«ملتقى اليوم السابع للثقافة والفنون» يحتفى بذكرى رحيل عاطف الطيب.. محمود عبدالشكور: لم يخطط لوضع بصمة لكنه ناقش قضايا المواطن.. علا الشافعى: كان يشبه شخصياته.. وأحمد شوقى: أغلب نهايات أفلامه كانت تطهيرية

ثلاثون عامًا مرت على وفاة المخرج الكبير عاطف الطيب، الذى يراه البعض رائدًا للواقعية الجديدة فى السينما المصرية، بما حملته أفلامه من أفكار اشتبكت مع الواقع السياسى والاجتماعى، وناقشت هموم الوطن، لا سيما فى فترة ما بعد الانفتاح الاقتصادى، لتتركز أفلام عاطف الطيب، على قضايا تلمس المواطن البسيط، ويشكّل مع جيله ــ محمد خان وداوود عبدالسيد وخيرى بشارة ــ تيارًا جديدًا اتسم بالواقعية فى طرح القضايا، وإن تباينت أساليبهم الفنية.
جانب من ندوة المخرج عاطف الطيب
21 فيلما سينمائيا، قدمها عاطف الطيب فى الفترة ما بين 1982 وحتى 1995، بينها 3 أفلام فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى، وهى سواق الأتوبيس والحب فوق هضبة الهرم والبرىء، وقد رحل عاطف الطيب عن عالمنا بعد ما اشتد عليه المرض، بسبب الإجهاد الشديد الذى كان يبذله فى صناعة أفلامه، وبمناسبة ذكرى الرحيل، يحتفى «ملتقى اليوم السابع للثقافة والفنون» باسم المخرج الكبير عاطف الطيب.
الناقد محمود عبد الشكور
فى البداية، قال الناقد الكبير محمود عبد الشكور: فى رأيى، عاطف الطيب اسم كبير ومهم فى السينما المصرية، وُلد عام 1947 ورحل فى 23 يونيو عام 1995، وهذان التاريخان ليسا مجرد أرقام، فهما يمثلان حياة عاش خلالها أحداثًا سياسية ووطنية مهمة: نهاية العصر الليبرالى، وفترة ما بعد ثورة يوليو، وعصر جمال عبدالناصر، ثم السادات ومبارك، هذا الجيل، الذى أطلق عليه الأستاذ سمير فريد اسم «جيل الواقعية الجديدة»، كان امتدادًا للجيل الأول من فنانى الواقعية، مثل صلاح أبو سيف، وكمال سليم، وبعض أفلام يوسف شاهين، وكمال الشيخ.
الناقدة علا الشافعي
وأعتقد أن مخرجى هذا التيار لم يكن لديهم مشروع متكامل أو خطة محددة لوضع بصمة، بل أخذوا الأمور ببساطة، كانوا خريجى معهد السينما، وقرروا أن يناقشوا قضايا المجتمع الذى يعرفونه ويقدموا أشياء تعبّر عنهم.. عاطف الطيب، مثلًا، تخرج عام 1971، والتحق بالجيش عند قيام حرب التحرير، صحيح أنه لم يكن محاربًا على الجبهة، بل فى سلاح آخر، لكن تجليات هذه الحرب ظهرت بوضوح فى أعماله، مثل سواق الأتوبيس.
الناقد أحمد شوقي
وفى عام 1975، مع سياسة الانفتاح الاقتصادى، أصبح جيل عاطف الطيب وهو نفسه جيل وحيد حامد وبشير الديك شاهدًا على هذه التحولات الكبرى، لذا ببساطة قرروا أن يقدموا ما يعرفونه، لا بدافع تغيير مسار السينما ولا من منطلقات تنظيرية، رغم أنهم مؤسسون ثقافيًا، عاطف كان يكتب فى نشرة نادى السينما، وخيرى بشارة كان يكتب نقدًا أيضًا.
