"حوادث الطرق" نزيف لا يتوقف والالتزام هو طوق النجاة.. خبراء أمنيون يحذرون من الكارثة الصامتة على الطرق.. 90% من الحوادث سببها الإهمال والسرعة الزائدة.. المخدرات والهاتف أيضا والقيادة الآمنة تبدأ منك

تشهد الطرق بشكل متكرر عشرات الحوادث التي يذهب ضحيتها أبرياء، وتسجل الخسائر البشرية والمادية أرقامًا مفزعة، تجعل من حوادث الطرق قضية مجتمعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع لتقليصها والحد من آثارها الكارثية.
في ظل ذلك، تظهر أهمية التوعية المجتمعية وتعزيز الالتزام بقواعد المرور، ونشر ثقافة القيادة الآمنة بين جميع مستخدمي الطريق.
في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أكد عدد من الخبراء الأمنيين أن استمرار نزيف الأسفلت لا يمكن مواجهته فقط بالقوانين، بل يحتاج إلى وعي جماعي وسلوك حضاري والتزام حقيقي من السائقين والمشاة على حد سواء.
اللواء أحمد كساب، الخبير الأمني، يرى أن السبب الرئيسي وراء حوادث الطرق يكمن في السلوك البشري، موضحًا أن "أكثر من 90% من الحوادث تعود لعوامل بشرية مثل السرعة الزائدة، وعدم الالتزام بالحارة المرورية، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، فضلاً عن القيادة تحت تأثير المواد المخدرة".
وأضاف في تصريحات خاصة لليوم السابع أن "القانون وحده لا يكفي، ما لم يكن هناك وعي حقيقي بخطورة تلك الممارسات".
وأشار كساب إلى أن الحملات الأمنية المستمرة لضبط المخالفات، على الرغم من أهميتها، تحتاج إلى دعم إعلامي وتربوي يرسخ ثقافة احترام الطريق والآخرين، مؤكدًا أن حوادث الطرق لا تميز بين سائق متهور ومواطن بريء، وأن نتائجها قد تكون مدمرة في لحظة واحدة.
من جانبه، قال اللواء خالد الشاذلي، الخبير الأمني، إن الدولة بذلت جهودًا كبيرة في تحسين شبكة الطرق وتطوير البنية التحتية، لكن ذلك لا يُترجم إلى انخفاض فعلي في الحوادث طالما استمرت بعض السلوكيات الخاطئة على الطرق. وأوضح أن "هناك فئة من السائقين ما زالت تتعامل مع القيادة باستهتار، وكأنها في سباق مفتوح، وهو ما ينعكس في ارتفاع نسب الحوادث القاتلة".
وأضاف الشاذلي: "ما نحتاجه هو إعادة النظر في منظومة تعليم القيادة، بحيث لا تقتصر على الجوانب الفنية فقط، بل تشمل أيضًا الجوانب التوعوية والثقافية، لتنشئة جيل جديد من السائقين يدرك معنى المسؤولية على الطريق".
ولفت إلى أن بعض الحوادث تكون نتيجتها مآسي حقيقية، حيث تفقد أسر أحباءها بسبب رعونة قيادة أو تجاهل إشارة مرورية، مؤكدًا أن نشر السلوكيات الإيجابية على الطريق هو مسؤولية مشتركة بين الجهات الأمنية، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام.
أما اللواء علاء عبد المجيد، الخبير الأمني، فقد شدد على أهمية التعليم المستمر والتدريب لسائقي النقل الثقيل والأجرة، باعتبارهم من أكثر الفئات تأثيرًا على سلامة الطرق.
وقال في تصريحاته لـ"اليوم السابع": "سائقو النقل يمثلون شريانًا حيويًا للاقتصاد، لكن بعضهم يفتقر للتدريب الكافي والوعي الكامل بأدبيات القيادة، مما يتسبب في كوارث مرورية مروعة".
وطالب عبد المجيد بضرورة إلزام شركات النقل ببرامج تدريب دورية لسائقيها، وتشديد الرقابة على التزامهم بعدد ساعات القيادة والراحة، لتفادي الحوادث الناتجة عن الإرهاق.
كما دعا إلى إطلاق حملات توعية تستهدف السائقين في المناطق الريفية والصناعية، حيث ترتفع معدلات الحوادث بشكل ملحوظ.
وفي هذا السياق، تؤكد الأرقام أن مئات الأرواح تُفقد سنويًا نتيجة الحوادث، فضلًا عن الخسائر الاقتصادية التي تُقدر بالمليارات نتيجة تلف الممتلكات وتعطل الإنتاج، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول ضرورة التعامل مع هذه الأزمة بسياسات شاملة تتجاوز الحلول الأمنية إلى إعادة صياغة الوعي العام.
ويشير الخبراء إلى أن التوعية تبدأ من سن مبكرة، داخل المدارس والجامعات، من خلال إدماج مفاهيم السلامة المرورية في المناهج، وتكثيف الأنشطة التثقيفية، بالإضافة إلى دعم المبادرات الشبابية التي تعزز من أهمية الالتزام بقواعد المرور.
ومع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي، تصبح هذه المنصات سلاحًا ذا حدين، فإما أن تُستخدم في الترويج لمظاهر القيادة المتهورة، أو أن تُوظف في التوعية ونشر قصص حقيقية لأشخاص فقدوا حياتهم بسبب لحظة تهور.
ولهذا، يدعو الخبراء إلى شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني والمؤثرين على السوشيال ميديا، لبث رسائل هادفة تصل لكل بيت.
وتبقى الحقيقة المؤلمة أن حوادث الطرق ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة مباشرة لإهمال يمكن تجنبه، وسلوك يمكن تغييره، وثقافة يمكن ترسيخها. فهل نبدأ الآن في بناء وعي جديد يحمي الأرواح ويحفظ الوطن من نزيف لا ينتهي؟.

Trending Plus