ربما ينظر فى الأرض خجلا ويعتذر.. زيارة الحيّة للقاهرة ومُزايدات الحيّات على مصر

المُلتفت لا يصل، وأكثر الناس كلامًا أقلّهم عملاً وإنجازًا. ما عادت الحقائق خَفيَّةً على أحد؛ حتى الذين استغرقتهم الأكاذيب إلى أن صدّقوها وتعايشوا معها.
نتنياهو يعرفُ أنه لا يقفُ على ساقين ثابتتين، وليس فى حاجةٍ لأن تُذَكِّره الصحافةُ العبرية الغاضبة بأنه «يكذبُ كما يتنفَّس»؛ وكذلك مُنافسوه على الجانب الآخر من نهر الدم، يقولون ما لا يفعلون، يعرفون أنفسَهم أكثر من غيرهم، ويترسَّبُ فى قُعور جماجمهم يقينٌ بأنهم ليسوا على قدر اللحظة؛ ولو ادَّعوا العكس.
إنها مُنازلةٌ بين فريقين من طينةٍ واحدة للأسف، وعندما يتصارعُ التجّار تبور الأسواق، وتكسد البضائع، ويتقلَّب الجوعى على مَعِدَاتهم الخاوية، بين بَطشٍ وحصارٍ من المُحتلّ، ويأس وإفقار من المُختل.
وبالرغم مِمَّا فات، ومن أننى كُنت أحد الغاضبين من حديث قائد حماس ورئيس وفدها المفاوض خلال الأيام الماضية، وما نال مصر من تهجّمه ومُزايداته الوقحة؛ فالحقّ أنه لم يُعجبنى ما سار إليه البعض، ومنهم إعلاميون وسياسيّون وشخصيات عامة، من جهةِ مُطالبة خليل الحيّة بمُجرّد وصوله للقاهرة، بأن يرتقى مقعدَ السائق فى إحدى شاحنات المُساعدات، ويذهب بها إلى كَسر الحصار المضروب على غزّة من جانب قوّات الاحتلال.
وليس الامتعاض هُنا ناشئًا عن إنكارٍ لحقِّ الردِّ على العائب بطريقته، أو وضع الناس أمام أشد النقاط فجاجةً فيما يعتقدونه ويُروّجون له مع علمه الكامل بما فيه من تزييف وتلفيق، وقد فعلها عامّة المصريين على كل المنصّات باحتشادٍ وكثافة؛ إنما لأننا لسنا فى حاجةٍ وضع النخبة فى تلك المُقابلة أصلاً، أو الحِجاج على تُهمةٍ ساقطة قبل سَوقها، أو التدنّى إلى مستوى اعتدنا أن ينجرف له الخصومُ والمُتنطّعون من كلِّ جُحرٍ وعصابة، وأن يعودوا تاليًا إلى رُشدهم، أو يبقوا أسرى للضلالة؛ فيما تُفصِحُ الوقائع عن خوافيها، وتُقيمُ الحجّةَ على كلِّ أفّاقٍ أو مُنخَدِع.
حماس أكثر اتّصالاً مِنّا بالعاملين على الملف فى الأجهزة المصرية، ويعرفون قبل سواهم مقدار ما يتحلّون به من صدقيّة ونزاهة، ومن ضميرٍ وطنىٍّ وقومىٍّ مُستقيم، وإخلاصٍ لقضية ما اعتبرناها عربيَّةً يومًا؛ إلَّا لأنها مصريّةٌ فى المقام الأول، ومصر أم الدنيا وقلب المنطقة ورمانة ميزانها.
والمُؤكَّد أن «الحيّة» ما إن يلتقى رجال الظلّ من المخابرات العامة، سينظر إلى أحذيتهم خجلاً وتحرُّجًا، وسيعتذرُ بحرارةٍ، ويُغلِّظُ الأَيْمَان على أنه لم يقصد إهانةً أو تعريضًا بالجدار الصلب والشقيقة الكُبرى، وسيقبلون اعتذارَه كما جرت العادةُ طوالَ عُمر العلاقة مع الحركة، وكما يتعيَّن على الكبار أن يكونوا دومًا.
