من الإفلاس إلى الاستدامة.. المنظمات الحقوقية تحاول النجاة بعد توقف التمويل الخارجي.. العمل فى ظروف قاسية حتى يستمر دورها المدنى.. واقتراح إنشاء صندوق للدعم تُشرف عليه وزارة التضامن الاجتماعى فكرة يصحبها جدل

باتت المنظمات الحقوقية في مصر في الأونة الأخيرة في مواجهة تحديات كثيرة متراكمة، أهمها انقطاع أو تقلص مصادر التمويل الأجنبي التي كانت تمثل شريان حياة رئيسي لنشاطها، حيث كانت تعتمد هذه المنظمات على الدعم الخارجي لتنفيذ برامجها في مجالات الدفاع عن الحقوق والحريات.
ومع إنقطاع التمويل بعد عام 2011 وجدت العديد من المنظمات نفسها مضطرة إلى إعادة ترتيب أولوياتها، وتقليص أنشطتها، بل إن بعضها اضطر إلى الإغلاق الكامل، ومع ذلك برزت محاولات جادة من بعض المنظمات لتطوير نماذج بديلة للاستدامة، من خلال تنويع مصادر التمويل المحلي، و الاعتماد على متطوعين، وهو ما يفتح نقاشًا واسعًا نستعرضه في التقرير التالى حول مستقبل العمل الحقوقي في مصر بعد انقطاع التمويل الخارجى فى عملية التدريب والتأهيل للمتابعين ، في حدود الممكن وفي ظل الواقع الجديد .
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على شفا الإفلاس
قال عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: نحن نتحدث عن التمويل الأجنبى بشكل مستمر، فعلًا هناك تمويل أجنبى، لكن لا يُوجّه فى الوقت الراهن إلا لأغلب الجمعيات أو المنظمات الوطنية فى مصر، المنظمة المصرية على شفا الإفلاس، كنا فى عام 2011 لدينا مشروعات، ولكن موقفنا من الثورة ترتب عليه أن هناك منظمات دولية كانت تمولنا توقفت عن التمويل، وللتوضيح، الثورتان، الأولى فى 2011 وكان لدينا مشاريع لم تُجدَّد، والثانية 2013 وبسبب تقريرنا الخاص عن اعتصامات رابعة والنهضة، ظهر فيه الانحياز الوطنى للبلد، ولأنه كان نقلًا دقيقًا للحقائق والوقائع بالفعل، لا يرغبون فى تصديقها، فكانت النتيجة أنه تم قطع التمويل بشكل كامل عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
إنشاء صندوق لدعم الجمعيات تُشرف عليه وزارة التضامن الاجتماعى
وتابع «شيحة»: حين كنا نعد لقانون 149 لسنة 2019 المعنى بتنظيم ممارسة العمل الأهلى فى مصر، تم الاتفاق بين منظمات المجتمع المدنى على أن يظل لدينا صندوق لدعم الجمعيات، هذا الصندوق تُشرف عليه وزارة التضامن الاجتماعى حتى لا تضطر هذه الجمعيات إلى البحث عن سبل أخرى، والمطلوب من مؤسسات الدولة المصرية الآن دعم ومساندة المنظمات الوطنية للقيام بدورها لأن عملنا لا يأتى من فراغ، فإنه لا توجد دولة فى العالم تعمل بدون المجتمع المدنى، ونحن لدينا فى مصر أكثر من 34 ألف جمعية أهلية تعمل بالفعل، يرفعون عن كاهل الدولة، لذلك المطلوب تحفيزهم ومساندتهم، وأشار عصام شيحة: إننا فى أشد الحاجة إلى تعديل الصورة الذهنية لدى المواطن المصرى تجاه المنظمات الحقوقية، حيث إن الإعلام قام بهجوم غير مبرر بعد عام 2011 على المنظمات الحقوقية، فأدى إلى نوع من القطيعة وعدم الثقة لدى قطاع موجود فى المجتمع. نحن فى حاجة إلى تعديل الصورة الذهنية.
التمويل الأجنبى مرتبط بأجندة، وله خياراته، ولكننا فى جميع الأحوال نخرج تقارير بأقصى شفافية ونزاهة، نحن أثناء الانتخابات الماضية تعاونا مع صندوق دعم الجمعيات، وراقبنا الانتخابات وكتبنا تقريرًا قويًا جدًا، منشور على صفحة هيئة الانتخابات وقدمناه أيضًا فى الأمم المتحدة.
