صنع الله إبراهيم يغلق آخر صفحة.. و"نسب" كانت رحلته الأخيرة في القراءة

رحل عن عالمنا اليوم، واحد من أعمدة الرواية المصرية والعربية، الروائي الكبير صنع الله إبراهيم، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا ثريًا امتد لعقود، وقلوب عشاق الأدب حائرة بين الألم على فراقه والامتنان لما قدّمه من نصوص صارت جزءًا من التاريخ الثقافي.
وقبل أن يرحل، كان صنع الله إبراهيم يقرأ كتابًا لم يكن مجرد صفحات تتحرك بين يديه، بل رحلة تاريخية تغوص في عمق المعاناة الإنسانية، وتستحضر ذاكرة العبودية في أمريكا وهى رواية "نسب" للكاتبة أوكتافيا بتلر.
في حواره الأخير مع "اليوم السابع"، قبل أن يدخل في دوامة المرض، أخبرنا أنه يقرأ الآن رواية "نسب" للكاتبة الأمريكية أوكتافيا بتلر، بترجمة الفلسطينية منى كريم، ولم يكن الأمر مجرد تسلية أو قراءة عابرة، بل غوص في عمل أدبي قضت مؤلفته عشر سنوات في بنائه، بين مذكرات العبيد والوثائق الرسمية وأرشيف الجمعيات التاريخية، وحتى زيارات ميدانية لولاية ماريلاند، حيث دارت أحداث الرواية.
كان الروائى الكبير صنع الله إبراهيم يتحدث عنها بحماس وكأنها نافذة مفتوحة على التاريخ الإنساني بكل ما فيه من جروح وأوجاع، وربما كان في تلك اللحظة يرى تشابهًا بين رحلة شخصيات الرواية في مواجهة القهر، ورحلته هو نفسه في مواجهة المرض.
ورغم تراجع صحته، ظل وفياً لعادته القديمة قراءة أعمال الشباب الذين يرسلون له كتبهم، وإبداء رأيه بصراحة، مؤمنًا أن الأدب لا يعيش إلا إذا تواصلت الأجيال.
صنع الله إبراهيم من مواليد القاهرة 1937، وهو روائى مصرى ومن أكثر الكتاب شهرة فى العالم العربى بفضل أعماله ذات النزعات التجريبية، ومنها: نجمة أغسطس، وتلك الرائحة، وبيروت بيروت، وإنسان السد العالى، ووردة، والعمامة والقبعة، والقانون الفرنسى، والتلصص، وذات.
وتتميز أعمال إبراهيم بصلتها وثيقة التشابك مع سيرته من جهة ومع تاريخ مصر السياسى من جهة أخرى، وتعتمد بشكل رئيسى على بناء يمزج السرد التخييلى بالتوثيق، ونال الروائى المصرى عبر مسيرته جوائز عدة؛ أهمها جائزة "ابن رشد للفكر الحر" عام 2004، وجائزة تكريمية نالها عند بلوغه عامه الثمانين قدمت له باسم المثقفين المصريين.
يذكر أن الروائى الكبير صنع الله إبراهيم رفض تسلم جائزة ملتقى الرواية عام 2003، وتذكر عدد من التقارير الصحفية فى ذلك التوقيت، أنه فور انسحاب صنع الله إبراهيم، توجه الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة آنذاك، إلى المنصة ليلقى كلمة قصيرة، واعتذر لأعضاء لجنة التحكيم، مشيدًا بجهدهم كى ينتهوا إلى هذا "الاختيار الجيد"، ونقلت الصحف عن الوزير السابق: "هذه الجائزة لم تمنحها له الوزارة ولا الحكومة، وإنما منحتها لجنة من الأدباء العرب ترأسها الأديب السودانى الكبير الطيب صالح، وهى جائزة استحدثناها فى المجلس الأعلى للثقافة للرواية والشعر العربى".
اليوم، طوى صنع الله إبراهيم صفحته الأخيرة، تاركًا وراءه مكتبة من النصوص التي ستظل حية، تمامًا كما ستظل رواية "نسب" آخر أثر في ذاكرة قراءته، شاهدة على شغفه بالمعرفة حتى اللحظة الأخيرة.

Trending Plus