وما من شَكٍّ أبدًا فى أنها لن تكون هفوته الأخيرة، منه مُباشرةً أو على لسان غيره من التنظيم، فيما الذهاب والإياب بقَدر ما يُعبِّران عن الخِفَّة واستسهال الوسائل الرخيصة، يُؤكِّدان أيضًا أنهم يطمئنون مُسبقًا لردِّ الفعل، وتمتلئ صدورهم باليقين فى أنَّ القاهرة لن تردَّ لهم الإساءة، أو تُبادلهم سوءًا بسوء، ولن تنزلق إلى المُستنقع الذى يُرَاد جرّها إليه، ببندقيّةٍ مُستأجرةٍ أو بلسانٍ سليط.
والنقطة الأهمُّ هُنا؛ أنَّ ليالى الطوفان الطويلة قد انقشع ظلامها، وأسفر الصبحُ عن ضوءٍ كاشفٍ يراه المُبصرون على الجانب البعيد من العالم، ويمضُغُه الغزِّيون فى حصارهم الخانق ومجاعتهم القاسية.
لا مجال للجدل بشأن مسؤولية الاحتلال عن الكارثة، وشراكة الفصائل فيها، بالطوفان والذاتية المفرطة وإرخاء الذرائع المجانية.
وأهل غزَّة أدرى بشِعابها كأهل مكَّة، ولا يحتاج الباحث عن خلاصاتٍ قاطعة لأكثر من جولةٍ على حساباتهم، أو سؤالٍ عابرٍ فى صناديق الرسائل؛ أمَّا لو فُتِحَ لهم مجال الكلام وسُلِّطَت الكاميرات عليهم، فلن تجد «حماسُ» مَكمنًا تلتجئ إليه من غضبة الغاضبين، وهُم ليسوا عُرضةً للمزايدة والتخوين ومزاعم التحامل على المقاومة.
لقد احتضنوها اختيارًا وجَبرًا، وسدَّدوا عنها تكاليف نزواتها المُتوالية من زمن الانقلاب إلى مُقامرة الطوفان، ويَكيلون لها الاتهامات مع كلِّ جولة تفاوض فاشلة، مع عِلمِهم الكامل بتشدُّد نتنياهو ورغبته فى مُواصلة الحرب.
لكنهم يرون أنَّ الحركةَ باقيةٌ فقط فيما يخصُّ قمعَهم، والسلاح فعّال فى المُواجهة معهم، والرهائن تُسبَلُ عليهم ستائر الحماية لأجل أن يكونوا مُقايضةً على الأعضاء والمُنتسبين وحدهم، بينما الخراب لا أوَّلَ له من آخر، ولن تتولَّى الأرصدة الحماسيّة المُتخمة بدولارات الإخوان والمُموّلين إعمارَه؛ حتى لو سُمِحَ لها بأن تُمسِك زمام اليوم التالى.
والأزمة الفِعليّة ليست فى جولةِ قتالٍ تخطَّت ما كان مرسومًا لها، وانفلتت حتى تحوّلت إلى «هولوكوست» نازىٍّ مفتوح؛ إنما فى أن التديين انتزع القضية أصلاً من أصحابها، وأحالهم إلى أهل ذِمَّة عليهم أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهُم صاغرون، فلا رأى لهم أو قرار، ورباط المُعتقد مطّاطىٌّ طبعًا، يضيق ويتّسع كما يَعِنُّ للقابض عليه؛ وقد ضاق إلى أن حصر الأصوليِّين وحُلفاءهم، واستبعد الباقين جميعًا من عِداد المشمولين بالأسى والاهتمام.
ولا يتبادر للذهن فى هذا المقام إلا سؤال واحد: فإذا كانت الصفة الوجودية للصراع محلَّ اتّفاق مقطوع به من كل الأطياف؛ فهل القصدُ منها عموم القضية أم خصوص تيّار من المُتقاضين؟! وهل لو اجتمعت إرادة الأغلبية الفلسطينية على أنهم يُريدون تقديم السياسة على السلاح؛ ستُلاقيهم الحركة أم تُكفّرهم وتُخرجهم من حظيرة الوطنية والنضال؟!
