عصام عبد القادر يكتب عن الأمن القومي الرقمي: وظيفية التحول الرقمي.. الهوية الرقمية.. الحماية والخصوصية.. الاستخدام القويم للفضاء مقابل المغرض والمشوب.. جهود وزارة الداخلية نثمنها ونقدرها ونتمنى استدامتها

دأب الدولة تجاه العمل على رقمنة كافة الخدمات في شتى المجالات، يتأتى من منطلق تسهيل الإجراءات على المواطن، بما يغلق أبوابًا من التجاوزات، ويحسن الممارسات، التي نقوم بها في كافة ميادين العمل، وهذا يستوجب أن نكون حريصين تجاه تأمين المؤسسات، وبنيتها الرقمية؛ لأن ذلك يعد من دعائم الأمن القومي الرقمي؛ فقد أضحى التقنية أداة وظيفية رئيسة، غمرت كافة جوانب الحياة، الاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية، والطبية، والتعليمية، والبيئية، إلى غير ذلك مما هو مستحدث، وهنا ندرك لماذا تتوقف مسيرة الحياة؟! حال الإصابة بعطب ينال التقنية، أو حدوث خطب خارج عن الإرادة.
تأمين الثروات المعلوماتية، والبيانات النوعية من صور الاختراق، أو من متلون التهديدات، أو من قراصنة الاستحواذ، أو من شتى مخاطر التشوية، والتدمير للبنية المعلوماتية، والتقنية، يُعد من الأولويات الرئيسة للأمن القومي الرقمي، بل، من الأبعاد، التي تنال أقصى اهتمام لدى الدولة، ومؤسساتها الوطنية؛ لارتباطه بالاستقرار المؤسسي، بل، والمجتمعي، وعامل أساس للتقدم في كل صوره المتعلقة بسائر المجالات؛ ومن ثم لا نغالي إذا ما قلنا إن هذا البعد يُشكل عماد قيام الدولة، وقطار نهضتها، وتقدمها.
الهوية الوطنية باتت لا تنفك عن الهوية الرقمية؛ حيث توعية المواطن بصور الانتحال، والاحتيال، والنصب، والتزوير، وكافة الجرائم الرقمية، التي ترتكب من أناس، لا يمتلكون الاتصاف القيمي القويم، وهنا يأتي دور الأمن القومي الرقمي، الذي يشكل سياج حماية البيانات، ويدحر محاولات القرصنة، ويقوض مساعي معتادي الإجرام على الشبكات الرقمية، ويحارب الذين يبذلون الجهود الممنهجة؛ من أجل الإضرار بالفكر، والتلاعب بالعقول؛ حيث يستهدفون تشويه البنى المعرفية؛ من خلال شائعات مغرضة، تبث بصورة منتظمة، على مدار الساعة؛ بغية التضليل، وتزييف الوعي.
هنالك فلسفة تعززها الدولة، ومؤسساتها الوطنية، تسمى بالخصوصية، والاستقلالية، التي لا تسمح بتبادل الخبرات حولها، فيما يخص ما لديها من معلومات، وهذا يتأكد تحت ماهية السيادة الرقمية، التي تمنع كل صور الابتزاز، أو تضمن توافر الثقة التامة في العمل المؤسسي، أو تحرص على استمرارية العمل، بغض النظر عن الأعطال الطارئة، أو نوازل الطبيعة، أو التحديات في صورتيها: الإقليمية، والعالمية، وبالطبع لا يترك بابًا لمحاولات الهجمات السيبرانية، التي تضير بالمصالح العامة، والخاصة على السواء.
الدولة المصرية صاحبة الريادة في التحول الرقمي الناتج عن مخرجات بنية تحتية تقنية، ممتدة في شتى ربوع الوطن، تمتلك الخبرات، وأصحاب الكفاءة، الذين يعزّزون من آليات الحماية للأمن القومي الرقمي، ويحرصون على توعية المواطن الرقمي؛ كي يحافظ على خصوصية معلوماته، ناهيك عن توافر الأمن السيبراني، الذي يقوّض شتى محاولات النيل من مقدراتنا الرقمية، وثمت شراكة فاعلة مع مؤسسات دولية، تكافح صور الهجمات السيبرانية، والجرائم الرقمية العابرة لحدود الفضاء.
نوقن أن البحث العلمي، ومخرجاته اليانعة في مجالات التقنية يستثمر بصورة مباشرة من قبل الدول، التي تعتمد في اقتصادياتها، وإدارة شئونها على الرقمنة في إطارها المتكامل؛ ومن ثم تولي الأمن السيبراني أهمية بالغة؛ لذا لا تدخر جهودًا، تعضد بها المجال البحثي، بل، تحرص على تبادل الخبرات في هذا الخضم على مستويات دولية، وهنا ندرك أهمية الاتفاقيات الدولية، المعنية بتعزيز السلوكيات، التي من شأنها أن تحافظ على أمن الفضاء السيبراني؛ حيث إن المصالح العليا لكثير من الدول باتت رهن هذا البعد.
نتفق سويًّا على أن الإنسان منا يشعر بالطمأنينة حال إكسابه معرفة صحيحة، وأخبار تتسم بالإيجابية، وأفكار تزيد من إلهامه، وتقدح ذهنه، وتثير وجدانياته؛ كي يقدم أفضل ما لديه في مجال عمله النوعي؛ بالإضافة إلى تنامي الطموح، والأمل؛ بغية تحقيق غايات عليا، سواءً ارتبطت به، أو بمؤسسة وطنية، ينتمي إليها، وفي المقابل حينما نمد الفرد بمعلومات مغلوطة، وأفكار مشوبة، وبقايا بيانات مُحرّفة؛ فإن النتيجة المتوقعة أن يصاب بالإحباط، ويتشتت الذهن لديه، وتقوّض كافة محاولاته تجاه نهضة، وتقدم، قد شارك في رسم سيناريوهاتها.
