بين الإيموشن والصمت.. لماذا توقفنا عن الكلام؟

في زمن السوشيال ميديا، أصبح الحديث بيننا أشبه برحلة بلا وجهة، نحوم حول الرموز التعبيرية وكأنها بديل لعالم الكلمات والمشاعر الحقيقية، صرنا نختزل أحاسيسنا في علامات صفراء صغيرة، إيموشن ضحك أو حزن، وكأن اللغة الحية استبدلتها آلة صماء، قادرة على التعبير عن كل شيء بلا روح، لكنها عاجزة عن نقل نبض القلب أو حرارة اللقاء، صار التواصل بيننا باردًا، كأننا نتحدث مع أنفسنا عبر مرايا مشوشة، أو مع جهاز لا يسمع سوى صدى الصمت.
فتور الحديث لم يكن وليد اليوم، لكنه تفاقم في هذا العصر الذي يغزو فيه الافتراضي أرض الواقع، حتى أصبحت الكلمات الحقيقية تذوب بين رموز الإعجاب والتعليقات السريعة، لغة جديدة ولدت، لكنها لغة بلا قلب، تتبادل فيها الوجوه المصطنعة بدل العيون المتلاقية، وتحل محل الحوارات العميقة، محادثات سطحية تعجّ بالسكوت الممزوج بصدى الفقدان.
نحن لا نتحدث، بل نرسل إشارات لا تُقرأ إلا بسطحية، ونرد على أصوات إلكترونية صماء بدلاً من أن نُسمع أنين قلوبنا للآخرين، هذا الانفصال عن الكلمة الحية يُهدد أواصر المحبة والتفاهم، ويخلق بيننا جدرانًا من البرود والتبلد، مشاعرنا أصبحت أرقاماً وأيقونات، وحكاياتنا تحولّت إلى رموز، وعلاقاتنا باتت أسرى لشاشة زجاجية لا تعكس إلا فراغاً صاخباً.
إنها مأساة العصر الحديث، حيث غابت الأصوات الحقيقية، وحلّت مكانها صدى الصمت والتجاهل، ربما الأوان قد حان لنكسر قيود الفتور، لنفتح أبواب الحوار الحقيقي، لنعود للغة القلوب التي لا تنطق بالإيموشن، بل بالكلمة الصادقة والنظرة الصافية، فالكلام لا يُبَدّل بعلامات صفراء، بل ينبع من صدق الإنسان ودفء علاقاته.

Trending Plus