النصب الإلكترونى.. التكنولوجيا فى يد المجرمين سلاح يسرق مدخرات الأبرياء.. مكالمات وهمية ورسائل مزيفة تنتهى بسرقة الحسابات.. «إيمان» تروى كيف سُرقت والدتها فى لحظة.. و«عمر» فقد 7 آلاف جنيه فى غمضة عين

** حيل جديدة لعصابات النصب عبر المحافظ والبنوك
** العقوبة الحبس والغرامة ورد الأموال وقد تصل إلى السجن المشدد إذا ارتبطت بوقائع تزوير أو انتحال صفة
لم تكن تتوقع أن تنهار أحلامها فى دقائق، رسالة واحدة على هاتفها كانت كفيلة بمسح سنوات من الادخار، خلف الشاشات، هناك عقول تحترف الخداع وتتقن اللهجة الرسمية، وتعرف كيف تزرع الخوف أو الطمع فى قلبك لتدفعك- طواعية- إلى تسليم مفاتيح أموالك.
النصب الإلكترونى لم يعد جريمة عابرة، بل تحول إلى صناعة سرية تدر ملايين الجنيهات، وأبطالها مختبئون فى الظل، يسرقون بلا سلاح فقط بالكلمات.
النصاب لا يقتحم حسابك بالقوة، بل يدخل من بابك الأمامى، بعد أن تدعوه بنفسك، يعتمد على ما يسمى «الهندسة الاجتماعية»، استغلال مشاعرك، سواء كان الخوف من فقدان المال أو الحماس للفوز بجائزة، ليدفعك للكشف عن معلوماتك.
كانت الساعة الثامنة مساء، حين تلقت «مروة» رسالة نصية تحمل شعار بنكها، تقول: «تم تحويل مبلغ كبير من حسابك، اضغطى هنا للتأكيد».
شعرت ببرودة تسرى فى جسدها، ضغطت على الرابط بلا تردد، فانتقلت إلى موقع مطابق تماما للموقع الرسمى للبنك، طلب منها إدخال بيانات البطاقة وكلمة المرور.
لم تمضِ دقائق، حتى تلقت إشعارا آخر: «رصيدك الحالى صفر».. فى لحظة واحدة، اختفت مدخراتها التى جمعتها على مدى سنوات.
هذا المشهد لم يعد استثناءً، بل أصبح واقعا يوميا يتكرر مع عشرات وربما مئات الضحايا فى مصر، حيث وجد المحتالون فى الهواتف الذكية والإنترنت ساحة مثالية لتنفيذ جرائمهم من خلف الشاشات.
لحظة غفلة.. قالت إيمان على، فى تصريحات خاصة: إن والدتها تعرضت لواقعة نصب إلكترونى فى لحظة غفلة، بعدما تلقت مكالمة هاتفية من شخص انتحل صفة موظف بنك، مؤكدة أن الواقعة كانت صادمة بالنسبة للعائلة.
وأضافت «إيمان»: «افتكرت جملة سمعتها زمان من قريبى قبل وفاته بعد حادث سير، قال لى: ربنا يكفيكى شر الغفلة.. للأسف الكلمة دى رجعت فى بالى لما أمى كلّمتنى وهى بتبكى وبتقول: أنا اتسرقت فى لحظة غفلة»، مشيرة إلى أن والدتها صدّقت المتصل، بعدما ذكر بعض البيانات الصحيحة عن حسابها البنكى، ما جعلها مطمئنة أنه موظف حقيقى.
وأوضحت «إيمان» أن المكالمة استمرت نحو الساعة، وخلالها حصل المحتال على كل بيانات الحساب البنكى، ثم استولى على الأموال بالكامل، وحوّلها إلى عدة محافظ إلكترونية تابعة لشركة اتصالات معروفة.
نصاب ينتحل صفة موظف خدمة عملاء.. قال أكرم عادل، فى تصريحات خاصة: إن هناك شخصًا انتحل صفة موظف بخدمة عملاء إحدى شركات الاتصالات الكبرى، محذرًا من استغلال النصابين لطيبة المواطنين من أجل سحب أموالهم.
وأضاف «عادل»: «فى نصابين كتير، بس ده نصاب غبى، بيدعى إنه من خدمة فودافون وبيستقبل مكالمات كأنه موظف رسمى، وبيحاول يقنع الناس إنه من البنك أو من شركة الاتصالات علشان يسحب فلوسهم»، مؤكدًا أن هذه الأساليب الاحتيالية تتكرر يوميًا وتوقع ضحايا كثيرين.
وتابع «عادل»: «أنا شايف إن الداخلية لازم تتحرك بسرعة وتشوف الناس دى، لأنهم بيستغلوا عدم وعى بعض المواطنين، خصوصًا الكبار فى السن»، مشددًا على ضرورة محاسبة كل من يثبت تورطه فى هذه الجرائم.
أكد أكرم عادل أن لديه رقم الهاتف الذى يستخدمه المحتال، وقال: «الرقم معايا وأكيد هيتم اتخاذ اللازم من الجهات الأمنية»، داعيًا الجميع لعدم مشاركة أى بيانات شخصية أو مصرفية عبر الهاتف لأى شخص يدعى أنه من بنك أو شركة اتصالات.
