خالد صلاح يكتب: أيهما ينفع الناس ويمكث فى الأرض؟ الدولة القوية العادلة المخلصة لمشروع التنمية أم تجار شعارات (الإسلام هو الحل) وعصابات (الحكم باسم الله)

توقفت بالأمس أمام حفنة من الأخبار فى عدد من البلدان العربية كلها تتعلق بتلك الجماعات الإرهابية التى تظن أنها تتكلم باسم الله، بينما سيوفها تقطع رقاب العباد باسم الإسلام، وتقود جهال هذه الأمة وغوغائييها بشعارات جوفاء تحت اسم (الإسلام هو الحل) لندفع أثمانا باهظة من دمائنا وأرواحنا وأقوات شعوبنا.
فى يوم واحد قرأت أربعة أخبار من بلدان عربية مختلفة، ولنبدأ بلبنان حيث يواصل حزب الله المهزوم والمخترق إسرائيليا رفضه تسليم سلاحه للدولة اللبنانية متمسكا بقرار الحرب والسلم بعيدا عن أجهزة الحكم الشرعية فى البلاد، ومهددا بالتصعيد فى حال استمرت ضغوط المجتمع اللبنانى لتسليم هذا السلاح والكف عن العبث بمقدرات الشعب اللبنانى.
وفى سوريا تتوالى التقارير عن تحركات لجماعات متطرفة تعسكر على الحدود مع لبنان وتخطط لعمليات خطف لعدد من الجنود فى الجيش اللبنانى لمبادلتهم مع أسرى من الإرهابيين فى السجون، هذا بخلاف ما تعانيه سوريا من صراعات أهلية وطائفية ودينية يقودها هؤلاء الذين يظنون أنهم يتحدثون باسم السماء ويقيمون حاكمية الله على الأرض زورا وعدوانا.
وفى اليمن يرفض إرهابيو الحوثى مجددا مقترحات المبعوث الدولى لإقرار السلام فى اليمن، والوصول إلى تسوية تعيد للشعب اليمنى حياته الطبيعية التى افتقدها لسنوات من الحرب والدمار.
وفى ليبيا، ما زالت أخطار الميليشيات فى الغرب تعاند كل مشروع حقيقى لإعادة وحدة الصف واستعادة وحدة الأراضى الليبية تحت راية الدولة، ويعمل هؤلاء الإرهابيون تحت شعارات إسلامية متعددة ويعتقد قادة كل ميليشيا أن وحيا من السماء ينصبهم أوصياء على الشعب الليبى، وأنه لا صوت يعلو فوق أصواتهم، وأن كل ما عداهم كفر وضلال.
هذه ليست مجرد أخبار متناثرة بل لوحة سوداء كاملة تكشف عن حقيقة لا جدال فيها وهى أن كل تلك الجماعات التى رفعت شعارات إسلاموية جوفاء قادت هذه الأمة إلى الدمار، وتركت البلدان العربية ممزقة باقتصاديات منهارة وتحت نيران حروب أهلية طاحنة دون أمل فى استقرار سياسى، ودون تحقيق أحلام الشعوب فى تنمية مستدامة تضمن رفاهية المواطن على أراضى بلاده.
كلما تأملت هذه الأخبار التى صارت قدرا مأساويا للأمة العربية، أجدنى مدينا للشعب المصرى الذى ساند مشروع الدولة القوية المستقرة بعد 30 يونيو، وقهر جماعة الإخوان الإرهابية، وقدم كل الدعم للجيش المصرى فى حربه الشاملة على الإرهاب فى سيناء، فلقد آمن المصريون أن الحل ليس فى شعار يرفعه بعض تجار الدين والسياسة، بل الحل الحقيقى هو فى بناء دولة مدنية راسخة قائمة على المواطنة، والقانون، يتوحد الناس تحت رايتها، وتقطع الطريق على الميليشيات المسلحة التى هدف لها سوى الفوضى والدماء.
الآن يحاول الفوضويون جر مصر إلى دائرة الإرهاب مرة أخرى، يعضون علينا الأنامل من الغيظ بعد الاستقرار الأمنى فى البلاد، وبعد الانتصار على الإرهاب فى سيناء، يشق عليهم أن تستقر مصر، ويريدون لنا أن نعود مرة أخرى إلى ساحات الحرب، وأن يقطعوا الطريق على وصولنا إلى تنمية حقيقية.
فتلك الأصوات التى تلاحق مصر بالشائعات حول معبر رفح، أو حول المساعدات الإنسانية، إنما هى أصوات هؤلاء الإرهابيين أنفسهم الذين لا يريدون لشعب مصر أن يحيا مستقرا، ويحاولون جرنا إلى دائرة الدم والحرب من جديد، وتحاول حماس وأذنابها أن تغسل يدها من حفرة النار التى ألقت داخلها بكل أهل غزة، والآن تحول سهامها نحو مصر وليس نحو الجيش الإسرائيلى.
لقد اختارت الدولة المصرية الطريق الأصعب فى المواجهة، طريق التنمية والبناء والحرب على الإرهاب، وأبت القيادة السياسية ومن خلفها جيش مصر أن تعود البلاد إلى دائرة الفوضى من جديد، وسلكت بصبر استراتيجى طريقها نحو الحرب على الإرهاب فى سيناء، وتصفية بؤر الإخوان فى الداخل والخارج، وخوض معركة الوعى والحرب على الشائعات، حتى حققت استقرارا يقض مضاجع المتآمرين، ويقطع الطريق على أحلام دعاة الفوضى.
وبالتوازى مع العمل العسكرى فى سيناء، جاءت جهود التنمية عبر إنشاء طرق جديدة فى سيناء، وبناء تجمعات سكنية، وإطلاق مشروعات زراعية وصناعية، وتوفير خدمات لم يكن يتخيلها المواطن السيناوى من قبل، وقد كانت الرسالة واضحة، الدولة باقية، والإرهاب زائل.
هذا هو جوهر الفارق فمصر لم تسمح أن يتحول الإرهاب إلى قدر دائم كما حدث فى لبنان أو اليمن أو ليبيا أو غزة، مصر أعادت فرض سيادة الدولة على كل شبر من أرضها، وأعادت بناء الثقة بين المواطن والدولة، لتستعيد تماسك البنيان الوطنى، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا وضوح الرؤية فى عقل وضمير القيادة السياسية، واستقرار عقيدة راسخة فى وجدان الجيش المصرى أن مصر وشعبها أولا، وأنه لا مصلحة سوى أن يحيا المواطن المصرى آمنا مستقرا فى بلاده.
هذا هو حال مصر، فى مقابل حال من سلموا أنفسهم للإرهابيين، وأخفقوا فى القضاء على الميليشيات المسلحة التى تعمل تحت شعارات دينية مضللة، والآن أسألك أيهما أنفع للناس ويمكث فى الأرض؟ الدولة القوية العادلة المخلصة لمشروع التنمية، أم تجار شعارات (الإسلام هو الحل) وعصابات (الحكم باسم الله)؟
استقرار مصر أصبح شوكة فى خاصرة كل الجماعات الإرهابية فى الإقليم، فلا تفرطوا فى هذا الاستقرار، وعضوا عليه بالنواجذ.
مصر من وراء القصد.

Trending Plus