سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 02 أغسطس 1990.. اتصالات هاتفية بالرئيس مبارك والملكين فهد وحسين لإبلاغهم بمفاجأة احتلال العراق للكويت ومحاولات الاتصال بصدام حسين تفشل بحجة «التليفون بعيد عنه»

كانت الساعة الخامسة فجر الخميس 2 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1990 حين دق جرس التليفون بجوار سرير العاهل السعودى الملك فهد بن عبدالعزيز، ولم يكن هذا التليفون يدق فى العادة، ومعنى سماع صوته كان كفيلا بأن يوحى على الفور بحدوث أمر جلل، ثم عرف الملك فهد أن القوات العراقية دخلت الكويت، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج..أوهام القوة والنصر».
كانت المفاجأة للملك غير قابلة للتصديق فهو قبل ساعات قليلة ودع الشيخ سعد عبدالله الصباح ولى العهد ورئيس وزراء الكويت، وعزة إبراهيم نائب الرئيس العراقى، على تصور بأن الأمر على ما يرام، وبأنهما على موعد للقاء فى بغداد بعد أيام، ويعلق هيكل قائلا: «بالتأكيد أن الملك كان يعرف أكثر مما أبلغه به رئيسا الوفدين العراقى والكويتى، وعلى الأرجح فإن المخابرات السعودية، وهى جهاز قوى فى المملكة كانت استمعت بوسائلها الخاصة إلى ما دار بين الرجلين، ومعنى ذلك أن الملك كان يعرف أكثر مما أبدى على السطح أن يعرفه، ومع ذلك فمن المحقق أن مفاجأته بالغزو كانت كاملة».
يضيف هيكل: «استدعى الملك أحد مساعديه، وطلب أن يصله تليفونيا بالسفير عبدالعزيز السديرى، سفير السعودية فى الكويت «وهو فى نفس الوقت قريب للملك من ناحية والدته» وبينما الملك ينتظر أن تصله المكالمة التى طلبها، راح يبدى تعجبه مما يسمعه ويسأل: هل احتلوا البلد؟ أم احتلوا الجزر؟ وجاءت المكالمة، ولم يكن السفير السديرى على بينة من أية تفاصيل سوى أنه عرف الآن أن القوات العراقية قريبة من مدينة الكويت، ووضع الملك سماعة التليفون ودهشته لم تفارقه، ولعلها زادت إلحاحا عليه، وكان تعليقه إنه زلزال، وأنه لا يقدر على تجميع أفكاره».
يذكر هيكل، أن فهد عاد ورفع سماعة التليفون، وطلب أن يصلوه بصدام حسين فى بغداد، وبعد قليل دق جرس التليفون وكان سكرتير الملك المكلف بالاتصالات يقول له، إن مكتب الرئيس صدام معه على الخط، لكن الرئيس العراقى نفسه ليس موجودا، وطلب الملك أن يحول الخط إليه، واكتشف أن الطرف الآخر الموجود على خط بغداد هو السيد «أحمد حسن خضير» أحد المستشارين المقربين من صدام، وسأل الملك: أين الأخ صدام؟، وجاء الرد: «طال عمرك إنه الآن بعيد، وسوف نبلغه بمكالمة جلالتكم ونطلب إليه الاتصال بكم على الفور».
يكشف هيكل: «لم يكن الملك فهد قادرا على الانتظار، فطلب توصيله بالملك حسين، وأيقظه بالفعل من نومه فى الساعة الخامسة والربع صباحا وبادره بسؤال: هل سمعت؟، ورد عليه الملك حسين متسائلا: «سمعت بماذا؟، فروى فهد له تفاصيل ما سمع، وكيف أنه حاول الاتصال بالأخ صدام ولم يوفق، وكان الملك حسسن مأخوذا بما سمع، وشرد للحظة فى تصوراته، وأحس الملك فهد أن الملك حسين شرد عنه، فعاد يسائله فى خطورة ما حدث، وقال الملك حسين: اعطنى فرصة حتى استوعب، ورد عليه فهد مقترحا أن يحاول هو- أى الملك حسين - الاتصال بالأخ صدام ليعرف منه ما هى الحكاية؟».
يضيف هيكل، أن الملك حسين كان يحاول بدوره أن يستجمع أفكاره، وقال للملك فهد: «الغالب كما أظن أنها عملية محدودة، وقد نستطيع تداركها وعلاجها فورا، وسوف أتصل بالأخ صدام، وأعود إليك فى ظرف دقائق، وراح الملك حسين يحاول بدوره أن يتصل ببغداد، ثم أبلغ أن الملك فهد على الخط مرة ثانية، وجاء صوته بانفعال: «إنها ليست عملية محدودة، سمعت الآن أنهم دخلوا قصر جابر أمير الكويت»، ويكشف هيكل، أن الملك حسين اتصل بالعراق فرد طارق عزيز مبديا أسفه عن أن التليفون ما زال بعيدا عن الرئيس صدام، ورد على سؤال الملك حول ما جرى قائلا: «لم يكن هناك مع الأسف سبيل آخر».
كان التوقيت فى القاهرة متأخرا ساعة عن الكويت، أى كانت الرابعة صباحا، ووفقا لهيكل: «استيقظ الدكتور مصطفى الفقى على تليفون من السفير سعيد رفعت السفير المصرى فى الكويت وأبلغه أن القوات العراقية احتلت الآن حقل الرميلة، وتزحف الآن إلى مدينة الكويت، ولم يشأ الفقى أن يوقظ الرئيس مبارك وكان ليلتها فى استراحة برج العرب، قبل أن يتأكد من دقة ما لديه من معلومات، وأراد فيما يبدو أن يستوثق من حجم العملية، وما إذا كانت محدودة أو شىء أكبر؟، وقرابة الساعة الرابعة والنصف دق التليفون مرة ثانية بجوار الدكتور الفقى وكان المتحدث هو السفير عبدالرازق الكندى سفير الكويت بالقاهرة، وقال له: «أرجوك إيقاظ الرئيس فورا، فالعراقيون الآن فى قلب مدينة الكويت، وقام الفقى بإيقاظ مبارك وراح يصغى إلى ما ينقله إليه الفقى ثم سأل فى دهشة: هل هى عمليات على الحدود؟، ورد الفقى بأنها عمليات فى العمق، والمعلومات تشير إلى أن القوات العراقية احتلت قصر الأمير وقصر ولى العهد ووزارتى الدفاع والخارجية وعددا آخر من الوزارات».

Trending Plus