مها عبد القادر تكتب: وهم إسرائيل الكبرى بين الغطرسة الاستعمارية وحتمية الأفول التاريخي.. الاحتلال يتخفى خلف شعارات مضللة منها الأمن القومي ومعادة السامية

مها عبد القادر
مها عبد القادر

يكشف الاحتلال الإسرائيلي يومًا بعد يوم عن وجهه الحقيقي القبيح، عبر تصريحات مسؤوليه التي تتفجر غرورًا سياسيًا وعنصرية ممنهجة، وآخرها ما جاء على لسان رئيس حكومته وبعض وزرائه ورموزه بشأن ما يطلقون عليه بـإسرائيل الكبرى، هذه التصريحات هي إعلان صريح عن مشروع استعماري توسعي قديم متجدد، يقوم على إعادة رسم خرائط المنطقة بالدم والسلاح فوق أنقاض فلسطين، والاستيلاء على ما تبقى من أراضيها والسطو على ثروات شعوبها وجيرانها، بمخططات عملية تمثل تحديًا سافرًا لإرادة الشعوب، وازدراءً فاضحًا للقوانين الدولية، واستهانةً بقرارات الشرعية الأممية، وانتهاكًا صارخًا لكل القيم الإنسانية، وما يزيد خطورة هذا الخطاب الاستعلائي أنه يأتي متزامنًا مع ممارسات ميدانية على الأرض من تهجير قسري، واستيطان متسارع، وحصار ممنهج، وعدوان عسكري متكرر، في محاولة لتكريس واقع استعماري لا شرعي بالقوة.


إن ما يسمى بـإسرائيل الكبرى ليس سوى تعبير عن عقلية استعمارية متجذرة، تتغذى على نزعة الهيمنة والسطو، وتكشف بوضوح أن هذا الكيان لا يسعى إلى سلام عادل ولا إلى استقرار حقيقي، ولكن يسعي لفرض معادلة استعمارية جديدة على حساب حق الفلسطينيين في أرضهم ووجودهم، وعلى حساب استقرار المنطقة بأسرها، وهذا يضع المجتمع الدولي أمام اختبار تاريخي، إما أن يظل أسيرًا لسياسة ازدواجية المعايير، أو أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية في ردع هذا المشروع العدواني، وإعادة الاعتبار لحقوق الشعوب المغتصبة.
إن فكرة إسرائيل الكبرى هي أحد أعمدة الفكر الصهيوني منذ نشأته، وقد دعمتها نصوص أيديولوجية محرفة، وأطماع سياسية لا حدود لها، فصاغها منظرو الصهيونية الأوائل كمشروع توسعي يمتد من النيل إلى الفرات، مرتكزين على أدوات عنيفة تتراوح بين التهجير القسري، وطمس الهوية الوطنية للشعوب، وتزييف الوعي الجمعي، وتغيير معالم الأرض والتاريخ، وما نسمعه اليوم من تصريحات مسؤولي الاحتلال تذكيرًا صريحًا ووقحًا بهذه العقيدة الاستعمارية الموروثة، ورسالة استفزازية مقصودة لكل شعوب المنطقة، تسعى لإعادة إنتاج خطاب التفوق والهيمنة؛ لكنها في الوقت ذاته تكشف عن مأزق استراتيجي يعيشه الاحتلال، فبينما تتسع دائرة الإدانات الدولية لجرائمه في غزة، وتتزايد الضغوط القانونية والدبلوماسية عليه، ويرفع الغطاء الأخلاقي عن ممارساته الوحشية، يلجأ قادته إلى تصدير أوهام التوسع في محاولة بائسة لصرف الأنظار عن مشاهد الإبادة الجماعية والحصار الخانق وعمليات التهجير القسري وترويع المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ.


ويحاول الاحتلال أن يتخفى خلف شعارات مضللة من قبيل الأمن القومي والدفاع عن النفس، ومعادة السامية، بينما هو في الحقيقة يمارس سياسة عدوانية ممنهجة، غايتها تصفية القضية الفلسطينية من جذورها، وطمس هوية شعب بأكمله، وفرض واقع استعماري بالقوة، غير أن هذه الشعارات الزائفة لا تعدو كونها ستارًا واهيًا سرعان ما ينكشف أمام العالم، لأنها تصطدم بجدار الحقيقة التاريخية والشرعية والقانونية.
وهذا الخطاب التوسعي لا يعكس قوة بقدر ما يكشف عن أزمة وجودية يعيشها الاحتلال، إذ يدرك أن مشروعه الاستعماري يقوض من الداخل بفعل صمود الشعب الفلسطيني، وينكشف خارجيًا أمام الرأي العام العالمي، الذي بات يشاهد صور المجازر اليومية ويستمع لشهادات الضحايا، وهكذا يصبح الحديث عن إسرائيل الكبرى محاولة للهروب إلى الأمام، ورسالة موجهة لأنصاره المتطرفين أكثر من كونها مشروعًا قابلًا للتحقق، خاصة في ظل بيئة إقليمية ودولية لم تعد تسمح بتمرير المشاريع الاستعمارية بنفس أدوات القرن الماضي.


