صنع الله إبراهيم.. ضمير الوطن وإنسانيته

أحمد منصور
أحمد منصور
بقلم أحمد منصور

عندما أحد يسألني أويتحدث عن الروائي الكبير صنع الله إبراهيم كنت دائما أقول: "هو ليس بس كاتب، إنه حالة كاملة من الصدق والنقاء والجرأة".

صنع الله إبراهيم لم يكن مجرد روائي تُقرأ كتبه وتعاد إلى الرف، بل كان إنسانًا تحمله بين ضلوعك بعد أن تطوي الصفحات، فقد كنت أنا من القليلين الذين أتيح لهم الاقتراب من عالمه عن قرب، وعرفت أن وراء هذه الشخصية الصارمة الظاهرة، قلبًا دافئًا لا يتوقف عن القلق على بلده وشبابها.

كل لقاء بيننا كان يبدأ بالاطمئنان، حتى في أصعب لحظات مرضه، كان صوته فيه قوة غريبة، وكأنه هو من يطمئنك لا العكس، "متقلقش، أنا كويس"، ثم يغيّر الموضوع سريعًا ليحدثك عن كتاب قرأه أو قضية تشغل باله، كان يؤمن أن المعرفة هي السلاح الحقيقي، وأن القراءة هي ما تحرر العقول قبل أن تحرر الأوطان.

مواقفه الوطنية لم تكن شعارات يرددها في أحاديث عامة، بل قناعات دفع ثمنها من عمره وحريته منذ شبابه، واجه السجن والمنع والرقابة، لكنه لم يساوم، كان يرى أن المثقف الحقيقي لا يقف على الحياد في معارك الوطن، وأن عليه أن ينحاز للحرية والعدالة مهما كانت الضغوط، كان دائمًا يذكرني حلال حواراتي معه والتي كانت تنشر في "اليوم السابع"، بأن الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية هما جناحا أي نهضة، وأن الصبر والعمل المستمر هما الطريق الوحيد لتحقيقهما.

أما عن أعماله الأدبية، فهي شهادات حية على زمنها، وثائق إنسانية وسياسية تحفظ ما قد يطمسه النسيان، من "ذات" التي رصدت تحولات المجتمع المصري، إلى "شرف" التي فضحت أوجاع السجون وعوالمها المظلمة، كانت رواياته مرايا نرى فيها أنفسنا، بعيوبنا وأحلامنا وهزائمنا الصغيرة والكبيرة، فكان لم يكن يكتب ليرضي أحدًا، بل ليكشف عن قضايا مهمة ومثيرة بعيدًا عن الخوف.

أكثر ما كان يلمسني فيه هو اهتمامه بالشباب،  كان يقرأ ما يرسله له الكتاب الجدد بجدية واحترام، وكأنهم زملاء لا مبتدئين، كان يقول لي: "لو إحنا ما سندناش الجيل الجديد، يبقى إحنا بنقتل الأدب بإيدينا". كان يعطي ملاحظاته بصراحة، وأحيانًا بصرامة، لكنه كان يسعد حين يرى موهبة تنضج أو فكرة تثمر.
اليوم، ورغم أن الروائى الكبير صنع الله إبراهيم قد طوى صفحته الأخيرة ورحل، إلا أن حضوره ما زال قويًا، في كل مرة أفتح كتابًا له، أشعر وكأنه يجلس أمامي، يبتسم ابتسامته الهادئة، ويبدأ في الحديث عن مصر، عن الناس، عن الحرية، وعن أهمية أن تبقى الكلمة حرة مهما كانت التكاليف، لقد كان صنع الله إبراهيم أكثر من مجرد كاتب، فقد كان ضميرًا حيًا، صديقًا وفيًا، ورجلًا لم ينحنِ إلا لصفحات كتاب.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

خطوط حمراء

خطوط حمراء الخميس، 14 أغسطس 2025 08:00 ص

الأكثر قراءة

في ذكراها.. شويكار في تصريح سابق لليوم السابع: شقيقتى لم تعمل في مجال الفن

الطقس اليوم.. موجة شديدة الحرارة ورطوبة مرتفعة والعظمى بالقاهرة 42 درجة

رحلات سياحية واستمتاع لضيوف العالم بين أروقة وأعمدة معابد الأقصر.. صور

ناشئو اليد أمام إسبانيا فى ربع نهائى بطولة العالم تحت 19 عاما

هل يجوز إخلاء وحدات الإيجار القديم بالتراضى بعد صدور القانون؟.. التفاصيل


ملوك الأسيست في تاريخ الدوري الإنجليزي.. محمد صلاح تاسعا

بعد قرار الجنايات.. فصل جديد ينتظر قضية "قهوة أسوان" بعد تأجيلها للمرافعة

14 ألف فرصة عمل و317 مشروعا.. المنطقة الصناعية بحى الكوثر نهضة كبيرة بسوهاج

لو مأجر قديم وعندك شقة تانية.. خد بالك القانون يقضى بالإخلاء

لو القطار تأخر.. كيف تسترد ثمن تذكرتك كاملة على خطوط هيئة السكة الحديد؟


التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا

"أهداف متتالية وهاتريك تاريخي".. سجل حافل يدعم محمد صلاح ضد بورنموث

إنفوجراف لوزارة التعليم يوضح المناهج المطورة لكل صف.. اعرف التفاصيل

من الحرائق إلى البراكين.. الطبيعة تكشر عن أنيابها لكوكب الأرض.. النيران تلتهم الاف الهكتارات فى أوروبا بسبب الحرارة.. ثوران براكين فى اليابان وروسيا.. وسيول عنيفة تلغى رحلات جوية وتغلق محطات المترو فى المكسيك

أحلى من الشهد يا تين.. إنتاجه يزيد عن 11 طنا.. ومزارعو المنيا: موسم الفرحة

كيف يختار رئيس الجمهورية المعينين بمجلس الشيوخ؟ القانون يكشف التفاصيل

أسامة نبيه: حققنا مكاسب كثيرة من تجربة المغرب الودية

ركلات الترجيح تحسم قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام فى السوبر الأوروبي

فتح: استمرار نتنياهو فى الحكم سيقود المنطقة إلى حرب شاملة وفوضى مدمرة

وزير الخارجية: توالي اعترافات دول أوروبا بفلسطين حرك المياه الراكدة وعزل إسرائيل

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى