بابا فاروق.. مُعلم القلوب وصانع الأجيال

هناك أناس يمرون في الحياة مثل النسيم، لكنهم يتركون في القلب أثرًا لا يزول، لا يرفعون أصواتهم، ولا يسعون خلف الأضواء، لكنهم يبنون في صمت ما يعجز آخرون عن بنائه بالكلمات والخطب.. ومن هؤلاء كان الشريف فاروق محمد العامري، رجلًا من طراز خاص، حمل رسالة التعليم كأمانة، وأعطاها عمره كله، ورحل عن عالمنا بعد مسيرة حافلة بالعطاء في مجالات التعليم والثقافة والاستثمار، تاركًا وراءه إرثًا إنسانيًا ومهنيًا لا يُمحى.
لمن لا يعرف الشريف فاروق العامري، أو كما كان يلقبه تلاميذه ومحبيه "بابا فاروق"، فهو والد الراحل العامري فاروق وزير الرياضة الأسبق ونائب رئيس النادي الأهلي، ووالد الدكتور خالد العامري، نقيب الأطباء البيطريين الأسبق، ووالد الدكتور هشام العامري، أمين صندوق الاتحاد المصري للسباحة، الذي يواصل حمل رسالة والده في خدمة التعليم والرياضة والمجتمع.
لم يكن بابا فاروق مجرد رجل أعمال ناجح أو إداري بارز، بل كان مربي أجيال وصاحب بصمة واضحة في تطوير التعليم الخاص في مصر، إذ أمضى عقودًا داعمًا للعملية التعليمية والثقافية، مؤمنًا بأن التعليم ليس مهنةً فحسب، بل رسالة لبناء العقول وغرس القيم، لذلك ظل اسمه مقرونًا بالانتماء والالتزام وشخصية فريدة في تاريخ التعليم المصري.
امتد دور بابا فاروق إلى مجالات النشر والثقافة، حيث ترأس مجالس إدارات لمؤسسات ثقافية، وأسهم في نشر المعرفة وإثراء المكتبة العربية، ورغم المناصب والمسؤوليات، ظل بسيطًا قريبًا من الناس، يتواصل مع طلابه وموظفيه، ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويحل مشكلاتهم بصمت حتى أنفاسه الأخيرة، بعيدًا عن الكاميرات والأضواء.
قصة بابا فاروق تحتاج إلى مجلدات للحديث عنها، وستظل محفورة في قلوب من عرفوه، من رأوه يواسي موظفًا صغيرًا، أو يعانق طفلًا في مدرسته، أو يصلح بين اثنين بهدوء، فهو كان قائدًا بحدس إداري نادر، وإنسانًا يزرع الأمل أينما حل.
إلى جواره كانت زوجته "ماما نادية"، شريكة حياته ورفيقة مشواره، التي عملت معه جنبًا إلى جنب في إدارة مدرستهم الخاصة، وجعلت المدرسة بيتًا ثانيًا لأجيال متعاقبة، تخرجت منها شخصيات صالحة لخدمة الوطن، فهي أيضًا ليست مجرد مديرة، بل أم حقيقية لكل طالب، تمنحهم الحنان بقدر ما تمنحهم العلم والانضباط.
ومن بيته المليء بالقيم خرج أبناؤه ، وكل منهم حمل جزءًا من رسالته، وقد لمست شخصيًا هذا عن قرب، من خلال أبنائي الذين تشرفوا بالدراسة في مدرسته، حيث كان بابا فاروق أبًا للجميع، وكان الراحل العامري فاروق امتدادًا طبيعيًا لمدرسة الأخلاق والتواضع، والتعامل معهما كان درسًا في الإنسانية قبل أن يكون درسًا في الإدارة أو التعليم، وكذلك الحال مع الدكتور هشام العامري اليوم.
رحل بابا فاروق وترك خلفه إرثًا لا يُقاس بالأبنية أو المناهج، بل بقلوب امتلأت حبًا، وعقول أضاءها علمًا، وأجيال تشهد له بالفضل، سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة، لا كمعلم فقط، بل كأب حقيقي لكل من مر من تحت سقف مدرسته، وترك بصمته في حياتهم للأبد.
رحم الله بابا فاروق، الرجل الذي علم أجيالًا أن الانتماء قيمة، وأن العطاء أسلوب حياة، وأن الإنسان يُقاس بما يتركه في القلوب، لا بما يُكتب في المناصب والسجلات.
ختامًا، أتمنى أن يتم تكريم اسم بابا فاروق من وزارة التربية والتعليم بشكل يليق بما قدمه خلال مسيرته الثقافية والتعليمية في مصر.

Trending Plus