محاولة نصب.. قال محمد على السيد: إنه تعرض لمحاولة نصب من شخص انتحل صفة موظف بأحد البنوك، موضحًا أن المكالمة بدأت بشكل ودى وبمعلومات دقيقة جعلته يظن فى البداية أن المتصل بالفعل موظف حقيقى.
وأضاف: «المتصل قال لى بيانات حقيقية عنى، معلومات مش ممكن يعرفها إلا البنك أو جهة عملى، وده خلانى أصدق أنه جاد فعلا فى تحديث بياناتى»، لافتًا إلى أن الثقة المبدئية دفعته للاستماع له.
وتابع: «بعدها طلب منى بيانات كارت البنك، الفيزا، وابتديت أقوله الأرقام المكتوبة على الكارت، لحد ما وصل لطلب الرقم المكون من 3 أرقام الموجود خلف البطاقة، وهنا بدأت أشك إن فى حاجة غلط».. مؤكدًا أنه قرر التوقف عن استكمال البيانات.
وأشار محمد على إلى أنه حاول تضليل المتصل وعدم منحه الرقم السرى، لكن الأخير فقد أعصابه، قائلا: «أول ما رفضت أحقق اللى هو عايزه شتمنى بأبشع الألفاظ وقفّل المكالمة فورًا»، محذرًا المواطنين من الانسياق وراء مثل هذه المكالمات التى تستهدف سلب أموالهم.
يروى الشاب عمر مراد، تفاصيل واقعة نصب تعرض لها عبر محفظته الإلكترونية، مؤكدًا أن الأسلوب كان محكمًا ويستغل عدم انتباه الضحية.
قال «مراد»: «اتصل بى شخص وقال لى: مبروك.. ربحت معنا 7 آلاف جنيه، وابتدى يذكر لى معلومات شخصية عنى تؤكد مصداقيته، وأكد لى أنه سيتم إرسال المبلغ على نفس الرقم اللى بكلمه منه، وده فعلا رقم عليه محفظة إلكترونية باسمى».
وأضاف «مراد»: «بعد دقائق جتلى رسالة على الموبايل بتقول إنه تم تحويل 14 ألف جنيه لحسابى، وبعدها على طول الشخص اتصل وقال لى: إحنا بالغلط حولنا لك المبلغ مضاعف، ولازم ترجع لنا نص المبلغ».
وتابع «مراد»: «للأسف ما ركزتش إن الرسالة اللى وصلت لى كانت رسالة عادية مش من البنك أو المحفظة الإلكترونية، ووقعت فى الفخ، حولت له 7 آلاف جنيه، وبعد ما دخلت أشوف رصيدى اكتشفت إن المحفظة فاضية».
وأشار «مراد» إلى أنه حاول الاتصال بالرقم مرة أخرى، لكن المتصل أغلق الهاتف بعد أن سبّه بألفاظ خارجة، محذرًا المواطنين من الانسياق وراء مثل هذه المكالمات أو الرسائل الوهمية، التى قد تبدو فى ظاهرها حقيقية، لكنها فى الواقع مجرد فخ لسرقة الأموال.
عصابات.. كشف مصدر أمنى بقطاع مكافحة جرائم الأموال العامة والجريمة المنظمة لـ«اليوم السابع»، أن أسلوب النصب عبر الهاتف وتطبيقات المحادثة لم يعد مجرد محاولات فردية، بل تحول فى بعض المناطق إلى نشاط منظم تديره تشكيلات عصابية محترفة، تمتلك قواعد بيانات لضحاياها وتستخدم أساليب إقناع مدروسة.
أوضح المصدر أن أحدث هذه الأساليب تعتمد على انتحال صفة موظفى خدمة عملاء البنوك أو البنك المركزى المصرى، والاتصال بالضحايا لإيهامهم بضرورة تحديث بياناتهم البنكية على وجه السرعة، مهددين بإيقاف الحسابات فى حال عدم الاستجابة.
يضيف المصدر: «البعض يقع ضحية، خاصة أن المتصل قد يذكر معلومات صحيحة عن الضحية، مثل رقم الحساب أو بعض بياناته الشخصية، ما يمنح المكالمة مصداقية كاذبة، بمجرد حصولهم على أرقام البطاقات البنكية وكود الأمان، يتم سحب المبالغ أو تحويلها لمحافظ إلكترونية، ثم تصريفها عبر منافذ شركات الاتصالات».
حيل متنوعة وأساليب إغراء.. المصدر أكد أن بعض أفراد هذه العصابات يبتكرون طرقًا أخرى للإيقاع بالضحايا، منها إيهامهم بالفوز بجوائز مالية كبيرة أو منحهم قروضًا بشروط ميسرة، شريطة الإفصاح عن بيانات بطاقاتهم البنكية كاملة.