تلك هى المُعضلة الحقيقية للأسف، ولا معنى لإنكار لإحلال الحركة بديلاً عن الشعب فى مهمّة الإنقاذ؛ إلا أن الدولة التى تُعرّف بإقليمها وسُلطتها ومواطنيها، تستكمل معالمها مع الجغرافيا بالحماسيين وإدارتهم، ويُقبَل فى سبيل هذا أن يُباد الباقون أو يُكنَسوا بالإزاحة القسرية أو الطوعية.
يبدو أنه لا غضاضةَ وفقَ التصوّر الحماسىِّ فى أن تنوب غزّة عن بقيَّة الجغرافيا السليبة، وتدخُلَ اشتباكًا مع الضفة الغربية على النفوذ، والاختصام فى راية القضية واحتكارها لا أكثر.
وبهذا الفهم؛ فالقطاع كافٍ جدًّا ليكون نواةَ الدولة المأمولة، فى زِيّها المُصطَبِغ بالعقيدة المُؤطَّرة بأحد أطيافها على التحديد.
وعندما تتضاءل المساحاتُ؛ تصير الأنفاق بديلاً، ثمَّ بقايا السلاح حاضنةً أخيرة للبقاء. وهُنا لا معنى لأىِّ صراع خارج نظرة الحركة لدورها فى الداخل، وكونها جناحًا يتفرَّع عن مشروعٍ خارجى، لا تُمثِّلُ فيه فلسطين الكُبرى أو الصغرى أكثر من «مسواكٍ فى الفَم»؛ على ما قال محمود الزهار سابقًا.
والمعنى؛ أنَّ الحرب تُخاض لحساباتٍ فصائليّة مُغلَقةٍ تمامًا، والمُفاوضات أيضًا. أمَّا الدم فوسيلةٌ للاستثمار الدعائى، وتأجيج النزعة الأُمميّة دفاعًا عن الوقفية الإسلامية وإخوة الدين، كما أنَّ التجويع ونكبة المنكوبين مُجرَّد منصّة للاستعراض والمُزايدة، ولا فارقَ فى هذا بين أن يُختَصَم العدوُّ والمُتسبِّبُ الأصيل، أو تُصوَّب السهام على الشقيق والصديق؛ لأنهم يلعبون مباراةً انفراديّة مُلوَّنة ضد الجميع، ولمصلحتهم الخاصة الضيِّقة أوّلاً وأخيرًا.
كلام «الحيّة» لم يكن تغيُّرًا فى رؤية حماس العميقة؛ بل استعادة للثوابت والأُصول الراسخة لديها فكريًّا وحركيًّا، واستعانة على النازلة الثقيلة بمحاولات إبراء الذمّة وتلويث الآخرين.
إذ ليس الغرض مُطلَقًا أن تتوقَّف المقتلة أو تمتلئ البطون تحت كل الظروف؛ إنما أن يجرى هذا على شرط الاستبداد الإيمانى، وأن تُوظَّف عوائدُه للاعتراف بمشروعية الانفراد بالقرار، والوصاية الكاملة والنهائية عليه.
أى أن تُترجَم الهُدنةُ رصيدًا ميدانيًّا فى خزانة الجماعة ورُعاتها؛ أو لتَكُن الحربُ ذخيرةً عاطفيّةً لا تفنى ولا تُستحدَث من عَدَم، وتُعيد بناء رمزيّة المقاومة الصامدة، كما تُحوّل الضحايا إلى مظلَّةٍ يُحتَمَى تحتها من النقد، ويُحتَجًّ بها على دعاوى الاعتراف والاعتذار والمُراجعة والتصويب.
ولا حاجةَ للتدليل على تلك الاستراتيجية، أكثر من صخب المُزايدات الرجعية على كلِّ الأطراف، بنكهتها الإخوانية الواضحة، وتخوين كلِّ مُحاولة لاستقراء الواقع على صورته الحقيقية القاتمة، ومُلامسة عصب الارتباك والانتهازية المُمتدّ عاريًا بين الخنادق والفنادق.
