"الليكاب" رمز للضيافة والبقاء فى بيئة حلايب وشلاتين الصحراوية عند قبائل البشارية والعبابدة.. يعرف أحيانا بـ"التخيمة" أو "الليكا" أو "أمبداى قو".. يشيد من جذوع الأشجار الجافة.. ويتم استقبال الضيوف بالحليب.. صور

فى قلب الصحراء الشرقية المصرية، وتحديدًا فى أقصى الجنوب بمنطقتى حلايب وشلاتين، تفرض الطبيعة القاسية نمطًا معيشيًا خاصًا على سكانها من أبناء قبيلتى العبابدة والبشارية، فى هذه البيئة الصحراوية، التى تتسم بارتفاع شديد فى درجات الحرارة صيفًا وتقلبات مناخية حادة بين الفصول، دفعت السكان إلى ابتكار حلول تتناسب مع طبيعة المكان وتلبى احتياجاتهم اليومية، خاصة فى مجالات الضيافة والتنقل والسكن المؤقت.
ومن أبرز هذه الابتكارات التراثية “الليكاب”، أو كما يعرف أحيانًا باسم “التخيمة” أو “الليكا” أو “أمبداى قو”، وهى مصطلحات تعنى جميعها “مضيف القبيلة” أو بيت الضيافة، وتعود أصولها اللغوية إلى لهجات قبائل البجا المنتشرة فى تلك المنطقة، ويعد “الليكاب” رمز متجذر للضيافة والكرم الأصيل عند القبائل البدوية، ويؤسس فى موقع ظاهر ومفتوح بالقرب من مقار سكن القبيلة، ليسهل على الضيف التعرف عليه والتوجه إليه مباشرة فور وصوله.
قال الحسن أدم، أحد أبناء قبيلة البشارية، إن الليكاب يشيد من جذوع الأشجار الجافة التى تجمع من الأودية والمناطق الجبلية، ويتم ترتيب هذه الجذوع بطريقة تقليدية دون استخدام مسامير أو أدوات حديثة، وتسد الفجوات بينها بسعف النخيل لتوفير حماية من الشمس والأمطار.
وأضاف ابن قبيلة البشارية، أن فى بناء الليكاب يكون ثابتًا رغم طبيعة حياة التنقل التى تتبعها القبائل فى سعيها خلف المراعى والأمطار، ويعد وجود الليكاب فى مكان ما دليلًا على أن المنطقة يسكنها أفراد من هذه القبائل، حتى وإن كانوا قد غادروا مؤقتًا، وأن الليكاب يفرش عادة بالصوف، وتوضع فيه أدوات الضيافة الأساسية، وأهمها “قربة الماء” المصنوعة من جلد الماعز، والتى تُستخدم لحفظ المياه باردة حتى فى حر الصيف القاسي.
كذلك يوجد أدوات إعداد مشروب “الجبنة”، وهو مشروب تقليدى شهير يعتمد على البن المحمص ويُقدم للضيوف فور دخولهم المضيفة، وأن الضيافة فى الليكاب تبدأ باستقبال الضيف بالحليب الطازج وخبز “العيش الجابوري” المصنوع محليًا، ثم يُقدم مشروب الجبنة، وإذا كان صاحب المضيف ميسور الحال، فقد يكرم ضيفه بذبح شاة له، تعبيرًا عن كرم القبائل واعتزازهم بالتقاليد.
من جانبه قال محمد عبد الله، ابن منطقة الخير بمدينة الشلاتين، إن تشييد الليكاب يتطلب خبرة ومعرفة بالبيئة، حيث يختار البناؤون جذوعًا بها التواءات تساعد فى إحكام التركيب، ويراعى عدم استخدام أدوات معدنية حفاظًا على الهوية التراثية.
ويضيف أن الليكاب ينتشر فى معظم الأودية والمرتفعات الجبلية مثل وادى العلاقى وهييبا، وغرب الشلاتين، حيث يشكل علامة بارزة تدل على وجود سكان من البشارية أو العبابدة.
ويمثل الليكاب أكثر من مجرد مأوى أو مضيف، بل هو تجسيد حى لعلاقة الإنسان بالبيئة، وقدرته على تطويع الطبيعة القاسية لتناسب حاجاته، ويعد تعبيرًا ثقافيًا عن الكرم والشهامة التى تميز أبناء هذه المناطق الجنوبية من مصر، وتبقى هذه المضائف شاهدة على عمق تقاليد الضيافة العربية الأصيلة المتوارثة عبر الأجيال، التى تصمد فى وجه الحداثة وتحافظ على روح الأصالة.

استقبال الضيوف فى أودية حلايب وشلاتين

يتن تشيده من جذوع الاشجار

يفرش بالصوف لاستقبال الضيوف

يقدم الحليب للضيوف بمجرد وصولهم

Trending Plus