شهر روحى يجمع القلوب فى رحلة الإيمان.. صوم العذراء ومقاصد الزيارة بمصر.. كنيسة الزيتون أيقونة الظهورات فى قلب القاهرة.. دير درنكة والمحرق بأسيوط أشهر المقاصد.. والمسلمون يزورون الأماكن المقدسة بدافع المحبة

مع بداية شهر أغسطس كل عام، يعيش الأقباط فى مصر أجواء روحية مميزة خلال صوم السيدة العذراء مريم، الذى يمتد 15 يومًا، وينتهى بعيد العذراء فى 22 أغسطس (حسب التقويم القبطي) أو 15 أغسطس (فى الكنيسة الكاثوليكية). وخلال هذه الفترة، لا يقتصر الأمر على الصوم والصلوات فحسب، بل يتجه الآلاف فى رحلات إيمانية نحو الكنائس والأديرة التى تحمل اسم العذراء، طلبًا للبركة وتجديد الإيمان، حاملين النذور والشموع، ومتذكرين ما تمثله العذراء من قداسة وأمومة ورمز للعطاء.
دير درنكة على مشارف أسيوط
يعد دير السيدة العذراء بدرنكة فى أسيوط من أشهر المقاصد الروحية فى مصر خلال صوم العذراء. يقع الدير على جبل درنكة ويعود تاريخه إلى القرن الأول الميلادى، حيث يُعتقد أن العائلة المقدسة أقامت فيه آخر محطاتها قبل عودتها إلى فلسطين. يشهد الدير خلال أيام الصوم توافد مئات الآلاف من الزائرين، للمشاركة فى القداسات والصلوات الليلية، وسط أجواء احتفالية ممزوجة بالتقوى. وتقول "ماريان"، وهى زائرة من القاهرة: "أحرص كل عام على المجيء هنا، أشعر وكأنى أعود إلى بيت أمى، وأستمد قوة وسلامًا داخليًا لا أجده فى أى مكان آخر".
دير المحرق قدس أقداس مصر
فى محافظة أسيوط أيضًا، يقع دير السيدة العذراء المحرق، الملقب بـ"قدس أقداس مصر"، إذ يضم أقدم كنيسة فى العالم بُنيت على المكان الذى أقامت فيه العائلة المقدسة أكثر من ستة أشهر، فى بيت حجرى بسيط تحول لاحقًا إلى مزار عالمي. يحج الأقباط إلى هذا المكان من مختلف المحافظات، خاصة فى صوم العذراء، لما يمثله من قيمة تاريخية وروحية عميقة. وتروى المخطوطات القديمة أن المكان شهد أول قداس إلهى بعد قيامة المسيح، ما يجعله محط قلوب المؤمنين.
كنيسة الزيتون أيقونة الظهورات
فى قلب القاهرة، تحتل كنيسة السيدة العذراء بالزيتون مكانة خاصة، إذ شهدت فى عام 1968 أشهر ظهورات العذراء فى القرن العشرين، والتى وثقتها الكنيسة ووسائل الإعلام المحلية والعالمية. خلال صوم العذراء، تزداد أعداد المصلين والزائرين لهذه الكنيسة، التى أصبحت رمزًا للإيمان والوحدة الروحية بين المصريين، إذ يقصدها الأقباط والمسلمون على حد سواء، لإشعال الشموع وطلب الشفاعة.
كنيسة المعادى على ضفاف النيل
كنيسة السيدة العذراء بالمعادى تعد من أقدم الكنائس فى القاهرة، ويعود تاريخها إلى العصر الفاطمى، لكنها مشهورة أكثر بكونها نقطة انطلاق العائلة المقدسة عبر النيل أثناء رحلتها فى مصر. الزوار يحرصون على مشاهدة السلم الحجرى المؤدى إلى النيل، والذى يُعتقد أنه شاهد على مرور العذراء وطفلها. ويقول أحد كهنة الكنيسة: "هنا تتجدد ذكرى الرحلة المقدسة، وكأن النيل ما زال يردد صدى خطواتهم".
دير السريان وكنائس وادى النطرون
فى قلب صحراء وادى النطرون، تقف أربعة أديرة قديمة، بينها دير السيدة العذراء السريان، كأحد أهم المعالم الروحية القبطية. يعود تاريخ هذه الأديرة إلى القرن الرابع الميلادى، وتحتفظ بمخطوطات وأيقونات نادرة، وتجذب الرهبان والزوار على حد سواء، خاصة فى موسم الصوم. ويصف الزوار هذه الأديرة بأنها "واحات للهدوء"، حيث يمتزج صمت الصحراء برائحة البخور وصلوات الرهبان.
دير جبل الطير.. أيقونة المنيا
فى محافظة المنيا، يقع دير السيدة العذراء بجبل الطير، المشيد على صخرة مطلة على النيل. تقول الرواية الكنسية أن العذراء مريم توقفت فيه خلال رحلتها المقدسة، وتنتشر بين أهالى المنطقة قصص عن معجزات حدثت هناك، منها شفاء المرضى وتحقق النذور. خلال صوم العذراء، يتحول المكان إلى مهرجان روحى يجمع بين الزائرين المحليين والحجاج من الخارج، وسط أجواء تمزج بين البساطة والفرح.
البحر الأحمر وجنوب مصر
حتى المحافظات البعيدة مثل البحر الأحمر والأقصر، تحتضن كنائس وأديرة باسم العذراء، مثل كنيسة العذراء بالأقصر وكنيسة العذراء بالغردقة، التى تستقبل زوارًا يربطهم الشوق إلى الأماكن المقدسة، مهما ابتعدت المسافة. وفى هذه المناطق، تمثل المناسبة فرصة لإحياء الروابط بين الجاليات المسيحية الصغيرة وجيرانهم المسلمين.
روح الوحدة والتقارب
لا تقتصر زيارات صوم العذراء على الأقباط وحدهم، فكثير من المسلمين يشاركون فى هذه الرحلات، سواء بدافع المحبة أو التبرك أو المشاركة فى الأجواء الاحتفالية، ما يجعل هذه المناسبة شاهدًا حيًا على التعايش المصري. وتروى مسلمة من أسيوط، أنها تزور دير درنكة كل عام: "أشعر أن المكان يجمعنا على الخير، مهما اختلفت دياناتنا".
إرث تاريخى وروحى
الكنائس والأديرة التى تحمل اسم السيدة العذراء فى مصر ليست مجرد مبانٍ حجرية، بل هى صفحات من التاريخ المقدس، وأماكن تعج بالقصص والمعجزات، ومراكز إشعاع روحى تجدد الإيمان وتربط الحاضر بالماضي. وفى صوم العذراء، تتجدد هذه الذكريات فى قلوب الزائرين، لتبقى مصر أرضًا مباركة، تحمل على ترابها خطى العائلة المقدسة، وتحتضن مريم فى قلوب أبنائها، رمزًا للأمومة والسلام.

Trending Plus