شرايين الغزاة تنزف دولارات.. إسرائيل تدفع ثمن العدوان على غزة باقتصاد هش وروابط تجارية مبتورة ومعاناة ممتدة حتى 2028.. مالية الاحتلال تشكو العجز.. السياحة مرفوعة من الخدمة.. وفاتورة الحرب 246 مليون دولار يوميا

تعانى إسرائيل من أزمة اقتصادية كبيرة بسبب الحرب التى تصّر على الاستمرار فيها ضد قطاع غزة الفلسطينى، فضلا عن العلميات العسكرية فى مدن الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى المناوشات العسكرية مع إيران ولبنان والحوثيين فى اليمن، ولا شك أن هناك تحديات كبيرة قد تؤثر فى نموها الاقتصادى على المدى القصير والمتوسط، ولا شك أيضا أن كل ذلك يؤثر سلبا على الاستثمارات والأعمال التجارية فيها، كما أن القلق الأمنى قد يثنى الشركات الأجنبية عن الاستثمار، وأصبح لدى المستثمرين حالة من عدم اليقين فى الاقتصاد الإسرائيلى، مع التأكيد على أن روابطها التجارية مع دول العالم باتت أضعف مما كانت عليه.
وخلال ما يقرب من عامين على حرب «الإبادة» التى تنفذها إسرائيل فى قطاع غزة، يتكبد الاقتصاد الإسرائيلى خسائر فاضحة، ويعانى المستوطنون الإسرائيليون من ارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ النمو الاقتصادى، وتتوقع خطة وزارة المالية الإسرائيلية أن يبلغ العجز 2.8% من الناتج المحلى الإجمالى فى عامى 2026 و2027، و2.9% فى 2028.
ويتوقع أيضا أن تشكل الخسائر الاقتصادية فى إسرائيل، على مدى العقد المقبل نحو 400 مليار دولار من إجمالى النشاط الاقتصادى، تمثل 90 % من هذه الخسائر آثارا غير مباشرة مثل انخفاض الاستثمار، وتعطل الأسواق، وانخفاض إنتاجية العمالة.
ووفق وزارة المالية الإسرائيلية، فإنه من المتوقع أن يبلغ العجز نحو 5 % هذا العام بعد أن وصل إلى 6.9 % فى 2024 فى أعقاب ارتفاع حاد فى الإنفاق لتمويل الحرب.
ويتوقع بنك إسرائيل الذى زاد من مبيعات السندات الحكومية، والاقتراض لدفع تكاليف الحروب، عجزا فى الميزانية يتراوح بين 3.5 % و4 % لعامى 2027 و2028، وهو ما يتجاوز تقديرات الحكومة.
ووفقا لما أعلنه وزير الخزانة الإسرائيلى، تبلغ التكلفة اليومية المباشرة للحرب نحو 246 مليون دولار، وقد أشارت صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، إلى أن تكلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل «67.57 مليار دولار» حتى نهاية عام 2024.
وبحسب وزارة المالية الإسرائيلية، فإن إسرائيل سجلت عجزا فى الميزانية قدره 19.2 مليار شيكل «5.2 مليارات دولار» فى ديسمبر الماضى، مشيرة إلى ارتفاع النفقات لتمويل الحربين فى غزة ولبنان.
ويتوقع خبراء الاقتصاد فى بنك إسرائيل، انخفاض سعر الفائدة القياسى من 4.5% إلى 4% بحلول أوائل عام 2026، على أمل انحسار التضخم، وكان معدل التضخم قد ارتفع إلى 3.6% فى أبريل من 3.3% فى مارس، ليبقى فوق المستوى المستهدف الذى يتراوح بين 1% و3%.
الشركاء يدرسون قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل
رغم أن الخزانة الأمريكية مفتوحة أمام سلطات الاحتلال الإسرائيلية، فإن واشنطن فرضت رسوما جمركية على تل أبيب وصلت لـ10%، وهناك أيضا بعض الرسوم الجمركية والاقتصادية التى تفرضها الولايات المتحدة على المنتجات الإسرائيلية.
أما عن أوروبا، فقد أعلنت الدائرة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبى، أن هناك مؤشرات على أن إسرائيل «قد انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب الاتفاق الذى ينظم علاقاتها مع الاتحاد»، وبموجب مسودة أوروبية يحضرها الاتحاد الأوروبى، فإنه من المتوقع أن تقدم ممثلة الاتحاد الأوروبى للشؤون السياسية والخارجية كايا كالاس، لوزراء الخارجية، خيارات تشمل تعليقا كاملا للتجارة مع إسرائيل، ويوصى بشكل غير مباشر بالنظر فى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب سلوكها فى الحرب على غزة وسياساتها المستمرة فى الضفة الغربية.
وهناك العديد من الدول والمنظمات الدولية قد هددت وفرضت عقوبات اقتصادية على إسرائيل فى الماضى بسبب سياستها فى الأراضى الفلسطينية، وتضمنت تلك العقوبات الاقتصادية فرض قيود تجارية، وتجميد الأصول، وفرض رسوم تجارية خاصة.
