اعتدال الميزان.. أوروبا تتحرر من ابتزاز الهولوكوست.. ضمير القارة العجوز يستفيق ببطء ويدفعها للقفز على حواجز الشجب وعتبات إدانة إسرائيل.. وموجة واسعة من نوايا الاعتراف بالدولة الفلسطينية

انتصارات متتالية فى ميادين الدبلوماسية أحرزتها فلسطين، فعلى الرغم من بشاعة العدوان الممتد على قطاع غزة منذ ما يقرب من عامين، وما خلفه من فاتورة باهظة من الدماء، واجتياز حاجز الـ61 ألف شهيد، وتدمير كل معالم الحياة داخل قطاع غزة، فإن اتساع قائمة الدول الأوروبية المعترفة بالدولة الفلسطينية، واجتياز الموقف الأوروبى تجاه إسرائيل حاجز «الشجب والإدانة»، يرسم بما لا يدع مجالا للشك ملامح عهد جديد بين الدول الأوروبية وإسرائيل، لن تكون فيه الأخيرة فى موضع الحليف المقرب، أو الشريك الأول.
ورغم انحياز أوروبا الواضح لحقوق الشعب الفلسطينى منذ بداية العدوان على غزة، فإن هذا الطرح لم يكن بمعزل عن إقرار مواز بـ«حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، وهو ما بدأ يتراجع يوما تلو الآخر على امتداد محطات العدوان الوحشى على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، ليصل ذروته بقرار ألمانيا فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل.
ويفرض القرار الألمانى تهديدات متزايدة على إسرائيل، حيث تحتل ألمانيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث حجم صادراتها الدفاعية لإسرائيل خلال العقود الأخيرة، وقد لعبت دورا بارزا فى تزويد الجيش الإسرائيلى بأنظمة متطورة، من بينها الغواصات وسفن الصواريخ التى تحمى منصات الغاز الإسرائيلية.
وفى صحيفة يديعوت آحرونوت الإسرائيلية، قال يرى ايتمار ايخنر إن ألمانيا، التى تعد من أهم الدول الأوروبية وأكثرها دعما لإسرائيل، أثارت بقرارها الأخير قلقا متزايدا لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التى ترى فى الحظر الألمانى وعرقلة الشحنات الأوروبية تهديدا مباشرا لمخزونها من الأسلحة خصوصا فى حال اندلاع حالة طوارئ جديدة تتطلب شحنات عاجلة، موضحا أن هناك مخاوف من أن تقدم دول أوروبية أخرى على خطوات مماثلة.
القرار الألمانى الأخير لم يكن بعيدا عن احتقان أوروبى متصاعد من ممارسات الاحتلال، ففى نهاية الشهر الماضى طالب 58 سفيرا سابقا فى الاتحاد الأوروبى قادة التكتل باتخاذ إجراءات فورية وفعالة لوقف «الجرائم الفظيعة والانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة» بحق الفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية، مؤكدين أن الصمت الأوروبى الحالى «يجعل الاتحاد شريكا فى الجريمة».
وفى رسالة مفتوحة وُقّعت فى نهاية يوليو ووجّهت إلى رؤساء المؤسسات الأوروبية ووزراء خارجية الدول الأعضاء، قال الموقعون إنهم «صدموا من هجمات 7 أكتوبر ونددوا بها، ولكن الرد الإسرائيلى تجاوز كل حدود الشرعية، ووصل إلى مستوى جرائم فظيعة فى حق الشعب الفلسطينى، خاصة فى غزة، حيث يتعرض المدنيون لمجازر وتجويع ونزوح قسرى».
وأضاف السفراء السابقون «لقد فشل الاتحاد الأوروبى ومعظم أعضائه فى اتخاذ موقف حازم رغم الأدلة الدامغة على الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولى الإنسانى، بما فى ذلك استهداف المستشفيات وتجويع السكان ومنع المساعدات»، محذرين من أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جريمة تطهير عرقى.
ودعا الموقعون، الاتحاد الأوروبى إلى اتخاذ 9 خطوات فورية، من بينها استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة على نطاق واسع، وكذلك تعليق صادرات الأسلحة لإسرائيل، وحظر التعامل التجارى مع المستوطنات غير القانونية.
ومن بين الخطوات التى طالب بها البيان، فرض عقوبات على المسؤولين والمستوطنين المتورطين فى جرائم حرب، ودعم الجهود القضائية الدولية لمحاكمة مرتكبى الجرائم فى غزة، بما فى ذلك المحكمة الجنائية الدولية، والاعتراف بدولة فلسطين خلال مؤتمر الأمم المتحدة فى نيويورك نهاية يوليو.
وشدد السفراء على أن الحياد والصمت أمام هذه الجرائم يرتقيان إلى التواطؤ، مشيرين إلى أن الاتحاد الأوروبى، الذى طالما تباهى بدوره فى الدفاع عن حقوق الإنسان، يواجه خطر فقدان مصداقيته الأخلاقية.
واختتم الموقعون، رسالتهم بالتحذير من أن «التاريخ لن يرحم»، داعين الاتحاد الأوروبى إلى التحرك العاجل «باسم العدالة والإنسانية والقانون الدولى».
ومنذ بدء العدوان على غزة تزايدت قائمة الدول الأوروبية التى اعترفت بدولة فلسطين، حيث اعترف كل من نيوزيلندا وفرنسا وكندا وأستراليا.
ومن جهتها، اعترضت إيطاليا على سياسات إسرائيل فى غزة، إذ قال وزير الدفاع الإيطالى جويدو كروسيتو، فى مقابلة نشرت أمس الأول الاثنين، إن الحكومة الإسرائيلية «فقدت الصواب والإنسانية» فيما يتعلق بغزة، مشيرا إلى انفتاحه على إمكانية فرض عقوبات على الدولة العبرية.
وقال كروسيتو، لصحفية «لا ستامبا»، إن ما يحصل غير مقبول، لا نواجه عملية عسكرية تتسبب بأضرار غير مقصودة، بل نكران تام للقانون والقيم المؤسِّسة لحضارتنا.
وأضاف «نحن ملتزمون فى ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، لكن علينا الآن إيجاد طريقة لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو على التفكير بوضوح، تتجاوز مجرد الإدانة».
وعن فرنسا فقد حذّر وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، أمس الأول الاثنين، من «كارثة محققة وحرب بلا نهاية» حال توسيع حرب الإبادة الإسرائيلية فى قطاع غزة، معلنا اقتراح بلاده إطلاق «مهمة دولية مؤقتة» تحت مظلة الأمم المتحدة لتهيئة الظروف لسلام دائم بالمنطقة.
كما أعلن نائب المندوب الفرنسى جاى دارمادهيكارى فى الأمم المتحدة، إن باريس تُذكر بمعارضتها الشديدة لأى خطة لاحتلال قطاع غزة وضمه واستيطانه أو تهجير سكانه قسريا، مشيرا إلى أن على إسرائيل فتح جميع معابر غزة بشكل عاجل للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية. وشدد دارمادهيكارى، على أن من الضرورى أن تمتثل إسرائيل لالتزاماتها بموجب القانون الإنسانى الدولى.

Trending Plus