الناقد أحمد شوقي يتحدث عن عاطف الطيب
وحين وجد عاطف أن هذا الجيل له كتّاب كبار مثل وحيد حامد وبشير الديك، قرر أن يعمل معهم، ولم يجد نفسه مضطرًا لأن يكتب هو شخصيًا، فالجيل كان يملك صوته بالفعل، وهكذا ببساطة، ومع تراكم التجارب، وفى سياق سياسى كانت الوطنية فيه معادلًا طبيعيًا، عبروا عن صوتهم وعن زمنهم، فخرج من كل ذلك ما نطلق عليه اليوم «جيل الواقعية الجديدة»، تمييزًا له عن واقعية صلاح أبو سيف وكمال سليم.
الزميل خالد إبراهيم
ومن جانبها، قالت الناقدة علا الشافعى، رئيس تحرير «اليوم السابع»: أسعدنى الحظ أن التقيت بالمخرج الكبير عاطف الطيب ثلاث مرات، الأولى فى بداية حياتى الصحفية، حين كنت لا أزال أدرس فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وكنت برفقة الأستاذ وحيد حامد فى عرض فيلم البرىء.
الزميلان أحمد إبراهيم الشريف ورامي سعيد
فى ذلك اليوم رأيت شخصًا فى غاية التواضع والصدق، هو المخرج المهم عاطف الطيب، بعد الندوة، رافقنا أستاذ وحيد وأستاذ عاطف، وبدأنا نطرح أسئلة قد تبدو ساذجة، لكن الحقيقة أن رحابة صدريهما كانت كبيرة، وأجابا عن كل ما طرحناه.
الزميل علي الكشوطي رئيس قسم الفن
أما المرة الثانية، فكانت أثناء تصوير فيلم إنذار بالطاعة، كنت قد كُلّفت من الأستاذ يسرى الفخرانى بإعداد موضوع صحفى يضم أسماء كبيرة مثل ليلى علوى، وعاطف الطيب، ونجيب محفوظ، وحين ذهبت إلى موقع التصوير، قلت له: «أنا بعمل تحقيق»، فقال لى بابتسامة: «أنا بصور… تعالى يا علا».
ملتقى اليوم السابع للثقافة والفنون
ورغم أننا كنا نسأل أسئلة بسيطة، غير متعمقة فى السينما، وكان من الممكن أن يعتذر لانشغاله بالتصوير، فإنه أجاب عن كل الأسئلة بكل رحابة.
أما المرة الثالثة، فقد كانت مكالمة هاتفية معه، والحقيقة أننى سأظل ممتنة أننى قابلته وهاتفته، لأنه يشبه شخصياته إلى حد كبير، صادق إلى درجة غير عادية، منذ أيام كنت أشاهد فيلم الهروب، وأبهرتنى التفاصيل فيه، وفى تقديرى، عاطف الطيب واحد من أهم الأيقونات فى تاريخ السينما المصرية، وشخص أحب مصر بصدق، وكان مهمومًا بكل تفاصيلها.
اليوم السابع يحتفي مع ضيوفه بذكرى رحيل عاطف الطيب
وقال الناقد الفنى أحمد شوقى: عندما ننظر إلى الأمر بأثر رجعى، سنجد فروقًا أسلوبية واضحة بين أفلام داوود عبد السيد، وأفلام خيرى بشارة، وأفلام عاطف الطيب، فهم ليسوا أبناء أسلوب فنى واحد أو نمط واحد، لكنهم أبناء جيل واحد، جيل ولد قبل ثورة 1952، لكنه نشأ وتعلم وتخرج وانخرط فى التجربة الناصرية، وكان مؤمنًا فعلًا بأنه يعيش فى دولة قادرة على تغيير تاريخ العالم.
هذا المدّ الكبير تحطم فى 5 يونيو 1967، وأصبح هذا الجيل مطالبًا ليس فقط بالدفاع عن الأرض والكرامة، بل بعد أن عاد من الحرب منتصرًا، وجد أمامه سياسات الانفتاح الاقتصادى، التى جعلت كل القواعد والحسابات موضع تساؤل.
ومن هذه النقطة انطلقت أفلام مثل سواق الأتوبيس، والعوامة 70، والصعاليك، حيث جمعت بينها جميعًا حيرة وجودية عميقة سببها التجربة التاريخية التى عاشها هذا الجيل.
