خالد صلاح يكتب: فجر اقتصادى جديد.. قراءة أولية فى مؤشرات تحسن الاقتصاد المصرى

لا أزعم أننا عبرنا عنق الزجاجة اقتصاديا، لكننى لا أستطيع أن أغفل عددا من المؤشرات التى تؤكد حالة تعافٍ إيجابية لمختلف مؤشرات الاقتصاد المصرى فى الأشهر الأخيرة الماضية، ولعل الإشارة إلى إيجابيات ما يحدث على أرض الواقع يعزز من أجواء التفاؤل المحلية والإقليمية والعالمية بما يمكن أن نحققه فى مصر خلال عامى 2026 و2027، وسأضع أمام عينيك هنا مجموعة من الأخبار المالية والسوقية التى توحى بأننا ننتقل تدريجيا من مرحلة إدارة الأزمة إلى مرحلة التقاط الأنفاس.
أول هذه الإشارات فى المؤشر EGX30 الذى واصل الصعود المتتالى وسجل قمة تاريخية جديدة، فى توقيت هبطت فيه الأسعار على مستوى التضخم السنوى الحضرى إلى 13.9% فى يوليو بعد أن كانت سجلت نسبة 14.9% فى يونيو، وهو أدنى مستوى نراه خلال الفترة الماضية، والحاصل هنا أن الصعود القياسى لأسواق المال، مع تباطؤ التضخم على هذا النحو يبعث إشارة ثقة من المستثمرين بأن المخاطر الكبرى قد بدأت تنحسر نسبيا.
ربما تقول أنت الآن إن البورصة وحدها لا تصنع اقتصادا متعافيا، لكننى أضيف لك ردا على ذلك، ثانى المؤشرات الإيجابية التى تخص مؤشر مدير المشتريات PMI وهذا المؤشر هو عبارة عن مسح شهرى لحالة البزنس الخاص فى مصر خاصة فى القطاعات غير النفطية، وهو يقيس الطلبيات والتوظيف وتكاليف الإنتاج، وتؤكد أرقام هذا المؤشر أن الانكماش الاقتصادى أصبح أبطأ كثيرا من ذى قبل، صحيح أنه لم يصل بعد إلى مستوى التعادل المنشود، لكننا على بُعد خطوات من أن نعبر هذا الحاجز، الأمر الذى يؤكد تقدم القطاعات الاستثمارية غير النفطية فى البلاد، وأن ماكينة الإنتاج تتحرك فى قطاعات متعددة.
ثالث المؤشرات على الصعيد النقدى، وهنا تأتى تقارير البنك المركزى التى تشير إلى توقعات نمو تصل إلى 4.8% حتى عام 2026، ودلالة ذلك ليس فى رقم النمو وحده بل فى كونه دليلا على أن السياسات النقدية بعد برنامج صندوق النقد الدولى، والتدفقات الخليجية فى مشروع رأس الحكمة توفر مظلة لإعادة التوازن لأسعار الصرف، واقتراب مرحلة نهاية العطش الدولارى التى عانت منها مصر لسنوات طويلة.
هذا المؤشر النقدى لا يقتصر على تقديرات البنك المركزى المصرى وحده، بل تعززه تقديرات خارجية أكثر انفتاحا، فحسب استطلاع لوكالة رويترز فقد ارتفع تقدير حالة النمو فى مصر إلى ما يربو على 4 % مع تقديرات بتسارع هذا النمو إلى ما يزيد على 4.6% وهو ما يعكس تحسنا تدريجيا مع اتساع مناخ الإصلاح الصناعى والمالى، لا أقول إن هذه قفزة كبيرة، ولكننى أؤكد أنها تشكل حالة الفجر الجديد للاقتصاد المصرى وصعود باتجاه يمكن البناء عليه أن تم الحفاظ على هذه الخطوات بنفس هذه السياسات المنضبطة.
أضف إلى ذلك كل ما يجرى على صعيد التحسن فى مؤشرات عجز الحساب الجارى، حيث ينكمش هذا العجز على نحو لافت، وتتزامن معه قفزة فى تحويلات المصريين بالخارج والتى وصلت إلى ما يزيد على 32.8 مليار دولار حتى مايو 2025 بارتفاع يزيد على 69 % مقارنة بنفس الفترة فى العام الماضى، وتشير التوقعات إلى ارتفاع يزيد على 80% خلال العام الجارى، كما أن إيرادات السياحة ارتفعت على نحو لافت ومن المتوقع أن تزيد على 18 مليار دولار وفق بعض التقديرات، وهو ما يضيف أرضية صلبة للنقد الأجنبى ويعكس مرونة فى القطاع السياحى رغم كل ما تشهده المنطقة من صراعات إقليمية.
يبقى ملف قناة السويس عامل المخاطرة الأكبر الذى ضرب التدفقات الدولارية للبلاد منذ تصاعد التهديدات فى البحر الأحمر، غير أن الاستقرار النسبى فى المنطقة يشير إلى اقتراب تعافى قناة السويس من هذه المحنة، مع تمديد حزم الخصومات لجذب خطوط تجارية أكبر، والرسالة الإيجابية هنا ليست فى انتهاء الأزمة تماما، لكن فى المرونة التى تتعامل بها إدارة قناة السويس، والتحسن التدريجى فى إيراداتها، والتى نتطلع إلى أن تعود لمستواها الطبيعى خلال عام 2026.
بالتأكيد أنت وأنا نشعر بأن هذه المؤشرات الإيجابية مجتمعة بدأت تنعكس على سوق الصرف للعملات الأجنبية، ويمكن رصد قدر من الاستقرار النسبى فى هذا السوق وبدء استعادة الجنيه لعافيته، وحتى لو كان ذلك بأرقام متواضعة، لكن ما نراه فى سوق الصرف يؤكد أننا مؤشر الصعود للجنيه بدأ التحرك لأعلى، وهو دليل على صحة القرارات المالية التى مضت فيها مصر مؤخرا، وإذا وضعنا فى الاعتبار الأفكار المقترحة لتكرار نموذج مشروع رأس الحكمة، وما تم الإعلان عنه بخصوص تفاهمات قطرية حول صفقة مماثلة يمكن أن تتجاوز 7 مليارات دولار، فإنه من المتوقع أن تضيق الفجوة بين الجنيه والدولار وينتعش سوق الصرف مجددا، ونقترب من نهاية الأزمة.
السؤال الآن، كيف يمكن أن نجعل من هذه المؤشرات تعافيا حقيقيا حتى نصل إلى نهاية الأزمة فى القريب العاجل، وألا تتكرر المحن المتعاقبة التى عانى منها الاقتصاد المصرى، والإجابة هنا فى تقديرى تتلخص فى ثلاث محاور هى:
أولا: المزيد من الخطوات التى تساعد على ضبط عجز الموازنة، والإدارة الرشيدة للدين الخارجى مع مسار تنازلى للفوائد المصرفية.
ثانيا: رفع تنافسية الصناعة الموجهة للتصدير وحل اختناقات الطاقة واللوجستيات.
ثالثا: توسيع دوائر الاستثمار الموجهة للغاز والسياحة والمدن الساحلية.
والخلاصة النهائية أن التحديات قائمة، لكن المسار واضح والمؤشرات تدل على التعافى، وما نريده أن نرفع الوعى بهذا التحسن، ونشيع الأجواء الإيجابية التى تساعد البلاد على القضاء على الأزمة نهائيا.
وتبقى مصر من وراء القصد.

Trending Plus