شوبير والشناوي.. من حماية العرين إلى عاصفة السوشيال

في كرة القدم، الحارس هو آخر جدار أمام الشباك، وأي خطأ منه قد يكون كفيلًا بقلب الموازين.. نعم هي حقيقة لا تقبل الجدال، لكن في زمن السوشيال ميديا لم يعد الخطأ مجرد لحظة عابرة داخل الملعب، بل أصبح مادة للجدل والهجوم، أحيانًا بلا رحمة، ولعل ما يحدث مع مصطفى شوبير ومحمد الشناوي، حارسي الأهلي، خير مثال على ذلك.
مصطفى شوبير، الحارس الشاب للنادي الأهلي، وجد نفسه مؤخرًا في قلب عاصفة بعد خطئه في مباراة فاركو، فبعد المحاولة التي قام بها لمنع الكرة من الخروج إلى ضربة ركنية، لتعود وتتحول إلى هدف، تحول الأمر من مجرد هفوة طبيعية في كرة القدم إلى موجة من الهجوم. أعتقد أن جزءًا كبيرًا منها لا يرتبط بالخطأ نفسه، بل بإرث والده أحمد شوبير، الحارس التاريخي والإعلامي المعروف.
والدليل على ذلك أنه منذ ظهور مصطفى شوبير، يتردد أن حصوله على مكان بين حراس الأهلي "مجاملة" لاسم والده، غير أن الحارس الشاب كان على قدر المسؤولية وفقًا لشهادات مدربيه وزملائه، وأثبت من خلال أدائه في كل مرة يحصل فيها على فرصة أنه موهبة حقيقية وحارس واعد قادر على أن يكون مستقبل المنتخب الوطني خلال السنوات المقبلة.
لكن يبدو أن أكثر ما يثقل كاهل مصطفى شوبير ليس قفاز الحارس ولا ضغط الجماهير، بل إرث والده الذي تحول من وسام فخر من تاريخ كبير لشوبير الأب إلى عبء بسبب تصفية الحسابات، وهو ما يتجلى في موجات الهجوم الحاد عبر صفحات السوشيال ميديا.
"ابن الوز عوام".. مقولة جميلة حين يواصل الأبناء مسيرة الآباء، لكنها في حالة مصطفى تتحول أحيانًا إلى سيف مسلط، لأن البعض يخلط بين الموهبة والكفاءة، وبين الماضي والحاضر، ومحاولة الانتقام من والده في شخص الحارس الشاب.
المذنب هنا ليس مصطفى شوبير، بل غول السوشيال ميديا الذي بات يهدد كل شيء داخل المجتمع في مختلف المجالات، ومنها ساحات المستطيل الأخضر، فنحن في زمن لم يعد الحكم على لاعب كرة القدم مقتصرًا على الأداء داخل الملعب، بل أصبح في كثير من الأحيان مشوّهًا بفعل الصراعات والانقسامات خارجه. وهذه واحدة من المآسي التي تعاني منها الكرة المصرية، حيث تُسحق المواهب أحيانًا تحت وطأة التجاذب الإعلامي والانقسام الجماهيري.
وإذا كان شوبير الابن في مرمى الانتقادات بسبب "الإرث"، فإن محمد الشناوي، الحارس المخضرم، يواجه هجومًا من نوع آخر، فعلى الرغم من كونه حارس مصر الأول لسنوات وصاحب أدوار حاسمة مع الأهلي والمنتخب، إلا أن أي هفوة له تتحول سريعًا إلى مادة للنيل من تاريخه، وقد أثرت الانتقادات الأخيرة بشكل واضح على حالته النفسية، رغم أنه من أكثر اللاعبين ثباتًا وتألقًا في السنوات الماضية، والواقع يؤكد أن الهجوم على اللاعبين في مصر تحوّل إلى ظاهرة مقلقة.
هذا النهج لا يضرب ثقة اللاعبين فقط، بل ينعكس سلبًا على المناخ العام للعبة، ففكرة كرة القدم، في جوهرها، لعبة أخطاء قبل أن تكون لعبة إنجازات، والحارس بالذات يقف دائمًا على خط فاصل بين البطولة والإدانة، ولحظة واحدة قد تصنع منه منقذًا لفريقه أو تُحمله مسؤولية الخسارة.
هنا أؤكد أن النقد الفني حق مشروع، لكنه يجب أن يصدر عن أهل الاختصاص في المجال الرياضي، بعيدًا عن الأهواء والمواقف الشخصية، بهدف التوجيه والإصلاح لمصلحة الكرة المصرية، أما ما يحدث على منصات السوشيال ميديا، فقد تجاوز حدود النقد ليصل إلى التجريح والتشويه، وكأن الهدف لم يعد تقييم الأداء، بل النيل من اللاعب ذاته.
وسواء كان الحديث عن مصطفى شوبير، الحارس الشاب الذي يحاول إثبات ذاته وسط ضغوط الإرث العائلي، أو عن محمد الشناوي، القائد الذي صنع اسمه بعرق السنين، فإن ما يحتاجه حراس المرمى في مصر ليس حصانة من النقد، بل عدالة في التقييم.
الخلاصة أن ما يحدث مع مصطفى شوبير اليوم، وقبله مع محمد الشناوي، أمر يتجاوز حدود المنطق، فالنقد حق أصيل للجماهير، وهو جزء لا يتجزأ من متعة كرة القدم، لكن حين يتحول إلى هجوم جارح أو وسيلة لتصفية الحسابات، فإنه ينتقص من رصيد اللاعب ويُفقد اللعبة روحها الحقيقية.
هناك فارق كبير بين نقد بناء يوجه ويُصلح، وبين هجوم انفعالي يهدم ويُرهق. ففي النهاية، اللاعبون بشر قبل أن يكونوا نجومًا، وأخطاؤهم لا ينبغي أن تتحول إلى محاكمات شخصية.
فلنترك شوبير والشناوي، وكل موهبة صاعدة، يكتبون قصتهم بأقدامهم داخل الملعب، بعيدًا عن ظلال الماضي وفواتير لم يجنوها، فالملعب وحده يبقى الحكم العادل، والموهبة لا تُورث، والطموح لا يُعاقب.

Trending Plus