روشتة إنقاذ الدوري المصري.. الطريق إلى عودة الروح الرياضية

مع انطلاق الموسم الجديد للدوري المصري الممتاز، عاد الحماس والإثارة ليملآ ملاعبنا، حيث ظهر مستوى فني قوي في الجولة الأولى يؤكد وجود تنافس شرس على اللقب، خصوصًا بين الأهلي والزمالك وبيراميدز، مع دخول المصري البورسعيدي في المعادلة.
لكن وراء هذا المشهد المبهج تختبئ أزمة عميقة، تتمثل في تصاعد التعصب بين جماهير القطبين، خاصة ما حدث مع "زيزو" نجم الأهلي الحالي من جانب بعض جماهير الزمالك في المدرجات، حيث تعرض لهتافات مسيئة له ولأسرته في مباراة سيراميكا، ثم تبعتها ردود فعل متبادلة من الجمهور الأهلاوي خلال مباراة مودرن سبورت، هذه ليست واقعة عابرة، بل هي جرس إنذار صارخ يدق على أبواب الكرة المصرية.
سبق أن نبهت إلى هذه المخاطر في مقال سابق هنا في موقع "اليوم السابع" تحت عنوان: "الموسم الجديد على الأبواب.. كيف نعيد الشغف للمدرجات بلا تعصب؟"، حيث طرحت حلولًا عملية واضحة، بدءًا من ضبط سلوك الجماهير، مرورًا بدور الإعلام في تقديم خطاب متوازن يبتعد عن تأجيج المشاعر السلبية، وانتهاءً بضرورة تدخل الجهات المعنية بحسم وفقًا للوائح والقوانين المعمول بها، ولكن، للأسف، غابت الإرادة الحقيقية، واستمرت المشكلة في التفاقم، مما يجعلنا أمام واقع أكثر سوءًا.
واقع الحال يؤكد أن التحذيرات لم تجد آذانًا صاغية، ولا تغييرات ملموسة، ما حدث مع زيزو وما تبعه من ردود أفعال من عشاق القطبين يؤكد وجود فشل جماعي في التصدي لهذه الظاهرة، فقد أصبحت المدرجات ساحة للصراعات والانقسامات، مهددة سلامة اللعبة وروحها الرياضية.
رأيي الذي قلته سابقًا ولن يتغير، أن المسؤولية تقع على عاتق الجميع: من اتحاد الكرة، والإدارات في الأندية، واللاعبين، والجماهير، ووسائل الإعلام، في العمل جنبًا إلى جنب لخلق بيئة رياضية صحية وجاذبة للجماهير، ترتكز على الاحترام المتبادل والتشجيع البناء، فبدون هذه الخطوات، ستظل كرة القدم المصرية تعيش في دوامة المآسي المتكررة، ونشهد تكرار نفس السيناريوهات المأساوية موسمًا بعد موسم.
الأزمة لا تقتصر على الجماهير فقط، بل تشمل توترات بين الأجهزة الفنية والإدارات، مما يعكس ضعفًا في كل المستويات: الفنية، والتنظيمية، والأخلاقية، كل هذا يدفع الجمهور الحقيقي إلى الابتعاد والبحث عن دوريات تقدم كرة نظيفة ومنافسة شريفة.
السؤال الصعب: كيف نعيد الجماهير إلى المدرجات ونحمي شغفها وسط هذا المناخ المتوتر؟ الجواب يبدأ بإرادة حقيقية ومسؤولية جماعية تشمل اتحاد الكرة، والأندية، والجماهير، والإعلام، والجهات الأمنية.
هنا أؤكد من جديد على خطوات واقعية لإنقاذ الكرة المصرية:
- عقوبات رادعة: تطبيق القوانين واللوائح المنظمة للدوري بشكل صارم بحق المخالفين، سواء من الجماهير أو الأندية التي تتهاون، بما في ذلك منع حضور المباريات لفترات معينة وفرض غرامات مالية دون الالتفات للألوان.
- إعلام مسؤول: على الإعلام الرياضي أن يلتزم بنقل الأحداث بروح موضوعية، ويتجنب الخطابات التي قد تغذي التعصب، بل يعمل على بناء جسر للحوار والاحترام بين الجماهير.
- تعزيز الأمن والتنظيم: وضع خطط صارمة لمنع أي أدوات قد تستخدم للعنف داخل الملاعب، مع تدريب فرق أمنية متخصصة للتدخل السريع، والاستعانة بالتقنيات الحديثة للمراقبة، ومحاسبة المخالفين أولًا بأول.
- ثقافة التسامح والاحترام: حملات توعية مستمرة عبر القنوات الإعلامية والأندية، يشارك فيها نجوم الكرة لتوصيل رسائل واضحة تحث على التشجيع النظيف والروح الرياضية، بدلًا من اللهث وراء التريند وبث التعصب بين جماهير الفرق.
- تطوير الأداء الفني والإداري: الاستثمار في تدريب الفرق واللاعبين، وتحسين إدارة الأندية بما ينعكس إيجابيًا على الأجواء العامة للدوري.
- تضافر جهود الجهات الرسمية: ضرورة تكوين لجنة مشتركة تضم اتحاد الكرة، ووزارة الرياضة، ووزارة الداخلية، والأندية لمتابعة تنفيذ الخطط ومحاسبة المقصرين.
- معايير التواصل الاجتماعي: وضع ضوابط لمتابعة المحتوى المتعلق بكرة القدم على منصات التواصل، والتصدي لأي خطاب كراهية أو تحريض.
ختامًا، المفترض أن كرة القدم هي لغة واحدة تجمعنا، وهذا لن يتحقق إلا بتكاتف الجميع وإرادة حقيقية، فإما أن نحمي اللعبة ونحافظ على جمهورها، أو نتركها تغرق في صراعات بلا نهاية. المدرجات تستحق أن تحكي قصص أفراحنا وهتافنا بروح رياضية، لا عنف وتمزق بين أبناء الوطن الواحد. فلنعمل معًا على إيقاف هذه الدوامة، وإعادة الشغف الحقيقي إلى مدرجات الكرة المصرية.
إنقاذ الكرة المصرية ومصلحة بلدنا وأبنائنا من وراء القصد.

Trending Plus