القانون.. المستشار القانونى والخبير فى قضايا النصب الإلكترونى، محمد ثابت، يقول: إن القانون المصرى تعامل بحسم مع هذا النوع من الجرائم، حيث نص على عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه، لكل من استخدم خدمات الاتصالات أو الوسائل الإلكترونية فى النصب على الغير والحصول على أموالهم دون وجه حق.
وأضاف «ثابت»: العقوبات قد تتضاعف إذا ارتكب الجانى جريمته بانتحال صفة موظف عام، مشيرًا إلى أن المادة 155 من قانون العقوبات تجرم التدخل فى وظيفة عمومية دون صفة رسمية، وتصل العقوبة فى هذه الحالة إلى الحبس، نظرًا لخطورة استغلال الثقة العامة.
كيف يعمل المحتالون؟.. الخبراء يصفون هذه العمليات بأنها «هندسة اجتماعية»، حيث يعتمد الجانى على استغلال العاطفة أو الخوف أو الطمع لدفع الضحية للإفصاح عن بياناته بنفسه.
أكثر الأساليب شيوعا تشمل «المكالمات الهاتفية بانتحال صفة موظفى البنوك أو الهيئات الرسمية- الرسائل النصية أو البريد الإلكترونى بروابط لمواقع مقلدة- الجوائز الوهمية التى تتطلب رسوم استلام أو بيانات تحويل- التطبيقات المزيفة للاستثمار أو التسوق».
هناك إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن أكثر من 60% من الضحايا يذكرون أن المتصل كان يعرف بيانات شخصية عنهم، ما يعزز الثقة ويفتح الباب لعملية الاحتيال.
هل العقوبة كافية؟
يجرم قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 النصب الإلكترونى:
-المادة 23 «الحبس من 3 أشهر إلى سنة، وغرامة من 30 إلى 200 ألف جنيه، لكل من حصل على بيانات بنكية واستغلها للاستيلاء على الأموال».
-المادة 24 «الحبس من 3 أشهر إلى سنة، وغرامة من 10 إلى 200 ألف جنيه، لكل من أنشأ موقعا أو بريدا ينتحل فيه هوية شخص أو جهة».
لكن المحامى المتخصص فى قضايا التقنية، تامر مجدى، يرى أن هذه العقوبات لم تعد رادعة أمام الأرباح الكبيرة التى يحققها المحتالون، ويطالب بتحويل الجريمة من جنحة إلى جناية مع تشديد العقوبة إلى الحبس 5 سنوات على الأقل.
تعديلات مرتقبة وتشديد الرقابة.. البرلمان يناقش إضافة مادة «23 مكرر» لتعريف النصب الإلكترونى بدقة، وتغليظ العقوبة إذا ارتكبت الجريمة ضمن عصابة منظمة أو استهدفت عددا كبيرا من الضحايا.
كما ينص قانون البنك المركزى رقم 194 لسنة 2020 على إلزام البنوك بتعويض العملاء، إذا ثبت التقصير فى حماية بياناتهم، وإتاحة أنظمة إنذار فورى لوقف أى عملية مشبوهة.
كيف تحمى نفسك؟
-لا تشارك بياناتك البنكية أو الرموز السرية عبر الهاتف أو الإنترنت- تجاهل الروابط المرسلة فى الرسائل، وادخل دائما على الموقع الرسمى.
-فعّل الإشعارات الفورية لحسابك- اتصل مباشرة بالبنك عند أى رسالة أو اتصال مشبوه- الإبلاغ فورا الجهات المختصة لزيادة فرص استرداد الأموال.
كيف تُبلغ عن محاولات النصب الإلكترونى؟
إذا تعرضت لمحاولة نصب أو سرقة إلكترونية، فالتبليغ السريع قد يكون الفارق بين استعادة أموالك وضياعها تماما، ويمكن اتخاذ الخطوات التالية:
-التواصل فورا مع البنك وإبلاغه بالمعاملة أو المحاولة المشبوهة لإيقاف أى تحويلات قبل اكتمالها- الاتصال بمباحث الإنترنت عبر الخط الساخن 108 من أى خط أرضى أو التوجه لأقرب فرع لإدارة مكافحة جرائم الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات.
-تقديم بلاغ رسمى فى قسم الشرطة يتضمن كل الأدلة المتاحة «رسائل، أرقام هواتف، صور للشاشة، إيصالات تحويل»- استخدام خدمة البلاغات الإلكترونية عبر بوابة وزارة الداخلية على الإنترنت، ورفع المستندات الداعمة.
-إبلاغ جهاز حماية المستهلك إذا كان الاحتيال مرتبطا بعمليات شراء أو منصات تجارة إلكترونية، فكلما كان البلاغ أسرع وأكثر تفصيلا، زادت فرص تعقب الجناة ومنعهم من تكرار الجريمة مع آخرين.
كيف تنجو من فخ المحتالين؟
النصب الإلكترونى جريمة ذكية تتطور مع التكنولوجيا، ولا يكفى مواجهتها بالقانون وحده، فالوعى هو خط الدفاع الأول، وكل ضحية محتملة تملك القرار «أن تكون الحلقة الأضعف أو الجدار الذى لا يمكن اختراقه».

Trending Plus