إن أوهام القوة والسيطرة لن تغير من الحقائق الراسخة التاريخية والجغرافية شيئًا؛ فلسطين ستبقى أرضًا عربية إسلامية، وجوهرًا من هوية هذه الأمة، ووجدانًا جمعيًا لا يمكن محوه، والحقوق تزداد رسوخًا مع كل جيل يحمل الراية ويورثها لمن بعده ولا تسقط بالتقادم، وما بني على باطل سيظل باطلًا مهما حاولت القوة أن تكسوه بأقنعة الشرعية الزائفة، فمصير هذا الاحتلال إلى الزوال مهما طال الزمن، لأن إرادة الشعوب أقوى من جبروت الاحتلال، ولأن سنن التاريخ تقضي بأن الاستعمار مهما تجبر، لا يمكن أن يقهر الحق ولا أن يلغي عدالة القضايا الإنسانية العادلة.


وتتضح الأهداف الاستراتيجية الكامنة وراء خطاب ما يسمى بـإسرائيل الكبرى في محاولات الهيمنة الجيوسياسية على المنطقة، إذ يسعى الاحتلال إلى إحكام قبضته على الممرات المائية الحيوية مثل قناة السويس والبحر الأحمر، لما تمثله من شرايين للتجارة الدولية وأوردة للاقتصاد العالمي، كما يطمح إلى التحكم في الثروات الطبيعية، وعلى رأسها الغاز والنفط في شرق المتوسط، إضافة إلى السيطرة على الموارد المائية الجوفية في الضفة الغربية والجولان المحتل، إدراكًا منه أن من يمتلك الماء والطاقة يمتلك مفاتيح التأثير والنفوذ في المنطقة.


وفي موازاة ذلك يعمل الاحتلال على فرض واقع ديمغرافي جديد عبر سياسات الاستيطان المكثف والتهجير القسري، بما يضمن تكريس أغلبية يهودية مصطنعة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية والعربية، في محاولة لتغيير الجغرافيا والديمغرافيا معًا لصالح مشروعه الاستعماري، إن هذا السلوك يكشف عن عقيدة توسعية تسعى لإعادة رسم موازين القوة الإقليمية والتحكم في مفاصل الأمن القومي العربي والإفريقي معًا، بما يخدم مصالح قوى الاحتلال ويقوض حقوق الشعوب في السيادة والتنمية والحرية.


إن استدعاء الاحتلال الإسرائيلي بين الحين والآخر لروايات دينية متطرفة ليس سوى محاولة يائسة لإضفاء غطاء زائف من القداسة على مشروعه الاستيطاني التوسعي، وهو تكتيك قديم يتجدد كلما ضاقت به السبل السياسية وافتضح زيف خطابه أمام العالم، فالمحتل يدرك أن تبريراته الأمنية والسياسية لم تعد مقنعة، وأن جرائمه في غزة والضفة وسائر فلسطين باتت موثقة بالصوت والصورة، لذلك يلجأ إلى استحضار نصوص محرفة وتأويلات مشوهة ليكسو مشروعه التوسعي بعباءة دينية مزعومة، ويختبر بها صلابة الموقف العربي والإسلامي، محاولًا في الوقت ذاته زرع بذور الفتنة بين شعوب المنطقة وإشغالها بصراعات مذهبية وعقائدية مفتعلة.


غير أن هذه الروايات المسمومة، التي تتناقض مع جوهر الأديان السماوية ومع حقائق التاريخ والواقع، ما تلبث أن تتحطم أمام وعي الشعوب وإدراكها العميق لطبيعة الصراع، فهي لم تعد تنطلي على أحد، بعدما تكشفت أهداف الاحتلال الاستيطانية، واتضح أن استدعاء النصوص المحرفة ليس إلا ستارًا يائسًا لتمرير مشروع استعماري مرفوض، كما تواجهها مواقف المؤسسات الدينية الكبرى، وفي مقدمتها الأزهر الشريف الذي ظل ثابتًا على موقفه التاريخي الراسخ، الذي ما فتئ يؤكد أن المسجد الأقصى المبارك وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين هي خط أحمر لا يقبل المساومة أو التفريط.


