خالد دومة يكتب: في الغرف المغلقة

إن ما يقال في الغرف المغلقة، ولا يطلع عليه الجموع من الشعوب، هو ما يرسم الحقائق فيما بعد، ويوجهه لرسم مسار الدول، انك حين تقرأ في مذكرات لشخصية سياسة في فترة من فتراة التاريخ السابقة، تكتشف أهوال وأن الذي يكون الرأي العالم للشعوب أكاذيب يختلقها الساسة، ولا تعرف الشعوب إلا بعد وقت طويل، إنها لا تكذب لكنها تتجمل، وتخفف من وطأة الواقع المرير، ولو بالأكاذيب والخدع، فالذي يقال للخاصة لا يطلع عليه العامة، وما تريده العامة، يكون مستحيل في رأي الخاصة، هنا تحدث المناورات التي ينتصر فيها الخاصة، ويتم خداع العامة بها، فأكثر الجماهير في رأي الخاصة لا تصلح لإتخاذ قرار، وتحديد مصائر، فالدول لا تدار بالأهواء والعواطف، إنما للسياسة جانبها الخفي كل دولة، لها من البواطن والخوافي ما لا تستطيع أن تعلنه، وإلا كان ذلك مفسد لخطط مرسومة، وإفشاء لأسرار لا ينبغي أن يعرفها أحد، وهم لا يعلمون بقدر ما يعرف أولي الأمر من الحكومات، فهي تداهن حينا، وتتجمل بالكذب حينا، هل تستطيع أن تخاطب الكل بلغة واحدة، المتعلم وغير المتعلم، وهؤلاء الذي لا يعرفون منطق، ولا يؤمنون بعقل غير عقولهم الرديئة، إن الأمر جد مختلف، ما يخاطب به هذا، غير ذاك، فأمر السياسة ومخاطبة الشعوب، كهذا أنت لا تقدر على الإفصاح بكل ما ترمي إليه السياسة، وما يدور في الغرف المغلقة بها، فالإعلان بكل التفاصيل أمر ينافي السياسة الصحيحة المحنكة، التي ترمي إلى مصلحة الشعب، ربما تتكشف فيما بعد سنوات أو حتى قرون بعد أن يذهب خطر البوح بها، فمرآة السياسة يجب أن لا تُظهر كل شيء، وإنما هي تٌطعم الواقع أو الرأي العام ببعض الحقائق وليست كلها .....وفي العالم الذي تحكمه الحريات والديمقراطية يكون الأمر مختلف، إذا كان الصدق هو المعول عليه، والكذب في القليل، وعلى العكس من الأمم التي يستبد بها الحاكم على كل شيء، ففي سبيل تحقيق ما يريد يتآلف الجميع على نصرته، دون النظر في صدق ما يرى ويروي أو كذبه، فألامر هنا غيره هناك، والحاكم هنا غيره هناك، وحتى الشعوب التي تنتصر للقضايا، التي تقابلها، معنى ذلك وخلاصته أن الصدق يكثر حيث توجد الحرية والديمقراطية، بينما يكثر الكذب إذا أنتشر الاستبداد.

Trending Plus