علاقة بناء الأهرامات والطوفان.. ما يقوله المسعودى فى أخبار الزمان

المعرفة ليست مضرة، وليس من الضرورى أن نصدق كل ما نعرفه، لكنه بصورة ما يفيدنا ذلك فى فهم طرق التفكير، لذا أحب العودة لقراءة كتب التراث وتأمل ما فيها، خاصة كتب التاريخ، التى تلقى الضوء على الحياة بداية حياة الإنسان على الأرض، ومن هذا المنطلق نقرأ معا ما كتبه المسعودى فى كتابه أخبار الزمان:
أول من بنى الاهرام
كان سوريد بن فيلمون، وكان ملكا على مصر قبل الطوفان بثلاثمائة سنة فرأى في منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها، وكأن الناس يهربون على وجوههم وكأن الكواكب تتساقط، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة مفزعة فرجف قلبه وأزعجه ذلك وأرعبه ولم يذكره لأحد، وعلم أنه سيحدث في العالم أمر عظيم.
ثم رأى بعد ذلك، كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صورة طيور بيض كأنها تخطف الناس، وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين قد انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة كاسفة، فانتبه أيضاً مذعورًا فزعًا.
فدخل إلى هيكل الشمس، وجعل يتضرع فيه ويمرغ خديه في التراب، ويبكي، فلما أصبح أمر رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر، وكانوا مائة وثلاثين، فخلا بهم وحكى لهم جميع ما رآه فأعظموه وأكبروه وتأولوه على أمر عظيم يحدث في العالم.
فقال فيلمون عظيم الكهان، وكان فيلمون إذ ذاك كبيرهم، وكان لا يبرح من حضرة الملك لأنه رأس الكهنة، كهنة أشمون، وهي مدينة مصر الأولى، قال إن في رؤيا الملك عجباً، وأمراً كبيراً، وأحلام أهل الملك لا تجري على محال ولا كذب لعظم أقدارهم، وكبير أخطارهم، وأنا أخبر الملك برؤيا رأيتها منذ سنة لم أذكرها لأحد من الناس.
فقال له الملك: قصها عليّ يا فيلمون، قال: رأيت كأني قاعد مع الملك على رأس المغار الذي في أشمون، وكأن الفلك قد انحط من موضعه، حتى قارب رؤوسنا وكأن علينا كالقبة المحيطة بنا، وكأن الملك رافع يديه إلى السماء، وكواكباً قد خالطتنا في صور شتى مختلفة، وكأن الناس يستغيثون بالملك وقد انجفلوا إلى قصره، وكأن الملك رافع يديه إلى أن يبلغ رأسه، وأمرني أن أفعل مثل فعله، ونحن على وجل شديد إذ رأينا منه موضعاً قد انفتح وخرج منه ضياء يضيء، ثم طلعت علينا منه الشمس فكأنا استغثنا بها فخاطبتنا بأن الفلك سيعود إلى موضعه إذا مضت له ثلاث وستون دورة.
وهبط الفلك حتى كاد يلصق بالأرض ثم عاد إلى موضعه، فانتبهت فزعاً.
فقال لهم الملك: خذوا ارتفاع الكواكب وانظروا هل من حادث، فبلغوا غايتهم في استقصاء ذلك، فأخبروه بأمر الطوفان، وبعده بالنار التي تحرق العالم.
فأمر الملك ببناء الأهرام، فلما تمت على ما دبروا حكمه، نقل إليها ما أحب من عجائبهم وأموالهم وأجساد ملوكهم، وأمر الكهان فزبروا فيها علومهم، وحكمهم وأشرف ولد حام القبط والهند هم الحكماء.

Trending Plus