وتفضح هذه الأصوات المعتدلة والمرجعيات الروحية الموثوقة زيف التوظيف السياسي للدين وتعيد الصراع إلى جوهره الحقيقي، صراع بين مشروع استيطاني استعماري عنصري يسعى إلى اقتلاع شعب من أرضه وتزوير هويته، وبين حق أصيل راسخ لشعب عربي فلسطيني في أرضه وتاريخه وكرامته، وهكذا تنكشف أمام الرأي العام العالمي حقيقة الاحتلال؛ إذ إن محاولاته إضفاء قداسة مزعومة على مشروعه لا تزيده إلا عزلة، وتحوّل دعاواه الدينية إلى عبء أخلاقي وسياسي يعريه أمام الضمير الإنساني.


إن مواجهة هذا المشروع التوسعي تتطلب استراتيجية عربية وإسلامية شاملة ترتكز على أركان متكاملة من العمل السياسي والفكري والاقتصادي والإعلامي، منها التوحيد السياسي والدبلوماسي، وذلك عبر بناء موقف عربي وإسلامي موحد يرفض بشكل قاطع كل أشكال التطبيع أو محاولات شرعنة الاحتلال، ويعمل على استثمار الثقل الدبلوماسي للدول العربية والإسلامية في المحافل الدولية من أجل إدانة سياسات الاحتلال، وفرض العقوبات عليه، ودعم الاعتراف بفلسطين دولةً كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والمقاومة الإعلامية والفكرية؛ لخوض معركة الوعي بفضح الرواية الصهيونية وتعريتها أمام الرأي العام العالمي، وكشف تناقضاتها وخطابها العنصري، وإنتاج محتوى معرفي وتاريخي يرسخ الحقيقة الفلسطينية، ويوثق جرائم الاحتلال، ويحفظ ذاكرة النكبة والنكسة والمجازر المتكررة حتى لا ينجح المشروع الصهيوني في تزوير التاريخ أو محو الذاكرة الجمعية للأمة.


وضرورة العمل علي الدعم الاقتصادي والإنساني، عبر تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه بتأمين مقومات البقاء والحياة الكريمة، وتقديم الدعم لمشروعات التنمية المحلية والبنية التحتية، حتى لا ينجح الاحتلال في خططه الرامية إلى تهجير السكان وإفراغ الأرض من أهلها، كما لا يقل أهمية عن ذلك العمل الثقافي والتربوي، الذي يعيد إحياء روح الانتماء للقضية الفلسطينية في نفوس الأجيال، ويجعل من فلسطين جزءًا من الوجدان والهوية، لا مجرد ملف سياسي، إن معركة فلسطين هي معركة وعي بقدر ما هي معركة أرض، وحين يدرك العالم عبر الجهود المتواصلة أن الاحتلال ليس سوى مشروع استعماري استيطاني عنصري، فإن عزلة الكيان الصهيوني تتعمق، وتتعزز شرعية النضال الفلسطيني حتى التحرير.


إن خطورة تصريحات مسؤولي الاحتلال الأخيرة  تكمن في مضمونها وتوقيتها المدروس؛ فهي تصدر في لحظة إقليمية ودولية بالغة التعقيد، حيث ينشغل العالم بأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية متلاحقة، وبالتالي يسعى الاحتلال إلى استثمار حالة الانقسام العربي والتشتت الدولي لتمرير مشاريعه التوسعية وفرض وقائع جديدة على الأرض، ومن ثم فإن المسؤولية مضاعفة على القادة العرب والمسلمين، وعلى النخب الفكرية والإعلامية فهذه التصريحات تعد مؤشر واضح على تصعيد ممنهج، وخطة مبرمجة تستهدف إعادة صياغة المشهد الديمغرافي والجغرافي والسياسي في فلسطين والمنطقة بأسرها.