وحول التأسيس الثقافى لجيل الواقعية الجديدة، يقول الناقد الكبير محمود عبدالشكور: كان لهذا التأسيس معايير أساسية، أولها التعليم، أظن أن عاطف الطيب وجيله لحقوا، إلى حد كبير، بمرحلة تعليم جيدة جدًا، منحتهم الأسس والحد الأدنى من المعرفة اللازمة.
أما المرحلة الثانية، فتمثلت فى ظهور أكاديمية الفنون عام 1959، وهى نقطة مهمة للغاية، وفى نهاية الستينيات، كان هناك خبراء أجانب يدرسون فنون المونتاج، إلى جانب أسماء كبيرة مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين.
وبالمناسبة، كان صلاح أبو سيف يقول دائمًا إن عاطف، خلال فترة الدراسة، لم يكن ينبئ بأنه سيصبح هذا المخرج الكبير؛ فقد كان شخصية هادئة وبسيطة وخجولة ومنعزلة، هذا هو التأسيس الثقافى: تعليم جيد، وأكاديمية متطورة، ونهضة مسرحية ودرامية، ووجود مطبوعات متخصصة، ونوادى السينما، ونشرة نادى سينما القاهرة التى كانت واحدة من أهم النشرات النقدية فى ذلك الوقت.
أما فيما يتعلق بغزارة إنتاج عاطف الطيب، فهناك شقان: شق إبداعى وشق تنفيذى، عاطف كان مشهورًا بالعمل الشاق والمستمر، ينجز الفيلم قبل موعده، وبأعلى درجة ممكنة من الكفاءة، ولا ننسى أنه عمل مساعدًا للإخراج فى أفلام أجنبية، ما أكسبه قدرة عظيمة على إنجاز العمل بسرعة، ربما جاء ذلك على حساب صحته؛ إذ كان مريضًا بالقلب، وكان يخفى الأمر، وهو ما أثّر عليه لاحقًا.
العنصر المهم أيضًا أن أفلامه كانت «تغطى مصاريفها» تجاريًا، فضلًا عن أنه كان يعمل مع النجوم، وهذه نقطة محورية، فكثير من المخرجين ذوى الأسلوب الخاص لا يفضلون التعامل مع النجوم أو يخشون ذلك، لكن عاطف كانت لديه القدرة على إقناع الأسماء الكبيرة بالعمل معه.
وعن تعامله مع النجوم، أقول إن هذا الجيل نجح فى رهان العمل مع كبار الممثلين، نبيلة عبيد مثلًا، عملت مع عاطف وظهرت معه بشكل مختلف تمامًا، وهنا أوجه رسالة للمخرجين الجدد: شطارتك أن تدخل الصناعة وتغيّرها من الداخل، صلاح أبو سيف فعل ذلك، وعاطف كذلك منذ فيلمه الأول، أذكر أن المصور سعيد شيمى قال له عن فيلمه الأول الغيرة القاتلة - المأخوذ عن قصة عطيل - إنه «قديم»، فرد عاطف: «أنا عارف، لكن أنا بقدّم نفسى للسوق السينمائى».
أما عن عادل إمام، فقد تعامل معه عاطف كمنتج، حيث كان مدير إنتاج فيلم الحريف، وأظن أن عاطف كان يتمنى التعاون معه كمخرج، وأظن أيضًا أنه لو عمل مع نادية الجندى، كنا سنرى نادية بشكل مختلف، كان ذلك جيلًا واحدًا موهوبًا ومتعاونا حتى إن قصة سواق الأتوبيس كتبها محمد خان ووصلت لعاطف الطيب ليقدمها.
وحول أسلوب عاطف الطيب الإخراجى، قال الناقد أحمد شوقى إن مخرجى جيل الواقعية الجديدة لم ينتموا إلى مدرسة واحدة، ولم يحصروا أنفسهم فى نوع محدد من الموضوعات، بل كانوا من الأجيال التى رسخت سلطة المخرج بوصفه «أب الفيلم» وصاحب قراره الأول والأخير.