مهم جدًا ذكر أن عملية العبث فى صندوق الاقتراع أصبحت صعبة، كما أن وجود قاضٍ على كل صندوق أصبح محل ثقة للجميع، وبهذه التجربة أؤكد أننا فى أشد الحاجة لتمويل الدولة من خلال صندوق دعم الجمعيات، لأنه أنشئ ليدعم المنظمات سواء للتنمية أو للرقابة، وليس عيبًا أن يدعم ماديًا ولا يتدخل فى الشؤون الفنية.
التمويل الأجنبى مرتبط بأجندة مصالحه
ومن جانبه قال الدكتور هانى إبراهيم الأمين العام لمجلس حقوق الانسان: لا بد من حدوث نوع من المتابعة الموضوعية والمهنية لاتجاهات التمويل، من 2013 وطالع هناك اتجاهات تمويل تمول قضايا حقوقية بعينها، وفى إطار زمنى قصير من أجل إحداث تأثير، وليكن مثلًا قضايا عقوبة الإعدام، هذا فيما يخص التمويل الأوروبى، أما التمويل الأمريكى فظل يعمل على ما يسمى بقضايا الشمول المالى، وتعزيز التمكين الاقتصادى، وإحداث نوع من التغيرات الاجتماعية، ولا يقترب من الجزء السياسى والحقوقى كثيرًا، ومول أنشطة حقوقية ليس لها علاقة بالعملية الانتخابية تمامًا.
ما حدث بعد ذلك، وبالتزامن مع إدارة ترامب، ألغت المعونة الأمريكية بالكامل، وحتى وقفت ما يسمى بالتمويل المخصص من الكونجرس الأمريكى للـ«NED»، وبهذا يُفترض أن الإدارة الأمريكية لا تتدخل فى عمل الكونجرس، ولكنها فرضت على الكونجرس- لأنها تمتلك الأغلبية- أن يوقف التمويل، فأصبح هناك توجهات مختلفة للتمويل: «أنا سأمول ماذا؟ وما الذى سيعود على؟»، بمعنى أن إدارة ترامب مثلًا تقول: أنا سأمول كل نشاط يعزز من مكانة أمريكا.
من قريب، وحتى يوم 26 يناير 2025، كانت المعونة الأمريكية تدير 149 منحة «active grant»، ومن هذا اليوم تحديدًا تم وقف 147 منحة، واستمرت منحتان فقط، وهما تبادل العلماء وأساتذة الجامعات، ومنحة خاصة بالأبحاث العلمية بين مصر وأمريكا. إذن، هو ركّز على كل ما يخص الشأن الأمريكى. هل لدى بدائل محلية تغنينى عن التمويل الأجنبى؟ لا بد أن يكون هناك صندوق وطنى معنى بالتمويل، امتثالًا لوزارة الخارجية المصرية، حيث تمتلك صندوق شراكة من أجل التنمية مخصصًا للمجهودات التى تقوم بها مصر فى القارة الأفريقية، وأتمنى أن هذا الصندوق يتسع ليشمل منظمات المجتمع المدنى العاملة فى حقل التنمية وحقوق الإنسان داخل مصر.
أما سعيد عبد الحافظ رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الإنسان والتنمية : كل المنظمات الحقوقية التى حصلت على تمويل ضخم لمراقبة الانتخابات السابقة اختفت تمامًا من على الساحة، أما المنظمات التى لم تتلق تمويلًا أجنبيًا لمتابعة الانتخابات، ما زالت حاضرة حتى هذه اللحظة، وتعمل فى ظروف قاسية حتى تستمر فى دورها لمتابعة الانتخابات.
يتشابه التمويل الأجنبى مع التمويل الحكومى
وتابع «سعيد»: فيما يخص صندوق دعم الجمعيات «ما هو صندوق حكومى»، وبالنسبة لى يتشابه التمويل الأجنبى مع التمويل الحكومى، مشكلة التمويل ليست الجهة الممولة، ولكن المشكلة لمن سأقدم تقرير المتابعة؟ وهقول لمين أنا عملت إيه بالفلوس دى؟ طبعًا لصاحب المال، الذى سيحاسبنى عليها ماديًا، وإذا قال إنه لا يتدخل فى وجهة نظر التقرير، فهذا كذب، اللى بيدفع فلوس عارف هو بيدفع فلوس لإيه وعاوز المقابل بتاعها إيه»، بالنسبة لى عندى تحفظ على صندوق دعم الجمعيات، هو تمويل حكومى، والمنظمات غير الحكومية أو المنظمات الأهلية هى مستقلة، المفروض تبقى مستقلة عن الأحزاب وعن المؤسسات الحكومية.

Trending Plus