الفزع من المستقبل يتأتى من فضاء رقمي يبث من خلاله شائعات مغرضة، تحمل في طياتها أفكارًا شاردة، وسهام كلمات مسمومة، تضير بوجدان الإنسان؛ فيقع تحت وطأة الحيرة، ويصبه الوهن، وتبدو الرؤية المستقبلية بالنسبة له ضبابية، وتمسكه بتحقيق أهدافه، نراه ضعيفًا؛ فلا يهتم بوضع خطط طموحة، ولا يحاول فتح أبواب يأتي من ورائها، خير، وثمرة، وهنا نخشى أن تتزايد لديه مخاطر فقد الثقة فيمن حوله، بل، قد تطال ثوابت اتفق عليها المجتمع، وصارت لبنات، تؤكد على تماسكه، وتضافره؛ لذا يسهل أن ينفك عن رباط مجتمعه، وينحرف بشكل فيزيقي، أو معنوي عن المسار القويم.
هنا نتوقف عند صور التوظيف، والاستخدام للفضاء الفسيح من قبل الأفراد؛ إذ ينبغي أن يفقه الإنسان ما تسفر عنه السلوكيات الحميدة، جراء التعامل مع التقنية الزاخرة بمستودعات رقمية مفيدة في مجالات الحياة المختلفة؛ ومن ثم يتوجب علينا أن نثابر من أجل تنمية الوعي الرقمي لدى المواطن، الذي أضحى لا مناص له من التعامل الرقمي في ضوء تعددية الاستخدام، التي باتت إجبارية في مجملها.
ثمرات الاستفادة من التقنية الرقمية، نستطيع أن نعظم من شأنها، ولدينا رؤى عديدة، تحقق لنا تلك الأهداف النبيلة المقصد؛ ومن ثم هنالك ضرورة ملحة لتدريب المواطن الرقمي على مهارات متقدمة، تساعده في توظيف الفضاء الرقمي، وتسخيره لخدمته، والحصول على فوائد لا حصر لها عبر التفاعل والإبحار فيه؛ كي تزداد المعارف، وترقى الوجدانيات، وتكتسب المهارات النوعية؛ وبناءً على ذلك تتراكم الخبرات، التي يلبي من خلالها الفرد احتياجاته بكافة تنوعاتها في إطارها القويم.
نريد أن تتحول أنماط حياتنا الرقمية إلى بيئات، تبهج الوجدان، وتقدح الأذهان، وتخرج أفضل لما نمتلكه من أفكار، وتقوّي العزيمة، والإرادة في بلوغ نهضتنا، وازدهارنا في مجالات نستطيع أن نحقق فيها مستويات الريادة، وفي المقابل نحذر من الانغماس بمواقع عبر الفضاء الرقمي، التي تحمل دون مواربة أفكارًا، غير قويمةٍ، أو مخرجات، لا تتسق مع ثقافة مجتمعنا، وقيمه؛ فهذا للأسف يهدر طاقات بشرية، تشكل ثروة هذا البلد الأمين.
تعالوا بنا نتوافق حول ضرورة تأمين البيئات الرقمية، التي يتعامل معها شباب الأمة المصرية؛ إذ أرى أن هذا الأمر، قد أضحى مقوّمًا رئيسًا للأمن الفكري؛ ومن ثم يتوجب أن نتابع عن كثب، ودأب كافة مواقع التواصل الاجتماعي، سريعة الانتشار؛ لنبقي على القويم من المحتوى الرقمي خلالها، ونتخلص بالأساليب التقنية المتقدمة من صور المحتوى الرائج، الذي يضير بأبنائنا؛ لنخرج من دوائر الانحراف إلى واحات الأمان الرقمي، وبناءً على ذلك نحقق الأمن القومي الرقمي بصورة ملموسة.
وزارة الداخلية المصرية تقوم بمهمة قومية من الدرجة الأولى؛ حيث تساهم بقوة في توفير المناخ الداعم للقيم المصرية النبيلة؛ من خلال محاربة أصحاب القلوب المريضة، الذين يتخذون المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق التيك توك؛ بغرض جني مكاسب مادية بطرائق غير مشروعة، عبر إثارة الغرائز، ونشر المحتوى الرائج، الذي يتنافى مع الفضيلة، التي تربى عليها الشعب المصري من جيل تلو أخر؛ ومن ثم يرفض الرأي العام الجمعي المصري هذه الظواهر بصورة قاطعة.
في هذا السياق نثمن ما تقوم به وزارة الداخلية المصرية من جهود مضنية تجاه محاربة كل صور الانحراف، التي تتواتر من بعض صناع المحتوى الرقمي، الذي تملكت المادية منهم، وضاعت القيم من وجدانهم؛ فصار جمع المال مقابل ابتذال، وممارسات، غير قويمة محور الاهتمام؛ لكن يقظة الدولة، ومؤسساتها الوطنية أطاحت بمن يحاولون أن ينشروا ثقافة الانحراف، التي تتعارض قطعًا مع فلسفة القيم النبيلة، التي اختارها، وآمن بها مجتمعنا المصري منذ فجر التاريخ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

Trending Plus