حتى أن منصَّات التواصل الاجتماعى تشهد مُؤخّرًا تأجيجًا مُمنهجًا بحَقِّ بعض المُعلّقين والمُحلِّلين السياسيين، المصريين بوجهٍ خاص، من زاوية أنَّ كلَّ انتقادٍ لسلوك القادة الحماسيين يُضعِفُ القضية ويُقوِّى المُحتل، وهو من دون شَكٍّ حديثُ «باطلٍ يُراد به باطل».
يستمرئ المُمسكون بخناق القطاع حال الولد النَّزِق، ويتلطّون وراء سرديّة المِحنة وأنهم لا يُؤاخذون فيما يتأتّى منهم تحت النار. والحقّ أنه استغلال ردىء وشديد الفجاجة للمأساة؛ لأنه ينطلق بالأساس من معاقل آمنة يسكنونها ويتنعّمون فيها، ويحرف الوقائع عن مدارها القويم، كما يُبدِّد الجهود قصدًا باتّجاه التلاسن والاشتباكات البينية، بدلاً من توفيرها وتزخيم طاقتها الكاملة وموفور شرعيّتها الإنسانية لتطويق القاتل، وترويض نزعته النازية الهائجة.
وإزاء الحالة الذُّهانية المُتسلّطة على عقول حماس؛ إن كانت ثمّة عقول وراء هذا الخراب العميم والإدارة البائسة؛ فقد يستغرب البعض أن تُفوِّت القاهرة المآخذ ولا تُحاسب عليها فى وقتها، وأن تحتض قائد الحركة الحالى مع وفده المفاوض بعد أسبوع واحدٍ من تصريحاته المُتجاوزة لحدود المنطق والأدب؛ وهو ما يتولَّد عن غياب المعرفة الحقيقية بالموقف المصرى من القضية، ومُحدِّداته الوطنية والأخلاقية، وفقه الأولويات الذى تُرتِّب به الدولة أوراقها وتُدير علاقتها فى ضوئه مع كل الأطراف.
وربما يكون الأغرب أن يتجاسر خليل الحيّة على اللقاء وجهًا بوجه مع الذين أساء إليهم قبل أيام قليلة؛ لكنها وفادة إجبارية فى سياق البحث عن طوق نجاة، ولمعرفة أنها يتعامل مع بلد كبير، مخلص أمين، ولا يتوقّف على سفاسف الأمور أو يزن الناس بما يفوق أحجامهم الحقيقية. والفارق جلىٌّ هنا بين وساطة راعية تُؤازر ولا تُزايد، وتكتم أسرار المجالس على كل ما فيها من سقوط وهفوات، وتحتمل أفاعيل الصغار باتّزان وصدر رحب، ولا يشغلها شىء عن المهمة الكُبرى تجاه غزة فى نكبتها، وتجاه القضية الفلسطينية بالإجمال؛ ولو بدا أنه يُراد تحييدها أو توريطها أو تحميلها سوءات الآخرين.
كلانا تحكمه الضرورة، مع الفارق طبعا؛ فاصطبارنا على حماس اختيار، وتجاوبهم المُتمَنِّع معنا اضطرار. لهذا نغفرُ ونتجاوز عن خطاياهم مرَّةً بعد أُخرى، ولا يَمَلّون من العودة إلى ما كان فى السابق أو أسوأ منه.
فلسطين بالنسبة لنا قضيةُ شعبٍ على إطلاقه، بالتنوُّع والشيوع والمراكز المُتكافئة، فيما لا تعُدّها الحركةُ إلَّا مَغنمًا خاصًا لها، ومَغرَمًا لغيرها، وتركةً لا تقبلُ القسمة على اثنين ولو من المعجونين بتراب الأرض وماء النهر والبحر.
