سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 أغسطس 1953.. إذاعة صوت العرب تحرض المغاربة ضد نفى الاحتلال الفرنسى للسلطان محمد الخامس.. و«علال الفاسى» يبكى أثناء تسجيل كورال أطفال نشيد «يا مليك المغرب»

كانت الساعة السادسة مساء يوم 20 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1953، حين انطلق صوت المذيع الشهير أحمد سعيد عبر برنامج «صوت العرب»، محرضا الشعب المغربى على الثورة ضد الاحتلال الفرنسى الذى قام بالقبض على السلطان محمد الخامس لنفيه وأسرته إلى مدغشقر.
كان ما فعله أحمد سعيد «الانطلاقة الأولى لثورية صوت العرب»، حسبما يؤكد هو فى مذكراته غير المنشورة «بحوزتى نسخة منها»، كاشفا فيها قصة «صوت العرب»، منذ تأسيسها كبرنامج إذاعى مدته نصف ساعة على يد فتحى الديب ضابط المخابرات ومسؤول دائرة الشؤون العربية برئاسة الجمهورية يوم 4 يوليو 1953 بإشراف الشاعر صالح جودت، ثم زيادة البرنامج إلى ساعتين، وتولى «سعيد» مسؤوليته بدلا من «جودت»، ثم تحوله إلى محطة إذاعية بنفس الاسم.
فى هذه المذكرات «غير المنشورة»، يوجد فصل كامل وطويل يمكن أن يكون كتابا مستقلا بعنوان «المغرب والانطلاقة الأولى لثورية صوت العرب»، يكشف «سعيد» قصة «صوت العرب» مع حدث نفى محمد الخامس من المغرب وحتى عودته يوم 16 نوفمبر 1955 بتأثير نضال الشعب المغربى ضد الاحتلال الفرنسى، كما يكشف عن الأسرار التى دارت فى كواليس استديوهات الإذاعة وأماكن أخرى، والاتصالات السرية مع محمد الخامس فى منفاه والذى استمر أكثر من عامين فى مدغشقر.
يكشف أحمد سعيد، أنه كان موجودا فى مبنى الإذاعة الساعة الثالثة عصرا وقت تلقيه خبر اعتقال ونفى محمد الخامس، فاتصل بفتحى الديب، ثم الزعيم المغربى المقيم فى القاهرة علال الفاسى، والشاعر صالح جودت الذى كان يتناول الغذاء مع الشاعر الدكتور إبراهيم ناجى والموسيقار والإذاعى مدحت عاصم، وحضر الجميع ثم ذهبوا إلى مبنى مجلس قيادة الثورة للقاء زكريا محيى الدين وجمال عبدالناصر لمناقشة كيف سيتم تعامل «صوت العرب» مع الحدث.
بدت ملامح موقف مصر من تعليق أحمد سعيد الذى أذاعه فى الساعة السادسة، وقال فيه: «أيها الإخوة العرب.. أيها الإخوة فى المغرب..اليوم عزل الاستعمار الفرنسى سلطانكم محمد.. ولماذا، لأنه أبى أن يوقع ظهائر مراسيم تكبلكم بالمزيد من القيود، وتفرض عليكم المزيد من الهوان، وإذا شهدتم موكبه سجينا يمضى به المستعمرون إلى المطار والمنفى أشعلتموها ثورة غضب يجب أن تطول وتدوم حتى تعرضوا عودته حرا إلى بلد حر، ونحن هنا فى صوت العرب من القاهرة، نحن معكم، نحن وكل عربى ومسلم، وفى أفريقيا وآسيا والدنيا كلها، فقاتلوا حتى النصر وصابروا حتى الفوز، وليكن لكم فى تضحية السلطان مثل يحتذى به، وليكن لكم فى قول المصطفى إيمان يقتدى..والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته.. ودائما أبدا يظهر الله أمره لمن وفى بالعهد.. يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.. صدق الله العظيم».
يذكر «سعيد» أنه تلا اسم الله العظيم، نشيد «النصر لنا، وبإذن الله النصر لنا»، وأعقبة تقديم الزعيم المغربى علال الفاسى لحديث طلب تسميته بالنداء، وينشر «سعيد» نصه كاملا فى مذكراته، مؤكدا: «اشتهر هذا النداء فى تاريخ المغرب المعاصر بـ«نداء القاهرة»، ويكشف عن قصة مؤثرة جرت بينه وبين «الفاسى» أثناء عودتهما من مبنى الاستديو، قائلا: «أسر إلىّ فى تردد بأن لديه نشيد فى تحية الملك، من تأليفه وتلحينه وسبق إنشاده فى الثلاثينيات، وأن كل ما يحتاجه لتسجيله هو موسيقار متخصص فى كتابة نوتة موسيقية وعازفين ومجموعة كورال من الأطفال».
يكشف سعيد: «لم تمض ساعات فى ذلك الليل إلا والنوت الموسيقية تمت كتابتها، والعازفون تدربوا على اللحن، أما كورال المنشدين من الأطفال فتعهد محمد حسن الشجاعى مستشار الإذاعة للموسيقى والغناء بوجود عشرين طفلا، عشرة منهم معتمدون إذاعيا فى سن العاشرة كمنشدين لما يناسبهم، وعشرة آخرون بين السادسة والثامنة من العمر».
يذكر «سعيد»: «أصر الفاسى على طلبهم ليتبادلوا مع الأكبر سنا أبيات النشيد وشطرات منه».. يضيف: «عانى الشجاعى وهو يدرب الأطفال الذين كانت كل خبرتهم إنشاد «يالا حالا بالا غنوا لأبوالفصاد» و«سنة حلوة يا جميل» فى ركن الأطفال مع محمد محمود شعبان «بابا شارو»، وما أعظم ما حصلنا عليه يومها من نشيد، فقد كان لاستخدام مجموعتين مختلفتين فى العمر تتداخلان بإنشادهما أبيات النشيد تأثير فورى مباشر على جميع من سمعه من إذاعيين تصادف وجودهم فى غرفة الهندسة أثناء تسجيله واعتماده، أما علال الفاسى الذى كان عمره يومها يقترب من الستين فقد اغرورقت عيناه بدموع، وراح يتمتم بكلمات النشيد مع الأطفال والذى يقول مطلعه: «يا مليك المغرب/ يا ابن عدنان الأبى/ نحن جند للفدى/ نحمى هذا الملك/ عرش مجد خالد/ماجدا عن ماجد/ قد بناه الأولون/ فى شموخ الفلك».

Trending Plus