من عسكرى الدرك إلى كاميرات الفيديو.. ضبط الشارع واستعادة الأمن في زمن التطور.. خبراء لـ"اليوم السابع": الداخلية طورت أجهزتها ومعداتها في الجمهورية الجديدة.. الكاميرات ترصد كل شيئ.. وفيديوهات المواطنين أداة ردع

مع تعدد صور الجريمة وطرق ارتكابها، بدأت وزارة الداخلية رحلة طويلة وشاقة نحو تطوير الأداء الأمني، تركزت في بدايتها على دور عسكري الدرك، ذلك الجنود الذين اعتُبروا على مدار سنوات طويلة صمام الأمان في مواجهة كل أشكال الفوضى.
كان عسكري الدرك – في زمن سابق – يمثل العمود الفقري في فرض القانون والسيطرة على الشوارع، إذ كانوا موجودين في الميادين والحارات، يبذلون جهودًا كبيرة بالرغم من نقص المعدات والوسائل التقنية، إذ كانت الأدوات الأمنية وقتها تعتمد أساسًا على العنصر البشري والتواجد الميداني المكثف، ورغم هذه الصعوبات، حقق عسكري الدرك نجاحات ملموسة في تأمين الشوارع والحد من انتشار الظواهر الإجرامية، وكانوا الخط الأول في حماية المواطنين من مختلف الأخطار.
لكن مع بداية الألفية الجديدة، شهدت مصر تغيرات جذرية في طبيعة الجريمة وأساليبها، الأمر الذي استدعى من وزارة الداخلية تطوير آليات عملها، لمواكبة التطورات التي شملت التكنولوجيا الرقمية.
وهنا بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الأمن ، اعتمدت على دمج الكفاءة البشرية مع التقنية الحديثة، حيث تم نشر آلاف الكاميرات في الشوارع والميادين الرئيسة، لتعمل كأجهزة مراقبة على مدار الساعة.
هذا الانتشار الواسع لكاميرات المراقبة رافقه تطور في نظم الفيديو الرقمية، والتي وفرت دقة أعلى في تسجيل المشاهد، إلى جانب القدرة على تخزين وتحليل الفيديوهات بسرعة وفعالية.
ولاقت هذه الخطوة ترحيبًا كبيرًا من المواطنين الذين بدأوا يشعرون بتحسن ملموس في مستوى الأمن بالشارع، نتيجة لزيادة الرقابة وتقليل الفوضى.
لم تقتصر هذه الكاميرات على مواقع ثابتة فحسب، بل توسع الأمر ليشمل كاميرات مراقبة داخل سيارات الشرطة، وأجهزة تصوير متحركة بيد رجال الأمن، ما عزز من سرعة التفاعل مع أي حادث أو مخالفة.
وفي نفس الوقت، برز دور المواطن في المساعدة الأمنية من خلال الهواتف الذكية، التي أصبحت أداة رقابة شعبية تلتقط كل الأحداث الأمنية أحيانًا.
الفيديوهات التي يلتقطها المواطنون أصبحت سلاحًا جديدًا ضد الجريمة، فحينما يتم تداول أي مقطع يظهر تجاوزًا أو جريمة، تستجيب أجهزة الأمن سريعًا، وتتحرك في دقائق معدودة لملاحقة وضبط المتهمين.
هذا التفاعل السريع ساهم في تقليص الوقت الذي كانت تستغرقه التحقيقات والقبض على الجناة، فضلاً عن توثيق الوقائع بطريقة واضحة ومباشرة، مما يقلل من الاجتهادات أو الاتهامات غير الدقيقة.
في هذا الإطار، أكد اللواء الدكتور علاء الدين المجيد، الخبير الأمني، في تصريحات خاصة لجريدة "اليوم السابع" أن التطور الأمني في الشارع كان مذهلاً، إذ انتقل الأداء من الاعتماد الكلي على عسكري الدرك والانتشار البشري إلى استغلال التكنولوجيا الحديثة بشكل استراتيجي.
وأشار إلى أن هذا التحول كان ضرورة ملحة في ظل تعقيد الجرائم وتعدد الوسائل الحديثة التي يستخدمها المجرمون، مما دفع وزارة الداخلية إلى التحديث المستمر لأجهزتها وأنظمتها الأمنية بما يتلاءم مع متطلبات الجمهورية الجديدة.
من جهته، أضاف اللواء رأفت الشرقاوي، خبير الأمن، أن الفيديوهات لم تعد مجرد تسجيلات عادية، بل أصبحت أداة ردع أساسية، حيث أصبح الجاني مدركًا تمامًا أن أفعاله قد تُوثق في أي لحظة وتكون دليلاً لا يمكن إنكاره.
وأكد أن هذا الأمر قلل من معدلات الجريمة بشكل كبير، وأعاد للشارع هيبته، وجعل المواطن يعيش في أمان أكبر مما كان عليه قبل سنوات.
وأثرت هذه التحولات الأمنية بشكل إيجابي على شعور المواطنين بالأمان، فباتت الشوارع أكثر هدوءًا وانضباطًا، وبدأت ظواهر العنف والسرقة والتعدي تتراجع تدريجيًا.
وظهرت أجواء جديدة من الثقة بين المواطن ورجل الأمن، حيث يرى الجميع أن هناك شريكًا فعالًا في حماية المجتمع، من خلال التعاون في نقل الفيديوهات والمعلومات، مما ساعد على بناء حالة من التضامن الأمني.
هذا التطور الأمني لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة تخطيط استراتيجي وعمل دؤوب داخل أجهزة وزارة الداخلية، التي تسعى دائمًا لتطوير أدواتها وأجهزتها، ورفع مستوى التدريب والتأهيل لعناصرها الأمنية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع التكنولوجيا الحديثة، ما يضع مصر في مصاف الدول المتقدمة في مجال الأمن الرقمي.
في خضم هذه التحولات، لم تغفل الوزارة أهمية التعامل مع حقوق الإنسان وحقوق المواطنين في الحفاظ على الخصوصية، حيث تلتزم الداخلية بضوابط قانونية واضحة لضمان استخدام الكاميرات والفيديوهات بشكل قانوني ومسؤول، بما يحفظ التوازن بين الأمن وحقوق الأفراد.
تبقى رحلة ضبط الشارع مثالاً حيًا على قدرة الدولة في مواجهة التحديات، حيث انتقلت من الاعتماد على القوة البشرية التقليدية إلى نظام أمني متكامل يجمع بين التكنولوجيا والوعي المجتمعي.
رحلة طويلة ومليئة بالتحديات، لكنها في النهاية تحقق هدفًا واحدًا: توفير بيئة آمنة للمواطن المصري تمكنه من العيش بطمأنينة وكرامة.

Trending Plus