شكسبير أشهر سيناريست في تاريخ الفنون.. ما يقوله كتاب من الرواية إلى الشاشة

في كتابه "من الرواية إلى الشاشة: تاريخ للأدب تحت سطوة الفن السابع ورعايته" للناقد الكبير إبراهيم العريس، والذي يقدم فيه دراسة شاملة لعلاقة الأدب بالسينما منذ البدايات؛ ويقسّم المادة إلى ثلاثة أقسام: تمهيد تاريخي موجز، ثمّ قسم رئيسي يحلّل نحو 50 فيلمًا مقتبسًا من أعمال أدبية بمقارنة الفيلم بالنص الأصلي، ثم خاتمة عن أدباء (بينهم حائزون نوبل) وعلاقتهم بالسينما.
يقول الكتاب في المقدمة:
شكسبير: "السيناريست" الأبرز في تاريخ الفنون
لم يكن أورسون ويلز مخطئاً حين قال مرة إنه يعتبر ويليام شكسبير أعظم كاتب سيناريو" في التاريخ مردفاً ما معناه، أن المرء بالنسبة إلى صاحب "هاملت" و "عطيل"، ليس في حاجة إلى أي نقل تقني للنص، حتى يصبح صالحاً لأن يصوّر سينمائياً ... كل ما يحتاجه المرء هو أن يضع الكاميرا أمام الممثلين ويصوّر. طبعاً يبدو هذا الكلام من قبيل المغالاة، ولا سيما من مخرج اقتبس واحداً من أقوى وأجمل أفلامه، من أربع مسرحيات جمعها معاً لشكسبير وهو فيلم "فالستاف"، لكننا في الحقيقة إن دققنا في هذا الكلام، سنجد أن ويلز لم يبتعد عن الحقيقة كثيراً، ولعل الدليل الأوفى على هذا، هو الميل الدائم لدى السينمائيين إلى اقتباس أعمال شاعر الانكليز وكاتبهم الأعظم. فشكسبير لم يكتف بأن تنقل كل أعماله إلى الشاشة، بل تجاوز هذا كثيراً، إذ إن أعماله الرئيسة، ومعظم أعماله الثانوية أيضاً، نقلت عشرات المرات لكل منها وعشرات المرات هذه لا تشمل سوى الجزء البارز من جبل الجليد حيث أن ثمة مقابل كل فيلم يحقق أو نص يقتبس أعمالاً كثيرة لا تعلن عن نفسها أو عن انتسابها إلى أعمال شكسبير، بحيث يبدو من المستحيل وضع لائحة نهائية بما تدين به السينما - كل السينما لشكسبير، في كل مكان وزمان.
غلاف كتاب من الرواية إلى الشاشة
وإذا كانت المراجع الأكثر موثوقية تتحدث عن نحو 500 اقتباس رسمي ومعلن الأعمال شكسبيرية على الشاشة الكبيرة، فإن في أمكاننا أن نفترض أن العدد الحقيقي قد يصل إلى ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف عمل معلن أو غير معلن، بحيث يندر أن يوجد بلد لم ينتج السينمائيون من أبنائه أفلاماً تمت بصلة ما إلى شكسبير. ولئن كان - بالتالي - من المستحيل وضع لائحة عالمية نهائية بالسينما الشكسبيرية، يمكن الاتكال على اللوائحالأكثر رسمية، أي التي تتحدث عن اقتباسات شكسبيرية صريحة ومعلنة في السينما، وبدءاً من الأعوام الأولى لولادة السينما، حيث تفيدنا المصادر المتنوعة أن أول دنو سينمائي من شكسبير كان في عام 1897، حين صورت الكاميرات البدائية، والتي كان نتاجها لا يزال - طبعاً - صامتاً، أربعة مشاهد من مسرحية "الملك" جان كنوع من الدعاية للمسرحية التي كانت تقدم على مسرح صاحبة الجلالة بدءاً من أيلول (سبتمبر) من ذلك العام. وبعد ذلك كرت السبحة، من دون توقف بدءاً مع سارة برنارد التي