وأوضح شوقى أن عاطف الطيب يعد النموذج الأمثل لهذا المفهوم؛ فهو مخرج لم يكتب أيًا من القصص التى بُنيت عليها أفلامه ومع ذلك استطاع أن يمنح كل فيلم بصمته الخاصة، وأكد أن اختلاف السمات الأسلوبية بين مخرجى هذا الجيل لا يعنى تفوق أحدهم على الآخر، فمثلًا قد يهتم مخرج بجماليات تكوين الكادر، بينما يركز آخر على السرعة والإنجاز والاهتمام بالموضوع.
وأشار شوقى إلى أن عاطف الطيب كان مخرجًا مهمومًا بالموضوعات التى يتناولها، وقريبًا من هموم الإنسان العادى، كما كان شديد الاهتمام بالتعامل مع الممثلين، وهو أمر جوهرى فى حرفة الإخراج، إذ يتمثل دور المخرج فى توجيه الممثل وإخراج أفضل ما لديه.
وأضاف شوقى أن الفنان أو النجم الذى عمل مع مخرجين متعددين يستطيع بسهولة أن يميز بين مخرج لديه ما يقوله بالفعل، وآخر يستغل اسم النجم فقط لجذب الجمهور.
ويرى «شوقى» أنه على المستوى الجمالى قد يتفوق بعض المخرجين على الطيب فى اختيار شكل اللقطة أو المشهد من حيث التكوين البصرى، لكن الطيب كان مدركًا تمامًا لما يختاره، إذ كان يتحرك بسرعة وكفاءة، وينهى تصوير أفلامه قبل المواعيد المقررة، مما أتاح له أحيانًا إنجاز فيلمين فى العام نفسه.
واختتم «شوقى» بأن فترة نشاط عاطف الطيب كانت زاخرة بالنجاح والطلب الكبير على أعماله، وبقدرته اللافتة على الإمساك بإيقاع الفيلم حتى نهايته.
وحول تأثر عاطف الطيب بأسلوب يوسف شاهين فى الإخراج، بعد أن عمل معه مساعدًا، قالت الناقدة علا الشافعى إن كثيرًا من المخرجين مروا بتجربة العمل مع شاهين كمساعدين، مثل داوود عبد السيد، وحسين كمال، ورضوان الكاشف، ويسرى نصر الله.
وتابع الناقد أحمد شوقى موضحًا طبيعة عمل مساعد المخرج، مؤكدًا أن هناك فهمًا خاطئًا شائعًا، إذ يظن البعض أن مساعد المخرج هو «مخرج تحت التمرين»، بينما الحقيقة أن هذه وظيفة تنفيذية بالأساس، تحتاج لمهارات إدارية وإنتاجية عالية، وقد يكون الشخص متفوقًا للغاية فى هذه المهمة دون أن يمتلك بالضرورة الحس الإبداعى الذى يؤهله ليصبح مخرجًا أول.
وأضاف شوقى أن تاريخ السينما المصرية، بل وحتى تاريخ الدراما المصرية، شهد وجود مساعدين مخرج متمرسين للغاية، لدرجة أنه فى بعض أفلام الثمانينيات والتسعينيات كان مساعد المخرج يتقاضى أجرًا أكبر من المخرج نفسه، وكان هذا يحدث لأن المنتج قد يغامر بمخرج جديد، لكنه يستعين بمساعد مخرج متمرس يضمن له أن يخرج الفيلم بشكل جيد، وقد يتقاضى هذا المساعد أجرًا يفوق أجر المخرج.
وأشار شوقى إلى أن عاطف الطيب كان مساعد مخرج متمرسًا، لكنه مع ذلك كوَّن أسلوبه الخاص فى الإخراج، وعلى الجانب الآخر، هناك من المخرجين من لم ينسجموا مع هذه الوظيفة، مثل داوود عبد السيد، الذى عمل مساعدًا فى فيلمين فقط، ثم قال: «دى شغلانة مملة جدًا ومالهاش أى دعوة باللى أنا عايز أعمله»، وقرر بعدها الاتجاه إلى إخراج الأفلام الوثائقية باعتبارها تدريبًا عمليًا له على إدارة فريق التمثيل، كما أن هناك آخرين عملوا كمساعدين، لكن حين حاولوا الإخراج فشلوا، فعادوا مرة أخرى إلى موقع مساعد المخرج.
وقال الناقد محمود عبدالشكور إن عاطف الطيب استفاد كثيرًا من عمله كمساعد مخرج مع كبار المخرجين، إذ أن هذه المهمة ترتبط أساسًا بضبط عملية التصوير وجدولة تنفيذ الفيلم بدقة، وهو ما جعل الطيب واحدًا من أفضل من يمكنهم إنجاز فيلم بكفاءة عالية.
وأشار عبدالشكور إلى أن داوود عبد السيد نفسه عمل مساعدًا مع يوسف شاهين فى فيلم «الأرض»، وكان يصف نفسه حينها بـ«مخرج الإكسسوار»، إلا أن رأيه الشخصى هو أن داوود استفاد كثيرًا من هذه التجربة، لأن يوسف شاهين كان يتمتع بحرفية استثنائية.
وحول تعامل عاطف الطيب مع النجوم الكبار واختلافه معهم، أوضح عبدالشكور أن نور الشريف وأحمد زكى ينتميان إلى نفس الجيل، وأن هناك ما يسميه «الصدفة القدرية التاريخية» التى تجمع المواهب الكبرى فى زمن واحد، وضرب مثالًا بعبدالحليم حافظ الذى عمل مع أسماء ونجوم كبار، مؤكدًا أنه إذا حذفنا هذه الأسماء من تاريخه الفنى فسيتغير الوضع تمامًا.
ورأى عبدالشكور أن توافق وجود هذه المواهب والإيمان المشترك بينها كان أحد أسباب نجاح عاطف الطيب، إذ أن عمله مع ممثلين من جيله لم يكن يخلق أى شعور بالاغتراب، ولم يكن يحتاج لأن يشرح كثيرًا لأى ممثل ليفهم الدور.
وعلقت الناقدة علا الشافعى، إن من أبرز مميزات عاطف الطيب فى إدارة الممثلين أنه كان يتعامل معهم بهدوء شديد، بعيدًا عن الصوت العالى فى موقع التصوير، فإذا أراد شرح شىء ما لممثل، كان يقترب منه ويهمس فى أذنه بصوت منخفض، فيخلق جوًا من الثقة والاحترام.
وأشارت علا إلى أن هذه القدرة على إدارة الممثلين كانت من أهم ملكاته، إذ كان يترك للممثل مساحة للإبداع وإضافة تفاصيله الخاصة للشخصية، وروى أحمد زكى أنه أثناء تصوير مشهد النهاية فى فيلم «البرىء» أضاف بعض التفاصيل الصغيرة على الشخصية، وكان الطيب مرحبًا بذلك.
أما عن نهايات أفلام عاطف الطيب، فقال المخرج والناقد محمود عبد الشكور إنها لم تكن نهايات عبثية أو عدمية، بل كانت تحمل ما يصفه بـ«ثنائية الضغط والانفجار»، وهى سمة عامة لجيل الواقعية الجديدة، وليست خاصة بالطيب وحده.
وأوضح عبدالشكور أن سينما الطيب هى سينما الصدمة والدراما القوية، بعيدة تمامًا عن الميلودراما التقليدية، فمثلًا، فيلم «سواق الأتوبيس» قد يبدو فى بنيته ميلودراميًا، لكنه مع الطيب تحول إلى عمل أقرب للتراجيديا، حيث يصبح المشاهد مشغولًا طوال الوقت بمصير الشخصيات، مثل «حسن» وأسرته وورشته.
وكشف عبد الشكور أن نهاية سيناريو «سواق الأتوبيس» الأصلية كانت أن يتم إنقاذ الورشة من البيع، لكن الابنة الصغرى تتزوج من تاجر مخدرات فى رسالة تحذيرية، غير أنه أثناء التصوير، قال سعيد شيمى: «الأب ده لازم يموت.. هى الدراما كده»، لتصبح النهاية أكثر صدمة، ثم جاءت المونتيرة نادية شكرى بفكرة أن يُختتم الفيلم بمشهد فى منتصفه، وهو ضرب السارق فى الأتوبيس، فوافق الطيب، وهكذا تبلورت النهاية كما شاهدها الجمهور.
وقال الناقد أحمد شوقى إن الفارق الجوهرى بين التراجيديا والميلودراما يكمن فى مفهوم القدرية أو العدمية، ففى الميلودراما، يكون الأبطال مدفوعين إلى مصيرهم نتيجة قوى خارجة عن إرادتهم، وكأنها قدر محتوم، أما فى الدراما الواقعية، فالنهاية الحزينة ليست نتاج قوة غيبية، بل نتيجة مشكلات واضحة فى بنية المجتمع، وظروف واختيارات تراكمت عبر الزمن من الأفراد والمجتمع معًا.
وأوضح شوقى أن أغلب نهايات أفلام عاطف الطيب تكون نهايات تطهيرية، كما فى أفلام سواق الأتوبيس، وكتيبة الإعدام، وملف فى الآداب، والهروب.
أما عن علاقة الطيب بالمؤلفين، فقد أكدت الناقدة علا الشافعى أنه لا يمكن الحديث عن تجربته دون التوقف عند تعاونه الوثيق مع بشير الديك، إذ كان بينهما خيط رفيع وتناغم استثنائى، ما منح أفلامهما قوة وعمقًا خاصين.
وأضاف الناقد محمود عبدالشكور أن شخصية عاطف الطيب تميزت بلفتات إنسانية صادقة، مستشهدًا بما رواه مدير التصوير سعيد شيمى فى أحد كتبه: عندما اشترى الطيب أول سيارة له، قال للشيمى: «أنا مكسوف إنّى راكب عربية والناس راكبة أتوبيس».
وأكد عبدالشكور أن مشروع الطيب الفنى اكتمل لأنه صنع ما يحب وما يجيد، دون ادعاء، ومع ذلك أشار إلى أن هناك مخرجين معاصرين ومبدعين قدّموا بدورهم الواقعية بتميز، مثل هالة خليل وكاملة أبو ذكرى.
وقال عبدالشكور إن عاطف الطيب كان من أكثر مخرجى جيله ارتباطًا بالسوق وفهمًا له، ورجّح أنه لو قدرت له الحياة إلى اليوم لكان من أكثر المخرجين قدرة على التكيف مع المتغيرات، وربما لجأ إلى صناعة الأفلام الديجيتال لتجاوز التحديات الإنتاجية، وأكد أن الطيب، رغم عدم امتلاكه لموهبة التمثيل، وجد معادلًا تمثيليًا له فى أحمد زكى، الذى كان بمثابة بطله الفنى الدائم.
أما عن الأدوار النسائية فى أفلامه، فقد أوضح الناقد أحمد شوقى أن الطيب، بخلاف مخرجين مثل محمد خان الذين امتلكوا حساسية خاصة تجاه قضايا المرأة، كان مهمومًا أساسًا بهموم المواطن المصرى عمومًا، وفى بعض الأحيان، كانت هذه الهموم تتجسد فى صورة امرأة، كما فى ثلاثة أفلام بطولية نسائية: التخشيبة، ملف فى الآداب، وكشف المستور.
فى هذه الأعمال، كانت المرأة تجسيدًا لمواطن تعرض لانتقاص حقوقه فى ظروف خاصة، إما باتهامها بالدعارة، أو كونها راقصة، أو توظيفها فى مؤامرات مرتبطة بالإغراء، ما جعل وجود البطلة الأنثى ضرورة درامية وليست مجرد اختيار فنى.
وأشارت الناقدة علا الشافعى إلى أن هناك مخرجين اهتموا أكثر بقضايا المرأة وجعلوها محور أعمالهم، مثل محمد خان وداوود عبد السيد وسعيد مرزوق، لكن عاطف الطيب ظلّ معنيًا بالهم الإنسانى العام، ورغم ذلك كان يجيد التعامل بحساسية مع تفاصيل الشخصيات النسائية التى يقدمها.

Trending Plus