سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 14 أغسطس 1956.. 100 ألف يحتشدون فى دمشق ومظاهرات أخرى بالمدن السورية تأييدا لقرار تأميم شركة قناة السويس.. و20 ألفا يطلبون التطوع للدفاع عن مصر بينهم 200 سيدة

اكتظ الملعب الرئيسى للبلدية فى العاصمة السورية دمشق بمظاهرة ضخمة فى 14 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1956، حضرها أكثر من مائة ألف شخص، وكانت الهتافات تدوى تأييدا لمصر ضد الاستعدادات البريطانية العسكرية فى المنطقة بسبب قرار جمال عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس يوم 26 يوليو 1956، ونقلت إذاعة صوت العرب وقائع هذه المظاهرة، حسبما يذكر محمود رياض أحد الدبلوماسيين الكبار فى تاريخ الدبلوماسية المصرية، ووزير الخارجية فى ستينيات القرن الماضى، ثم أمين عام جامعة الدول العربية فى السبعينيات حتى استقال، بسبب الانقسامات العربية نتيجة مبادرة الرئيس السادات بالسفر إلى إسرائيل فى 19 نوفمبر 1977.
كان «رياض» سفيرا لمصر فى سوريا أثناء قرار تأميم القناة والعدوان الثلاثى والوحدة بين مصر وسوريا، ويسجل شهادته حول كل هذه الأحداث فى الجزء الثانى من مذكراته «الأمن القومى العربى بين الإنجاز والفشل»، ويكشف أنه فى اليوم التالى لإعلان قرار تأميم شركة القناة لم ينقطع الزوار سواء فى مكتبه صباحا أو فى منزله مساء بدمشق، ويؤكد: «كان الكل يتغنى بشجاعة عبدالناصر بطلا يمثل آمال الأمة العربية، وتأكدت زعامته خارج مصر والأمة العربية».
يضيف «رياض»: «عندما تزايد الاستعداد البريطانى العسكرى فى المنطقة، عقدت اجتماعات مطولة مع بعض القادة السوريين بغرض تنظيم تحرك شعبى حتى تشعر بريطانيا بخطورة تدخلها، وكان ممن يتفقون معى فى هذا الرأى أكرم الحورانى، وتشكلت لجنة تضم عددا كبيرا من النواب من كل الأحزاب من بينهم معروف الدواليبى رئيس الوزراء السابق، وأكرم الحورانى وعلى بوظو عن حزب الشعب، وظافر القاسمى وفاخر الكيالى ومحمد المبارك عن الحزب الوطنى، وخالد البكداش من الحزب الشيوعى، ودعت اللجنة باسم الشعب السورى جميع الشعوب العربية إلى مناصرة مصر، وأرسلت برقيات إلى كل دول العالم والأمم المتحدة».
يذكر الدكتور عبدالله فوزى الجناينى، فى كتابه «ثورة يوليو والمشرق العربى.. 1952-1956»، أن مظاهرات يوم 14 أغسطس 1956 كان أضخمها فى دمشق وحلب ثانى أكبر المدن السورية، ويضيف: «اكتظت المدينتان بالسوريين تلبية لدعوة الأحزاب والهيئات السياسية والدينية، التى اجتمعت يوم 10 أغسطس واتفقت على تكوين لجنة سميت بـ«اللجنة السورية لنصرة مصر» برئاسة خالد العظم، وضمت ممثلين من مختلف الأحزاب ومن بينها، البعث العربى الاشتراكى، الوطنى، الشعب، الشيوعى، وحركة التحرير العربى».
وزعت اللجنة بيانا على نطاق واسع دعت فيه الشعب السورى إلى مظاهرة شعبية كبرى يوم 14 أغسطس لإعلان التأييد لمصر، وحفزته أيضا على الإضراب عن العمل فى اليوم ذاته من الساعة الرابعة عصرا، وذلك ليتسنى لأكبر عدد منهم حضور هذه المظاهرة. ويضيف «الجناينى»، فى اليوم المحدد كانت الاستجابة كبيرة، وطافت المظاهرات شوارع دمشق وحلب تهتف بحياة جمال عبدالناصر، وتأميم القناة وبسقوط الاستعمار، وألقى ممثلو الأحزاب المختلفة كلمات يعبرون فيها عن تأييدهم لمصر، وفى مهرجان شعبى كبير توالت الكلمات، وكان من بينها كلمة خالد العظم وقال فيها:
«أيها المواطنون، هذا يوم من أيام العرب، إنه يوم مصر، إنه يوم العروبة لأن مصر هى قلب العروبة ورأسها، ونحن لا نجتمع اليوم لنرد تحية بمثلها، ولا لنفى دينا فى أعناقنا، فنحن لا ننسى نصرة مصر لنا أيام الثورة السورية، ولن ننسى مواقفها إبان العدوان الفرنسى، إن الاستعمار عندما يتآمر على استقلال مصر، فإنما يتآمر للقضاء على استقلال جميع الشعوب العربية»، وطالب خالد العظم الحكومات العربية بأن تقف ضخ البترول إلى الغرب إذا أقدمت إنجلترا أو فرنسا أو غيرهما على مهاجمة مصر، وأن تضع يدها على جميع الأموال التابعة لأفراد وحكومات هذه الدول.
ويذكر «الجناينى» أن جموع شعبية كبيرة مثلت مختلف طوائف الشعب السورى توافدت فى اليوم التالى على السفارة المصرية، تعلن ترحيبها وتأييدها لقرار التأميم، وانهالت برقيات التأييد من الأفراد والهيئات الشعبية والنقابات العمالية والمهنية ومختلف الأندية الثقافية والأدبية، وكذلك الفلاحين فى القرى، ومن تلك البرقيات النقابية برقيات من نقابة عمال الخياطة، وعمال خراطة المعادن والجزارين، والحلاقين، وعمال الميكانيكا، والحذاء والنعل، ومستخدمى المكاتب التجارية والمعلمين والمحامين، فضلا عن آلاف البرقيات المقدمة من الأهالى.
امتد حماس السوريين إلى إبداء الرغبة فى التطوع للدفاع عن القناة لو شن الغرب حربا ضد مصر، وبلغ عدد الطلبات التى تم تقديمها حتى 15 أغسطس ما يزيد على عشرين ألف طلب، ورفع أكثر من خمسين نائبا سوريا عريضة إلى رئيس الأركان العامة للجيش السورى مطالبين فيها بالانضمام للمقاومة الشعبية وتدريبهم على حمل السلاح، وورد إلى السفارة المصرية برقيات عدة من أعضاء الاتحاد المسائى العربى السورى يؤيدون قرار التأميم ويباركن خطى عبدالناصر، وسجل نحو مائتى امرأة من أعضاء الاتحاد أسماءهن فى سجلات التطوع للدفاع عن قناة السويس، وأصدر الشيخ أبو اليسر عابدين مفتى سوريا فتوى بإعلان «الجهاد المقدس» دفاعا عن القناة.

Trending Plus