لقد آن الأوان أن تتحوّل المواقف إلى أفعال ملموسة، وأن تصبح القضية الفلسطينية، بما تمثله من رمز للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، محورًا مركزيًا في السياسات الداخلية والخارجية للعالمين العربي والإسلامي، فالتخاذل أو انتظار المتغيرات الدولية لن يؤدي إلا إلى تمكين الاحتلال من تحقيق جزء من أهدافه، بينما المبادرة المبكرة وتوحيد الصفوف والضغط المستمر سياسيًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا، هي الأدوات القادرة على إفشال مخططاته وعزله دوليًا، فالتاريخ لا يرحم المتقاعسين، والأمم لا تبنى بالشعارات الفارغة، وإنما بالمواقف الصلبة والإرادة الجماعية. وفلسطين اليوم امتحان حضاري يكشف معدن هذه الأمة، وصدق انتمائها لقيمها، ووعيها بأولوياتها.


ويبقى اليقين راسخًا لا يتزعزع بأن فلسطين ليست للبيع، ولا للتنازل، ولا للتقسيم، وأن المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية ستظل شواهد حية على هوية الأرض وأصالتها، وعنوانًا جامعًا للتعدد الروحي والإنساني الذي يحاول الاحتلال طمسه بلا جدوى، وإن هذا الاحتلال، مهما طال أمده وتوحشت آلته العسكرية، إلى زوال محتوم، لأن قوة الحق أرسخ من سطوة السلاح، ولأن الشعوب التي تؤمن بعدالة قضيتها لا تهزمها جيوش ولا تكسرها حصارات فالتاريخ مهما حاول المزيفون تحريف صفحاته، ينحاز في النهاية إلى أصحاب الأرض الشرعيين، ويكتب شهادته لصالح الصامدين المرابطين، وفلسطين، بما تحمله من معانٍ روحية وإنسانية هي وعد بالحرية ومرآة الضمير العالمي، وستظل رمزًا خالدًا للمقاومة والكرامة حتى تعود لأهلها، ويشرق فجر العدالة مهما أرخى الليل سدوله.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

حلم كأس العالم 2026 مع منتخب البرازيل يعيد نيمار للحياة فى سانتوس

الحد الأدنى للقبول بمدارس الثانوى العام بالقاهرة 225 درجة.. تفاصيل

وصول القطار الخامس للأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان..صور وفيديو

ليلة فى حب ياسين التهامى.. الجمهور يتفاعل مع الشعر الصوفى وقصائد المديح النبوى والابتهالات في الدورة 33 لمهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. والموسيقار عمرو سليم يعزف أجمل موسيقى أغنيات نجوم الزمن الجميل.. صور

محافظ الفيوم: إنشاء مستشفي جديد بيوسف الصديق بطاقة 5 آلاف سرير لخدمة أهالي المركز.. 5 ملايين جنيه لتطوير الخدمات بمستشفي الرمد وتطوير قسم جراحات الشبكية.. والمحافظة تستقبل كل جراحات القلب بمنطقة شمال الصعيد


حصاد هارى كين مع بايرن ميونخ بعد التتويج باللقب الثانى فى مسيرته

مواعيد الأتوبيس الترددى على الطريق الدائرى وموعد غلق المحطات

سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز الـ 4 سنوات

10 مخالفات بقانون حماية المنافسة عقوبتها الحبس وغرامة 100 ألف جنيه

الإسماعيلى يتوجه اليوم إلى القاهرة لخوض مباراة الاتحاد السكندري


الرمادى: محمد السيد من مصلحته التجديد للزمالك.. وفتوح لا يستحق البيع

ملخص وأهداف مباراة مان يونايتد ضد آرسنال في الدوري الإنجليزي

أخبار 24 ساعة.. تفاصيل وموعد أول أيام شهر رمضان 2026 فلكيًا

سيف زاهر: محمد هانى قال لى معروف كان يتعامل بعصبية مع اللاعبين وتفاجأت بالطرد

هدف لياو يحسم الشوط الأول لـ ميلان ضد باري في كأس إيطاليا.. فيديو

متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم: "مجرد أساطير بلا أساس علمي"

تفاصيل وموعد أول أيام شهر رمضان 2026 فلكياً

رئيس الأركان الإسرائيلي يصادق على خطة احتلال غزة .. تعرف على مراحلها

انطلاق دورى المقاهى للألعاب الترفيهية "الطاولة" و"الدومينو" بالإسكندرية لأول مرة.. تأهيل الفائزين لبطولة العالم وجوائز مالية بإجمالى 250 ألف جنيه.. و"السياحة والمصايف": إحياء الموروث الشعبي بروح عصرية.. صور

الداخلية تكشف تفاصيل تعدى شخص على زوجة شقيقه فى الزقازيق بالشرقية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى