ذراع صهيونية ضد القضية.. الإخوان فى خدمة اليمين الإسرائيلى وفلسطين ليست أولوية لدى التنظيم.. عداء ظاهرى وتوافق غير معلن.. الغاية تقويض الدولة الفلسطينية المنشودة.. واختزال المسألة فى قطاع غزة يحقق أهداف نتنياهو

التماهى بين حكومة بنيامين نتنياهو فى إسرائيل، والفصائل يمثل إحدى الأدوات التى تستخدمها تل أبيب لتحقيق أهدافها، رغم العداء الظاهرى، وهو ما تجلى فى العديد من المشاهد، والتى تبدو واضحة منذ الانقسام الفلسطينى فى 2007، مرورا بالحروب المتتالية على قطاع غزة، والذى يشهد أقسى موجة من الاعتداءات منذ أحداث السابع من أكتوبر، وحتى حالة العبث السياسى عبر الاحتجاجات التى نظمتها جماعة الإخوان أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، وهو ما يعكس توافقات ضمنية بين الطرفين، اللذين من المفترض أن يكونا على طرفى نقيض، عبر عداء ظاهرى، وتوافق غير معلن، يتجلى فى تماه أيديولوجى، ووحدة العديد من الأهداف، ربما أبرزها تقويض الدولة الفلسطينية المنشودة، لصالح أغراض أخرى.
فبالنظر إلى الاستراتيجية التى تتبناها الدولة العبرية، نجد أن الهدف الرئيسى الذى تسعى إليه، هو تقويض الشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين، وفى القلب منه تأسيس الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967، بينما الطرف الآخر لا يؤمن بالدولة أساسا، حيث يرى الوطن حفنة من تراب «عفن» كما سطرت أدبيات الجماعة، وسطر منظروها، وعلى رأسهم سيد قطب، وهو ما يعكس امتدادا صريحا للأيديولوجية الواحدة، التى يتبناها «الإخوة الأعداء»، وهو ما يبدو فى المخاطرة بالوطن والمواطن، لحساب حزمة من الأفكار، التى يسعى أفكارها إلى إضفاء صبغة مقدسة عليها، فى رهان على قطاع كبير من المتدينين داخل المجتمعات، وهو ما ظهر جليا، فى أحداث السابع من أكتوبر، والتى تجاوز شهداؤها فى غزة الـ60 ألف شخص، ناهيك عن المبتورين والمصابين والجائعين جراء الحصار، بينما يقامر الطرف الآخر بأرواح الرهائن، والذين قتل عدد كبير منهم بنيران القوات الإسرائيلية، وكلاهما ينتصر للأيديولوجية على حساب الإنسان.
إلا أن ثمة توافقات أخرى، لا يمكن تجاهلها فى هذا الإطار، تتجلى فى طمس القضية الفلسطينية، أو بالأحرى تحويل بوصلتها من فلسطين، تلك الدولة المنشودة، التى سفك من أجلها دماء الآلاف من أصحاب الأرض، وشركائهم العرب، وفى القلب منهم المصريون، إلى غزة، حيث يسعى نتنياهو و«إخوانه»، إلى تحويل الأنظار عن القضية الفلسطينية، والتى حظت بمركزيتها الإقليمية لعقود طويلة من الزمن، عبر تسليط الضوء على غزة، باعتبارها التهديد الذى يؤرق الإسرائيليين فى منامهم، بينما أصبح القطاع بمثابة «أرض موعد» الجماعة، باعتباره تحت سيطرة الفصائل التى طالما اعتبرها التنظيم إحدى أهم أذرعه، التى من شأنها تطبيق رؤى الجماعة وإحدى أدواتها للتوسع والسيطرة.
تلك الحالة المتماهية، تعكس وحدة الهدف، والذى لا يقتصر فى جوهره على مجرد تنحية القضية لصالح القطاع، وإنما يمتد أيضا إلى تنفيذ مخطط التهجير، والذى يخدم مصالح نتنياهو وحكومته بالدرجة الأولى، على اعتباره السبيل الأنجع، لتصفية حلم الدولة، عبر تجريدها من أهم عناصرها وهو مواطنوها، بينما فى الوقت نفسه يسمح للتنظيم بالتوسع فى أراض أخرى، عبر التوغل فى دول الجوار، حتى وإن اختلف الغطاء المستخدم من قبل كل فريق، فإسرائيل بررت هدفها بالقضاء على الفصائل، بينما أرجع صبغ التنظيم موقفه بصبغة إنسانية، تتجسد فى تخفيف الحصار المفروض على سكان القطاع.
ولعل الأهداف سالفة الذكر كانت واضحة تماما لدى الدولة المصرية، منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، والتى كانت أول من كشف ورفض تصفية القضية، عبر تهجير سكانها، بل ونجحت فى تحقيق العديد من التوافقات الدولية، حول أهمية الانتصار للشرعية الدولية القائمة على حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط، وإنهاء حالة الصراع، الذى دام لعقود طويلة، وهو ما يفسر لواء العداء الذى ترفعه حكومة الاحتلال والتنظيم معا فى وجه الدولة المصرية، إلى حد اتهامها بالمشاركة فى حصار القطاع وتجويع سكانه.
التماهى فى الأهداف بين إسرائيل والجماعة، ليس وليد اللحظة، وإنما يرتبط بأبعاد مصلحية طويلة المدى نسبيا، فالفصائل حققت أهداف الاحتلال عبر تقسيم الأرض، بين الضفة والخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وغزة التى انضوت تحت لواء حماس، فى 2007، عندما حل الانقسام، والذى يعد النكبة الأكبر فى تاريخ القضية، بينما تمادت الجماعة فى الانتصار إلى إسرائيل عبر تقسيم المعسكر الداعم للحق الفلسطينى، إلى محورين، أحدهما «ممانع» يحظى بتأييدها، وآخر «معتدل» سعوا إلى تشويهه، عبر خطابات فارغة وشعارات جوفاء، فى حين كانت الخدمة الأكبر التى قدمتها الجماعة إلى تل أبيب، هى تعزيز الفوضى داخل الدول العربية، وتقسيمها فى العقد الماضى، والهدف تجريد القضية من مركزيتها، لصالح الحالة الأمنية، خاصة مع تفشى الإرهاب، وبزوغ التنظيمات المتطرفة، التى سيطرت على جزء من الأراضى العربية، لتكون الفرصة مهيأة للاحتلال فى بناء مزيد من المستوطنات فى الضفة، والتى لا تمثل أولوية كبيرة فى أجندة الجماعة، والتى تركز فى الأساس على غزة باعتبارها معقل أذرعها.
غزة فى أجندة الجماعة حلت محل القدس، والتى طالما استخدمتها فى الدعاية الخاصة بها، لعقود طويلة، عندما كانت تروج لنفسها باعتبارها المدافع الأول عن القضية، بينما كانت المدينة المقدسة مجرد شعار لتفتيت القضية، أو بالأحرى اختزال حلم الدولة فى تلك المدينة التى تحمل أهمية كبيرة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من فلسطين المنشودة، إلا أن بوصلة التنظيم تحولت عنها بحكم الأيديولوجية، بعدما سيطرت الفصائل الموالية لها على القطاع، وهو ما يقدم خدمة جديدة لحلم إسرائيل بالاستئثار المدينة لتكون عاصمتها المستقبلية.
وهنا يمكننا القول إن الجماعة وفصائلها باتت أداة مهمة فى يد اليمين الإسرائيلى المتطرف، لتحقيق أهدافه التوسعية، عبر العديد من المسارات، أبرزها تصفية القضية الفلسطينية من خلال اختزالها فى قطاع غزة، بل وتحويلها إلى بديل خطابى عن القدس التى ترغب الدولة العبرية فى الاستئثار بها كعاصمة موحدة لها، وهو ما يمثل تقويضا صريحا للشرعية الدولية، فى حين على مسار آخر تسهم بصورة كبيرة فى تهديد أمن الدول العربية، وعلى رأسها مصر، باعتبارها حجر عثرة أمام المشروع «الصهيو إخوانى»، من خلال سيناريو التهجير، وتشويه الدور الإنسانى الذى لا يحتاج إلى شهود، منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر.


Trending Plus