تنكرت في زي هاملت" في شريط حقق عام 1900، ثم غريفيث الذي حقق ترويض النمرة صامتاً عام 1908 ، بعد سلسلة أعمال ايطالية وانكليزية في هذا المجال، وصولاً إلى أيامنا هذه حيث بالكاد يمضي موسم من دون أعمال شكسبيرية صريحة أو خفية. أما أفضل الاقتباسات الشكسبيرية حتى اليوم فقد وضعت فيها لوائح عدة يكاد يستشف منها نوع من الاجماع على أنها تلك التي حملت تواقيع أساطين الفن السينمائي من بيتر بروك مأساة هاملت" -2010 - و"الملك لير - 1969 -) إلى أورسون ويلز الذي على رغم كل الضجيج الشكسبيري الذي يحيط به، لم يحقق سوى اقتباسين من شكسبير اضافة إلى توليفة فالستاف"، وهما الفيلم المغربي عطيل" والرائعة "الاسبانية" "ماكبث)، مروراً بلورانس أوليفييه (3) أفلام) وأكيرا كوروساوا ران - ۱۹۸۵ وقصر العنكبوت 1965، عن لير" و"ماكبث على التوالي)، وبخاصة أحدثهم الانكليزي الشكسبيري العريق كينيث برانا (ما لا يقل عن أربعة أعمال شكسبيرية مميزة وبيتر غريناواي كتاب بروسبيرو
عن "العاصفة" 1991 - ورومان بولانسكي وجوزيف ما نكفتش والايطالي فرانكو زيفر يللي الذي تبقى دائماً اقتباساته الشكسبيرية الأكثر شعبية ولا سيما منها روميو وجولييت" وترويض النمرة....
بعد هذا، يبقى سؤال: أي من مسرحيات شكسبير حظيت دائماً بالاهتمام الأكبر من السينمائيين من ناحية الاقبال على أفلمتها؟ الجواب بديهي روميو وجوليت التي اقتبست على الأقل ومنذ جورج ميلياس (1902) إلى الاسترالي باز ليرمان في روميو جوليت" - 1996)، ما لا يقل عن 150 مرة، عدا مئات المرات غير المعلنة تليها "هاملت" في نحو 120 اقتباساً مباشراً ومعلناً، في أكثر من ثلاثين بلداً، وتأتي بعد هذا "لوتيلو" المعروفة عربياً بـ "عطيل" في أكثر من 40 اقتباساً، ثم ماكبث في ٤٠ اقتباساً أيضاً، فـ انطوان وكليوباترا" و"الملك لير" و"يوليوس قيصر" و"تاجر البندقية في ما ما يتراوح بين 10 و 15 اقتباساً لكل منهما، بعد ترويض النمرة التي اقتبست، وغالباً معصرنة، أكثر من 20 مرة.
أما مسرحيات شكسبير حول فصول التاريخ البريطاني، فإنها، إذا كانت قد اقتبست مرات عدة لكل منها في انكلترا، لا يمكن توقع أن تكون قد حازت على عولمة حقيقية وهذا بديهي... على عكس حال الكوميديات التي إذ اقتبست انكليزياً وعالمياً، كان من حظها في معظم الاحيان أن تؤخذ بعيداً من سياقها التاريخي الانكليزي لتحمل أفكاراً وأزياء غريبة عليها.
وإذا كان ثمة شيء يمكن أن نقوله في النهاية، فهو أن شكسبير الراحل قرونا قبل اختراع الفن السابع، يبدو من خلال هذا السرد كله، وكأن فن السينما قد اخترع من أجله ... وليس فقط بفضل ما وصفه أورسون ويلز به، ولا بفضل مئات الاقتباسات من أعماله، بل لأننا إذا بحثنا عن اسمه أو الصفة المرتبطة بهذا الاسم شكسبير والشكسبيرية، لن تعدم أن نراهما ينطبقان، جوهرياً على القسم الأعظم من الأفلام الجادة في تاريخ الفن السابع سواء أحملت أفكار شكسبير وموضوعاته أم لم تحملها.

Trending Plus