والثابت بالتجربة والتكرار، والمؤسف أيضًا، أنهم لا ينظرون للقضية بقَضّها وقضيضها إلا من زاوية الأيديولوجيا، وعلى قدر ما تُحقِّقه للتيَّار الأُصولىِّ من ذيوعٍ وتعبئةٍ ومنافع مادية ومعنوية. وفى هذا تتقدّم راية القسام على عَلَم الدولة، البندقية على الكياسة، والولائية والاتّضاع لإملاءات الحلفاء على الواجبات الوطنية والالتزامات تجاه بيئتهم الحاضنة.
لو همس ناصح أمين قبل الطوفان فى أُذن السنوار بأنه ينتحر وينحر معه الأبرياء؛ لحُمِل على تهمة التصهين وتثبيط الهِمَم. والأكيد أن الشهور الطويلة الماضية لم تخلُ من نصائح، وما استجابت لها رؤس الحركة الحامية، والنتيجة أنهم ينزحون من خزّان الرهائن، ويُعاينون مجاعةً غير مسبوقة، وتضاعفت التكاليف لِما يُقارب عُشر سُكّان القطاع، بين قتلى ومفقودين ومبتورين، والبقية على عُهدة اليأس والاعتلال النفسى وانقطاع الأمل. بينما تتحضّر آلة القتل الصهيونية لغزوة جديدة، لمزيد من الهدم والإبادة، وآحاد من الجنود يسقطون عَرضًا أو فى عمليات مُخطّطة؛ فيُهلل أدعياء البطولات الوهمية امتداحًا لمُعادلة «الواحد منهم بألفٍ منّا»، وتلك إذًا قسمة ضيزى.
ما لم تكُن الحركة مدفوعةً للطوفان من الخارج؛ فقد استبدّت بما ليس لها دون جاهزية أو استعداد. أمَّا سيناريو المُخطّط المُتّفق عليه مع محور الممانعة؛ ففيه إلى جوار هذا مثلبة الاستتباع ورهن القضية للأجندات والمحاور. وما لم يكن مفروضًا عليه ألّا تُبرم اتفاقا ولو كان سيّئًا؛ فإنها تسعى إلى الأسوأ منه باستخفاف وغباوة. والولاء لإرادة أعلى يزيد على تلك التُّهمة، بوقاحة الاستثمار فى الدم لأهداف «فوق فلسطينية».
تتسارع الجهود اليوم للاستدراك على المفاوضات المُعطّلة، وإعادة إحياء ورقة المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف، بشروطٍ ستكون أصعب وأكثر تشدُّدًا على كلِّ حال.
الإفراط يقود المُغامرين إلى التفريط مهما طال الوقت، والمُزايدةُ جدارٌ واطئ يُقفَز عليه للتحلُّل من الالتزام والمسؤوليات، وانعدام الكياسة يمنعُ قادةَ الحركة من تَشَوُّف المآلات، أو استشعار أنهم بالإحماء على الجوار اللصيق كانوا يهتفون مع رائد صلاح وكمال الخطيب فى تل أبيب، ولو قالوا ما قالوه من فنادق الدوحة أو غيرها.
عُرِفَ العدوّ الذى لم نكُن فى حاجةٍ لمعرفته أصلاً؛ ويتبقّى أن يستفيقَ الشقيقُ من غفوته. غزّة أقل من دولة، وأكبر من حركة، ويجب ألَّا تظلّ حصّالةً يصرفُ منها الحماسيون على نزواتهم، وعلى شواغل الحُلفاء والرعاة، ويتعاملون مع نزف الشرايين كما تعامَلَوا مع حقائب الدولارات سابقًا.
الخجلُ والاعتذار مقبولان اليومَ، ومصرُ سمحةٌ بطَبعِها وتقبلُ ما لا يقبلُه الآخرون؛ إنما الأَوْلى الآن وغدا وإلى المُنتهى، أن يبكى سُكّانُ الفنادق على سُكّان الخيام، وأن يصيخوا السمعَ لهم مرّةً واحدة. القضية أكبرُ وأعزّ، والضحايا أهمُّ من الشعارات؛ لأنهم أبرياء أوّلا، ولأنه لا وطنَ أصلاً من دون مُواطنين، كما لا قضية دون ضميرٍ وتعقُّل واستقامة وطنية صافية.

Trending Plus