الغناء المصرى، لكنها حالة استثنائية استطاعت أن تجمع بين الطرب المصري الضارب في جذور هذه الأرض، وبين تطور الحياة والفن بالكلمة والنغمة، استطاعت أن تتلمس المشاعر الإنسانية بكل شفافية، وأن تلبي وتتفهم مايريده الجمهور، وهي في كل هذا لم تهبط ولم تتدنى ولم تسف، وهي معادلة شديدة الصعوبة في وقتنا هذا.
تحية كبيرة للراقية أنغام الفنانة المصرية الرائعة، والتي صنعت حالة فنية متميزة في بلدنا من المؤكد أنها تستحقها عن جدارة، وتمنيات طيبة بشفائها وعودتها سريعاً إلى جمهورها الذي ينتظر المزيد من عطائها.

Trending Plus