رعاية القلوب

عصام محمد عبد القادر
عصام محمد عبد القادر
بقلم عصام محمد عبد القادر

القلبُ هذا الجزءُ الذي يُعدُّ سيِّد الجهاز الدَّوْريِّ، كونه المضخَّة، التي تدفع للجسْم كلِّه الدِّماء المُحمَّلة بأكسِير الحياة، وهو الأُكْسِجين، ناهيك عن متلّون الغذاء، الذي قد مدَّنا بالطاقة الَّلازمة لمناشطنا المُتعدِّدة، والمُخْلِص في ذات الوقت، مما لا يحتاجه الجِسْمُ، إنه يؤدي دور المُنسَّق؛ فإذا ما حدث له أيُّ خلل؛ فإنه يؤثر مباشرة على سائر هذا الجَسَد؛ فحيويَّة الإنسان مرتبطة بسلامة هذا العُضْو المرْكزيِّ، وعلى ذلك نحْرص دومًا على ممارسة كل ما يحافظ على صِحَّة قلوبنا، سواءً بالرِّعاية الماديَّة، أو المعْنويَّة؛ فكلتاهما متكاملتان، لا تنْفكَّان عن بعضهما البعض.

هنالك رعايةٌ يستحقُّها القلبُ، تكْمُنُ في طهارته، ليس الأمر مُتعلِّقًا ببقاء الدِّماء، التي تسير في أوْردته، وشرايينه، وإن كان الأمر لا غنى عنه؛ لنضمنَ أن يعمل بكفاءة؛ لكنَّ المقْصدَ يتمثَّلُ في إخلاص النَّوايا، وحُسْن الظَّن، وصلاح المُعْتقد، ونقاء الفكر؛ فهذه صفاتٌ تُهيئُ البيئة المواتية؛ كي تصفو قلوبَنا، ويبدو نبْضها هادئًا، لا تُؤثِّر فيه مُتقلِّبات الحياة، من حُزْنٍ، أو فرح، أو نَصَبٍ؛ فقد صارتْ المخاوفُ مُبدَّدة؛ حيث يمتلأُ القلبُ بنور الإِيْمان، والتعلُّق بربِّ كل شيء، ومليكه؛ فلا يرْتابُ من قدرٍ، ولا يجْزعُ، أو يفْزعُ من مشيئةٍ قد كُتِبتْ.

رعايةُ القلْب تكْمن في إصْلاحه، وصلاحه؛ فلا مجالَ إلا أن نعمل على نقاء السَّريرة؛ فنُخْلصُ في الأقوال، والأفعال معًا، ونحاول جاهدين أن نهْجُرَ كل سُلُوك يُكرِّس التَعوُّدَ على آثامٍ، من شأْنها أن تُغلَّفَ قُلوبُنا بغشاوةٍ، لا ترى من خلالها أبصارُنا الطَّريقَ القويمَ، بل، تزْدادُ هرْولتُنا نحو المعاصي؛ ومن ثم نُجرِّد النَّفس اللَّوامة من مُهمِّة أصيلة؛ إذ تجْعلُنا نعود من طريق يكْسُوه الضَّبابُ إلى طريق مسْتنير بالهداية، والرَّشاد، ترتاح فيه الأنْفسُ، وتهْدأُ نبضاتُ القلوب، فلا تشْقى في الحياة، وبعد الممات.

قُلوبُنا في احتياج أن تفارقَ صُور النِّفاق، التي قد ملأتْ الأرْجاءَ، وأضحتْ الحياةُ صاخبةً بأحداث مؤْسِفةٍ، يُقْهرُ فيها الضَّعيفُ، ويتملَّكُ زِمامَها أصحابُ النُّفُوذ، ممن يحْسِنون التلُّون، والوُصُول إلى مآربهم، ولو كان على حساب حقوق الآخرين، وهنا نؤكد بيقين راسخٍ أن قلوب هؤلاء قد باتت مريضةً، ولا يُرْجى شِفاؤُها، رغم العديد من الإنْذارات، التي قد تلَّقتْها؛ لكن طُمسَتْ الغريزةُ في صوْرتها، غير المُنْضبطة على كل ما نادت به قيمُ الإصْلاح، والصَّلاح، واسْتُبدلتْ بخلقٍ دميمٍ، يعضِّدُ حُبَّ الذَّات، وتقْديم المصْلحة الخاصَّة، عما سِواها، ولا يُضارُ في مقابلها الجُمُوعُ.

