"الأرض مقابل السلام" شعار ترامب لوقف الحرب فى أوكرانيا.. زيلينسكى يعود للبيت الأبيض بمساندة أوروبية ورفض للتخلى عن دونباس.. الضمانات الأمنية ورقة أمريكية لطمأنة كييف.. وقادة أوروبا يسعون لتعزيز أمن القارة

"الأرض مقابل السلام".. تلك العبارة الشهيرة التى ترددت على أسماعنا كثيراً كأحد الحلول المطروحة لحل قضية فلسطين التاريخية، والتى قضت بتخلى الفلسطينيين عن أرضهم التى احتلت إسرائيل منذ حرب 1967.
الآن، أصبح هذا المفهوم نفسه مطروحاً، لكن حل لحرب أخرى تدور رحاها منذ أكثر من ثلاث سنوات بين روسيا وأوكرانيا. يستند هذا الاقتراح إلى تخلى كييف عن معظم الأرض التى سيطرت عليها روسيا شرق البلاد، مقابل إحلال السلام ووقف الحرب، وهو ما يرفضه الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى وحلفاؤه الأوروبيون، وبدأ يدعمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعد لقائه مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى قمة ألاسكا يوم الجمعة.
ومع انعقاد لقاء جديد فى البيت الأبيض بين ترامب وزيلنسكى، مساء اليوم الاثنين، هذه المرة بمشاركة قادة أوروبيين، من المتوقع أن يدور الحديث عن الأرض مقابل السلام، وتقديم التنازلات فى سبيل وقف الحرب، وهو أمر يسعى إليه ترامب بشدة ليكمل به سلسلة الحروب التى يتفاخر بأنها كان سبباً فى وقفها منذ عودته إلى الحكم فى يناير الماضى.
وفى منشور له على منصة تروث سوشيال مساء الاثنين، كتب يقول: "إنه يوم كبير فى البيت الأبيض.. لم يسبق أن اجتمع هذا العدد الكبير من القادة الأوروبيين هنا فى وقت واحد. إنه لشرف عظيم لأمريكا! لنرَ ما ستكون عليه النتائج؟"
يذهب زيلينسكى إلى لقاء ترامب فى ظل ضغوط غير مسبوقة، فقد عاود الرئيس الأمريكى قلب مواقفه، وبعد فترة من الانتقادات لروسيا، استقبل رئيسها فى الولايات المتحدة، بل وتخلى عن مطالب وقف إطلاق النار، ثم تبنى وجهة النظر الروسية بشأن كيفية إنهاء الحرب. لكنه لن يكون وحيداً هذه المرة فى مواجهة أى عاصفة محتملة من ترامب، بل سيكون معه عددا من قادة أوروبا، فى مقدمتهم رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فوندرلاين ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلونى والرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر، وورئيس فنلندا، الكسندر ستوب، وإضافة إلى مارك روتة الأمين العام لحلف الناتو.
ترى وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية أن الرهانات عالية فى لقاء ترامب بزيلينسكى وقادة أوروبا، فقد تخلى ترامب عن مطلب التوصل إلى وقف إطلاق النار من أجل عقد مزيد من المحادثات، وتحالف مع موقف بوتين بأن المفاوضات يجب أن تركز على تسوية طويلة المدى بدلا من ذلك.
كما أن وجود العديد من القادة الأوروبيين فى المحادثات فى واشنطن يظهر مدى أهمية الصراع وأى تسوية بالنسبة لأمن القارة.
المحادثات قد تصبح لحظة محورية فى الحرب
بعد لقائه بوتين فى ألاسكا، يسعى ترامب بقوة من أجل تحقيق إنجاز. لكن هناك الكثير من القضايا التى تحتاج إلى حل، ووضع كلا الجانبين من قبل خطوط حمراء وغير متوافقة، بما فى ذلك الأسئلة المتعلقة بما إذا كانت أوكرانيا ستتخلى عن أى أرض لروسيا، ومستقبل جيش أوكرانيا وما إذا كانت كييف ستحصل على أى ضمانات ضد أى "عدوان" أخر.
فى منشور كتبه ترامب على السوشيال ميديا مساء الأحد، بدا وكأنه ينقل عبء إنهاء الحرب إلى زيلينسكى. حيث قال: زيلينسكى رئيس أوكرانيا يمكنه أن ينهى الحرب مع روسيا على الفور تقريبا، لو أراد ذلك، أو يمكنه مواصلة القتال". لكن يمكن أن يكون الطريق طويلاً أمام أى اتفاق سلام شامل.
روسيا تريد دونباس
كشرط للسلام، يريد الرئيس الروسى أن تتخلى كييف عن منطقة دونباس الشرقية التى شهدت أعنف القتال وتسيطر القوات الروسية على أجزاء فيها وليس كلها. وفى منشوره مساء الأحد، قال ترامب أن زيلينسكى ينبغى أن يقبل أيضا بضم القرم.
وكجزء من أى اتفاق، قال بوتين أن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين يمكن أن يقدموا لأوكرانيا ضمانات أمنية أشبه بتعهد الدفاع المشترك لدول الناتو، بحسب ما ذكر أحد كبار المسئولين الأمريكيين.
ووصف مبعوث ترامب هذا الأمر بأنه تغيير لقواعد العبة، وإن لم يقدم مزيد من التفاصيل بشأن كيفية نجاح هذا الأمر. وطالما سعت أوكرانيا لمثل هذا الضمان الذى سيمنع روسيا من حربها مرة أخرى.
أوكرانيا لن تسلم الأرض
يرفض زيلينسكى طلب بوتين بان تتخلى أوكرانيا عن منطقة دونباس، حيث يحظر دستور البلاد التخلى عن الأرض أو مبادلتها. وهه ما يعنى انه لا يستطيع أن يتخلى عن القرم أيضا.
فى المقابل، فإن تجميد القتل على الخطوط الأمامية التى تمتد لقرابة ألف كيلومتر من شمال شرق على جنوب شرق أوكرانيا، أمر يبدو أن أغلب الأوكرانيين قد يقبلونه.
أمن أوروبا على المحك فى المحادثات
يرى قادة القارة معركة أوكرانيا كحصن ضد أى طموحات روسية تهدد الدول الأخرى فى شرق أوروبا وغيرها. ووصف الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون أوكرانيا بانها "نقطة انطلاق لدفاعنا الجماعى إذا ما أرادت روسيا التقدم مجددًا".
وقال ماكرون يوم الأحد: "إذا كنا ضعفاء أمام روسيا اليوم، فسنُعدّ لصراعات الغد، وستؤثر هذه الصراعات على الأوكرانيين، ولا شك أنها قد تؤثر علينا أيضًا".
من ناحية أخرى، ووفقاً لأغلب الشهادات، يريد المسئولون الأوروبيون ضمانات ألا يكون ترامب قريبا ًللغاية للجانب الروسى، وألا يحاول ثنى ذراع زيلينسكى للموافقة على اتفاق من شأنه أن يزرع فى النهاية بذور حل أوكرانيا. ويريدون حماية من خطر أن تقوض الولايات المتحدة، التى تعد محور الأمن الأوروبى منذ تأسيس حلف الناتو فى عام 1949، هذه المصلحة.
وفى اتصال مع زيلينسكى يوم السبت، عرض ترامب ضمانات أمنية أمريكية لأوكرانيا بعد الحرب، فيما شكّل تحولاً عن موقفه بضرورة أن تتحمل أوروبا مسئولية حماية البلاد، وإن كانت التفاصيل المتعلقة بهذا العرض لم تضح بعد.
وفى مؤتمر صحفى فى بروكسل يوم الأحد، شددت أورسولا فوندرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على أهمية الضمانات الأمنية لأوكرانيا واحترام أراضيها. إلا أنها قالت أيضا إنه من الضرورى وقف القتل وحثت على إجراء محادثات بين رئسيى أوكرانيا وروسيا فى أقرب وقت ممكن.
ونقلت نيويورك تايمز عن دبلوماسى أوروبى، رفض الكشف عن هويته خوفاً من إغضاب ترامب، حديثه عن حالة من الذعر بين الحلفاء الأوروبيين. وأشار الدبلوماسى إلى أنه لم يشهد التحضير لاجتماع، مثل اللقاء المقرر اليوم الاثنين، سريا منذ ما قبل حرب العراق.
ويوضح الدبلوماسى أن مبعث القلق الأساسى هو تجنب مشهد آخر مثل هذا الذى حدث فى البيت الأبيض فى فبراير الماضى، عندما وقعت مشاداة بين ترامب وزيلينسكى أمام كاميرات التلفزيون.
وتقول نيويورك تايمز إنه مهما كان دافع قادة أوروبا لتغيير جدول أعمالهم فجأة والقدوم على واشنطن، فلاشك فى أن عناصر المفاوضات ستختبر تماسك الناتو، مشيرة إلى أن هدف الروس الأكبر كان دائما تقسيم هذا الحلف وفصل أوروبا عن أمريكا.

Trending Plus