وباعتبار إسرائيل، تشكل انتهاكات حقوق الإنسان، وبسبب الاتهامات الصادرة ضدها بارتكاب جرائم حرب فى فلسطين، دفعت تلك الأسباب العديد من الدول إلى وقف تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى تل أبيب، فضلا عن وقف تصدير الفحم، وكذلك الملاحقات القانونية فى المحاكم الدولية.
وكان آخر تلك الدول التى أوقفت تصدير الأسلحة إلى تل أبيب، هى ألمانيا، والتى تعد ثانى أكبر دولة مصدرة وداعم لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب خطة إسرائيل لتوسيع عملياتها فى قطاع غزة، وهى المرة الأولى التى تعلن فيها برلين رفضها لتقديم الدعم العسكرى لحليفتها القديمة.
وبسبب السياسة الإسرائيلية التى وصفت بالإبادة والتجويع فى غزة، فإن إسرائيل تواجه إدانة دولية كبيرة على مستوى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ولا شك أن هذا الضغط يؤدى إلى التكاليف الدبلوماسية التى تشمل الحاجة إلى علاقات مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من أجل تجنب فرض عقوبات اقتصادية أو عزلة دولية.
تصنيف منخفض للاقتصاد الإسرائيلى
قامت وكالات التصنيف الائتمانى الدولية الثلاث الكبرى، «موديز» و«فيتش» و«ستاندرد آند بورز»، بخفض تصنيف إسرائيل منذ بداية أغسطس 2024، وقالت جميع وكالات التصنيف الائتمانى فى تقاريرها إنها تشعر بالقلق إزاء عدم وجود استراتيجية مالية محددة للضرائب والإنفاق من الحكومة لإدارة الإنفاق حتى عام 2025.
ويعانى الإسرائيليون من ارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ النمو الاقتصادى، فضلا عن إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلى من منازلهم من الجنوب والشمال - نحو 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم - حيث تم إيواؤهم فى 438 فندقا ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الوزارات الحكومية 6.4 مليارات شيكل «1.8 مليار دولار»، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية، ووفقا للبنك وعلى مدار ذلك العام بأكمله، انكمش نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 0.1%.
سياحة منهارة
بسبب الحرب تدهورت صناعة السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنسبة فاقت 70 % خلال العام الماضى، مقارنة بـ2023، وأعلنت تل أبيب عن «انخفاض غير مسبوق» فى عائدات السياحة مع خسائر بلغت 3.4 مليارات دولار منذ اندلاع الحرب على غزة فى أكتوبر 2023، وأظهرت الأرقام التى أصدرتها وزارة السياحة الإسرائيلية أن أعداد السياح الوافدين تراجعت بنسبة تزيد على 90% منذ بداية الحرب.
ومع استمرار الحرب فإن معظم شركات الطيران الدولية أوقفت رحلاتها إلى تل أبيب، مما عزل إسرائيل عن السياحة الخارجية بشكل فعلى.
وبحسب إعلام عبرى، فإنه تم إغلاق عدد كبير من الشركات والمؤسسات السياحية، حيث توقع تقرير ارتفاع عدد المنشآت المغلقة بأكثر من 50% عن السنوات السابقة، وبلغ عددها نحو 60000 منشأة فى 2024، كما فقد قطاع السياحة عددا كبيرا من القوى العاملة: من بين 3000 عامل، تبقى ثلثهم فقط فى الخدمة.
وتتكتم سلطات الاحتلال الإسرائيلى بشكل كبير على حقائق خسائر الاقتصاد وغيرها من الخسائر البشرية، لكن محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، قال فى تصريحات سابقة، إن ستة أشهر أخرى من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية فى غزة من شأنها أن تقلص النمو الاقتصادى لإسرائيل بنصف نقطة مئوية فى عام 2025 وتزيد من أعباء الديون.
ومع استمرار الحرب فإن ذلك سيؤدى إلى انخفاض النمو بنسبة نصف بالمائة إضافية فى عام 2025، وسيرفع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى من 69% إلى 71%، بحسب تصريحات أمير يارون.
فتكاليف الحرب الإسرائيلية على غزة ليست محدودة فقط بالنفقات العسكرية المباشرة مثل الذخائر والطائرات، بل تشمل أيضا التكاليف الاجتماعية، والاقتصادية، والدبلوماسية التى يمكن أن تؤثر على إسرائيل لسنوات. تزداد هذه التكاليف مع استمرار الحرب، وتدمير البنية التحتية، ومجالات أخرى مثل القطاع السياحى والعقارى، ما يجعل تأثيراتها طويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلى أمرا لا يمكن تجاهله.

ملف غزة

Trending Plus