"عدسة مرشد سياحى" تظهر مصر للعالم كما لم تُر من قبل.. "إبراهيم محمود" أعاد تقديم الحضارة المصرية والمناطق الأثرية بلغة "الضوء واللون".. وحقق 30 مليون مشاهدة لفيديو خاص بـ"عيون تمثال الكاتب المصرى".. صور

من مدينة أسوان، جنوب مصر، خرج إبراهيم محمود حسين حاملا في قلبه عشقا عميقا لم يكن مدونا في شهاداته الجامعية، ولا مدعوما بسند وظيفي، بل مدفوعا فقط بشغف استثنائي قاده من مقاعد كلية التجارة إلى المعابد والآثار، ومن السرد التاريخي المباشر إلى حكاية مصر بعدسة إنسانية.

رغم أن إبراهيم محمود حسين، تخرج في كلية التجارة عام 2002، فإنه لم ير نفسه أبدا في أروقة البنوك أو الحسابات، وإنما في ممرات المعابد وبين السائحين، يشرح، ويقص، ويصور، ومنذ عام 2006، بدأ العمل بـ الإرشاد السياحي بعد أن حصل على دبلومة الإرشاد باللغة الألمانية، ليحصل لاحقا على ترخيص بالإرشاد السياحي بثلاث لغات: الألمانية، والإسبانية، والبرتغالية، ورغم أن اللغة الألمانية كانت بوابته الرسمية، فإن عمله اليوم يتركز على الإسبانية والبرتغالية، في تفاعل مباشر مع سياح أمريكا اللاتينية والبرازيل.
.jpeg)

إبراهيم محمود خلال مرافقته لسائحين
مع بداية جائحة كورونا في 2021، حينما توقفت حركة السياحة تماما، جاءت لحظة التحول الحقيقية، حيث تواصل معه اثنان من اليوتيوبرز من بيرو، كان لديهما في ذلك الوقت نحو 600 ألف متابع، قرآ عنه مراجعات إيجابية، ورغبا في خوض تجربة توثيق رحلتهما معه في مصر، وعن ذلك يقول إبراهيم: "كان وقتها مفيش سياح، فحبيت أنزل أشوف هما بيشتغلوا إزاي، وأفهم الميديا ماشية إزاي، وصورت معاهم، كان هدفهما تصوير فيديوهات عن السياحة الاقتصادية في مصر، وبالفعل نجحت الفيديوهات في جذب عدد كبير من السياح من أمريكا اللاتينية لزيارة مصر، وحتى الآن فيه ناس كتيرة بتيجي من بلدهم بسبب الفيديوهات بتاعت البنتين دول".

إحدى السائحات فى زيارة الأهرامات
تكررت التجربة مع مؤثرين من فنزويلا والأرجنتين، وفي كل مرة كانت النتائج مذهلة، فهم "إبراهيم" حينها أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد منصات ترفيهية، بل أدوات قوية لتسويق الوجهات السياحية، ومن بين آلاف الفيديوهات التي صورها إبراهيم، يبرز فيديو واحد حقق أكثر من 30 مليون مشاهدة على إنستجرام، كان الفيديو لتمثال الكاتب، والذي صوره بطريقة مبدعة ركزت على عيني التمثال بدقة عالية جعلت المشاهدين يتساءلون إن كانت عينا حقيقية أم مجرد حجر منحوت.

وسط كل هذا النجاح، يحتفظ إبراهيم بذكريات إنسانية مؤثرة، يحكي عن عائلة جاءت إلى مصر مع ابنهم الشاب المصاب بالسرطان، أرادوا أن يحققوا حلم حياته بزيارة مصر ليخرج من حالة الاكتئاب التي كان يعيشها، قال إبراهيم: "العائلة دي كانت بالنسبة لي شيء كبير.. أنا صدمت إن هو واحد شباب والدنيا تمام، وفي وسط الزيارة قال لأ معلش ممكن نريح عشان تعبان شوية، ثم اكتشفت أنه مُصاب بالسرطان، وأحضرته عائلته مصر لأن زيارتها كان حلم حياته"، يتذكر إبراهيم بتأثر كيف أن هذه التجربة علمته أن عمله أكبر من مجرد مهنة.

إحدى السائحات مع الآثار المصرية
العمامة البيضاء التي يرتديها "إبراهيم" ليست مجرد قطعة قماش، بل رمز شخصي اختاره بعناية، بدأ بارتدائها للحماية من حر الصعيد في الصيف والبرد في الشتاء، لكنه اكتشف أنها أصبحت جزءا من هويته المهنية، حيث قال عنها: "لقيتها إن هي حاجة مختلفة ومميزة.. حاجة من رمز من الصعيد وفي نفس الوقت تخلي الواحد مميز في الفيديوهات، يبقى فيه براند للشخص".
كما يؤمن "إبراهيم" بأن سر نجاحه يكمن في دمج الشغف بالعمل، ويقول: "لما أنت يكون عندك هواية وشغل وتحاول إنك تدمج الاثنين مع بعض بحب، الحاجة بتوصل للناس أسرع"، موضحا أنه يتعامل مع كل سائح كأنه ضيف في بيته.

إحدى اللقطات للأسرة خلال اصطحابها نجلها المريض
ويحرص "إبراهيم" على جودة الخدمة التي يقدمها والانطباع الذي يتركه لدى السياح، حيث يستيقظ أحيانا في الساعة الرابعة صباحا ليبدأ الجولة في الخامسة والنصف، ويقف صبورا لدقائق طويلة ليلتقط الصورة المثالية، ثم يقدم نصائح عملية للسياح الراغبين في الحصول على صور مميزة، أولها اختيار الألوان الزاهية مثل الأحمر والبرتقالي والأخضر، لأنها تخلق تباينا جميلا مع لون الحجر الرملي للمعابد.

أسرة حققت حلم إبنها المصاب بالسرطان فى زيارة مصر
النصيحة الثانية تتعلق بتوقيت الزيارة، حيث أكد: "في الأقصر، الزيارات بتفتح الساعة ستة، أنا بعض الأوقات ممكن أطلع خمسة ونص... الشمس هتكون مش جامدة، الإضاءة هتكون حلوة، وفي نفس الوقت الدنيا مش زحمة"، مشيرا إلى أن الاستيقاظ مبكرا يمكن من الحصول على أفضل النتائج، ولا يتوقف إبراهيم عن تطوير مهاراته، فهو يتعلم من كل سائح يلتقي به، سواء كان مصريا أم أجنبيا، كما يتبادل الخبرات مع مصورين آخرين.

الشاب المصاب بالسرطان
يأسف "إبراهيم" لوجود أماكن سياحية رائعة في مصر لا تحظى بالاهتمام الكافي، يذكر كهف الجارة في الصحراء الغربية، والصحراء البيضاء التي يصفها بأنها "حاجة فريدة مش موجودة في العالم غير اللي عندنا"، بالإضافة إلى الصحراء السوداء وجبل الكريستال والواحات، ويشيد بجمال شواطئ مطروح مثل عجيبة والخادم وشاطئ الغرام، مؤكدا "مصر مليانة حاجات كتيرة سهل إن هي يتعمل عليها بروباجاندا تدي دفعة للبلد".

المرشد السياحى ابراهيم محمود فى كنيسة العذراء مريم بجبل الطير بالمنيا
لا يتردد "إبراهيم" في توجيه نقد بناء لهيئة تنشيط السياحة، معتبرا أن عملها "روتيني" ولا يستفيد من إمكانيات المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويطمح لفتح شركة سياحة خاصة به، لكن طموحه الأكبر هو أن تعترف الدولة بدور الإعلام الرقمي في تنشيط السياحة، مؤكدا أن المرشد السياحي هو "سفير لمصر داخل مصر"، وأن نجاحه في المهنة يتطلب مزيجا من المعرفة الأثرية وإتقان اللغات والقدرة على التعامل مع السياح وإظهار البلد بصورة إيجابية.

جبل الثلج
بعمامته البيضاء وكاميرته المحترفة، يواصل إبراهيم رحلته في توثيق حضارة الأجداد وتقديمها للعالم بعين عاشقة وقلب مؤمن بأن مصر تستحق أن ترى بأجمل صورة ممكنة، فهو ليس مجرد مرشد سياحي، بل سفير رقمي لمصر، يحمل على عاتقه مسؤولية تصحيح الصورة وإظهار الوجه الحقيقي لهذا البلد العريق.

لقطات مميزة لسائحين

Trending Plus