الثانوية والمجموع والتنسيق.. الطريق إلى مجدى يعقوب أو محمد صلاح

بمناسبة الثانوية العامة ومكتب التنسيق، كتبت عن مأساة إبراهيم الذى تفوق فى الثانوية، وأراد دراسة الهندسة، لكن والده أصر على أن يلتحق بالطب، ففشل فى الطب، وعجز عن العودة للهندسة وفقد مستقبله وحاضره، ومات كمدا، ومثله مئات من الشباب الذين ضاعوا فى الحياة لأنهم استسلموا لمكتب التنسيق دون قدرة على الاختيار، وبجانب هذا كله، لا تزال مشكلة الاختيارات والكليات والقدرات والمستوى المادى والاجتماعى، تتحكم فى اتجاهات الطلاب بالجامعة، فليس كل من يذهب للطب يصبح العلامة مجدى يعقوب، ولا كل من يلعب الكرة يصبح محمد صلاح، هناك معادلة للنجاح والفوز والمستقبل ترتبط بتفاصيل وشروط.
فما زال كثيرون يتجهون إلى كليات الطب مثلا والهندسة، ومعها الحاسبات، وغيرها من التخصصات، ليس اختيارا، لكنه رهان على فرص التوظيف والمستقبل، مع أن كل ما يجرى حولنا، لا يشير إلى أن الدراسة تحكم شكل المستقبل، وقد تكون مفاجأة أن أغلب رجال الأعمال أو الأثرياء، إما أنهم لم يكملوا تعليمهم، أو أنهم يعملون فى تخصصات غير دراساتهم، وفى المجتمع - بشكل عام - هناك نوع من التوجهات ظهرت فى السينما أو فى الكتابات بل والبوستات، أن الثراء لا يرتبط بالتعليم، وهناك طريقة فى التفكير تحمل قدرا من الطاقة السلبية، وتعتبر أن الأمثال العليا لم تعد فى العلماء، وإنما فى لاعبى كرة القدم أحيانا، بل وأحيانا أخرى فى صانعى المحتوى على مواقع التواصل، خاصة النوع التافه والسطحى.
حتى من يمتهنون الفن أو التمثيل، مع الأخذ فى الاعتبار أن كل هذه النماذج ترتبط أحيانا بالموهبة والحظ وأيضا الندرة، حيث إن الفن أو التمثيل يحمل قدرا من الموهبة بجانب الاجتهاد وتحمل ظروف صعبة، ولاعب كرة مثل محمد صلاح بجانب أنه موهوب، فقد تعب وبذل جهدا كبيرا ولا يزال، بجانب أن نجاح اللاعب فى مسيرته يرتبط باستمراره بصحة ولياقة بعيدا عن الإصابات، وأن يجد طريقا إلى الاحتراف وهو مشوار ليس سهلا.
كل طلاب الثانوية العامة - تقريبا - يذهبون إلى الجامعات من خلال مكتب التنسيق بناء على المجموع، وعندما يتخرجون، قد لا يحصلون على عمل بتخصصاتهم، بينما تظهر فرص لا تجد من يشغلها، مكتب التنسيق يوفر عدالة شكلية، لا تضمن لخريجى الجامعات أن يحصلوا على مكان أفضل، حيث المجاميع لا تترجم إلى مراكز، هناك تخصصات لا يحتاجها سوق العمل، مقابل تخصصات فنية وعلمية وصناعية يحتاجها السوق، وتضطر بعض الهيئات أو الشركات لاستيراد عمال وفنيين لشغلها.
ومن هنا تأتى أهمية خلق نقاش فى المجتمع والإعلام حول التعليم والمستقبل، والتعريف بالتخصصات ومدى الحاجة إليها، وربط التعليم الجامعى والفنى بالاستعداد والقدرات مع المجموع، والتأكيد على أن التدريب وإعادة التأهيل، لا يقل أهمية عن التعليم، أخذا فى الاعتبار أن أكثر من نصف خريجى العالم لا يعملون فى تخصصاتهم، وهناك معاهد ومراكز بل وجامعات تتيح فرصة التدريب وتغيير المسار «شيفت كارير»، فى دراسات مسائية أو غيرها، وهى أمور أصبحت جزءا من ثقافة العالم، وهنا يفترض ونحن نتحدث عن الثانوية والمستقبل، أن نتخلى عن النقاشات التقليدية، ونوسع من مناقشة الخيارات التى تمكن الشباب من تنمية واكتشاف مواهبه، ففى تخصصات مثل البرمجة والألعاب والبرامج هناك مواهب لدى شباب ومراهقين تحتاج إلى تنمية واكتشاف، مثلما نتحدث عن مواهب فى الكرة والغناء والفن والتمثيل إلى آخر هذه القوائم.
وفى كل دول العالم - ومنها أوروبا والدول المتقدمة - لا توجد مكاتب التنسيق أو المجاميع، وإنما يجتاز الطالب اختبارات فى كل مرة يفكر فى اجتياز مرحلة تعليمية أو عملية من خلال جهد دراسى ومعرفى وعملى، وبعض الجامعات تساعد طلابها على التدريب وتجهزهم للمستقبل من خلال برامج تدريبية مع الشركات والمراكز المختصة، وبعض الجامعات فى بريطانيا تحتل مكانا متقدما فى توظيف خريجيها، لأنها تقدم فرصا للتدريب والتوجيه، من خلال مراكز تمولها شركات كبرى، وتعرف أن تدريب وتأهيل الخريجين يصب لصالح المجتمع.
كل هذه خيارات وأسئلة مطروحة، تحتاج إلى مناقشة وتوعية، لشباب يحتاج إلى الكثير من الفرص، والاختيارات، بجانب الدراسة ومأزق الثانوية العامة.


Trending Plus