تحوز قلُوبُنا الطُمأنينة، والسَّكينة، إذا ما حرْصنا على أن تنْضُجَ قُلُوبُنا في رحاب الثِّقة بالله – تعالى –، وهنا نتحدَّثُ عن التسليم مع العمل؛ حيث يتوجَّبُ علينا أن نأخذَ بأسباب، ومُسبِّبات الصَّلاح، والإصْلاح، ثم نترك ما تؤولُ إليه النتائجُ؛ فما يُصِيبُنا من خير فبفضلٍ من العليِّ القدير، وما يمسُّنا من ضُرٍّ، فبإرادة السَّميع العليم، وهنا تزداد نُوْرانيَّةُ قُلُوبِنا؛ لتصبحَ كاشفةً، ومُلْهمةً، وداعمة لكل صور الخير، ومُحفِّزة للمُضيِّ قُدُمًا في أسْرابه، التي يُثْمِرُ عنها الخيرَ للبشريَّةِ جمعاءَ؛ حينئذٍ ندرك ماهيَّة الإنسانيَّة في صوْرتِها الحقيقيَّة.

ثمْرة رعاية القُلوب نراها في توجيه جوارحِنا إلى سُبُل الطَّاعة بكل أشْكالها؛ فترصد التَّسامح بين بنِي البشر، جرَّاء قلوبٍ، مليئة بالطِّيبة، والمحبَّة، والتواضع وسرعة الرجوع إلى الصَّواب، والشَّجاعة في الاعتراف بالخطأ؛ لذا تجد الإحسان بديلًا لصور الانتهاكات، التي قد أضْحتْ تزخر بها مُفْرزاتِ الفضاء الرَّقميِّ، الذي يبعث بمشاهدَ تُدْمي القُلُوبَ؛ حيث الإفراط في الانتقام، والقسْوة المتناهية، والجفاء غير المحدود، والكراهية، التي تُترْجمُها أفعالٌ خسِيسةٌ، لم تعتدْ أنْظارُنا رؤْيتها؛ عندئذٍ نقول أن القُلُوبَ قد باتت مُضْطرِبةً، ولا بد أن نُقدَّم لها العلاج الناجز على الفور.

بصيرة القلب نُرْزق منها صور الهداية في كل ما نسْعى، وما نقصد، وتلك البصيرة نتحصَّلُ عليها من رعاية القلوب، من خلال تعْويد النَّفس على الاستقامة، وتجنُّب الانغماس في بحور الشُّبهات، والشَّهوات على حدٍّ سواءٍ؛ لذا ما علينا إلا أن نحاول، ونصْدق النيَّة فيما نفعل، ونتمسَّكُ بثوابت قيمنا النبيلة، ونسأل الله – تعالى – أن يرزقنا الهُدى، والتُّقى، والعَفاف، والغِنى، وندعوه قائلين "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ".

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد مشروع شركة المانع القابضة القطرية بالسخنة

جنايات المنصورة تحيل أوراق عربي الجنسية للمفتي لقتله صديقه وقطع جزء من جسده

ضبط المتهمين بإشعال النيران فى شخص أمام زوجته وإصابته بحروق خطيرة.. صور

الطقس غدا.. انخفاض بالحرارة وأمطار وشبورة والصغري بالقاهرة 13 درجة

وزير الداخلية يعتمد نتيجة قبول دفعة جديدة بأكاديمية الشرطة للعام 2025/2026.. قبول 2757 طالبا بعد اختبارات دقيقة بأحدث التقنيات.. 48 ألف متقدم والنتيجة تعتمد على الشفافية.. اختيار عناصر نسائية وخريجى الحقوق


نتيجة كلية الشرطة 2026 كاملة لجميع التخصصات.. بالأرقام

بدء إبلاغ المقبولين بكلية الشرطة بنتائج القبول للعام الدراسى الجديد

مستشار الرئيس للصحة يوصى بالبقاء بالمنزل عند الشعور بأعراض الأنفلونزا "A"H1N1

سعد الصغير ينتقد غياب المطربين عن عزاء أحمد صلاح: مهنتنا مناظر أمام الكاميرات

5 آلاف إثيوبي ملزمون بمغادرة أمريكا خلال 60 يوما.. ما السبب؟


قبول 800 طالب من الحاصلين على الثانوية بأكاديمية الشرطة

وزير الداخلية يعتمد نتيجة قبول دفعة جديدة بأكاديمية الشرطة

تفاصيل عرض المليون دولار من برشلونة لضم حمزة عبد الكريم وموقف الأهلي

اعرف الرابط الرسمى للاستعلام عن نتائج اختبارات كلية الشرطة

دموع وتصفيق وأرقام قياسية فى ليلة عودة محمد صلاح التاريخية.. فيديو وصور

اعرف كيفية الحصول على نتيجة كلية الشرطة لعام 2025/2026

متى تنتهى انتخابات مجلس النواب 2025 بشكل نهائى؟.. اعرف آخر موعد

حكام مصر الستة يتوجهون إلى المغرب للمشاركة فى أمم أفريقيا

التنمية المحلية: تخفيض رسوم ترخيص المحال العامة لمدة 6 أشهر بنسبة تصل لـ50%

إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى