خالد دومة يكتب: إرادة أنثى

لا أدرى كيف يصبح بعض الرجال أمام زوجته كأنه طفل صغير؟ يمتلأ بالخوف، يقف أمامها وقد احمر وجه، واستعد للعقاب، كنت أرقبه عندما علا صوت زوجته عليه وتوعدته، وكانت هى ذلك المارد الذى يبعث فى نفسه ضآلته وضعفه وركونه، وإذعانه لما تأمر به وما تفرضه.
حيرت كثيرا في تفسير موقفه، هل هو خائف من بطشها، أن تمد يدها عليه وتطيح به، إن ذلك لن يكون أبدا، فهي لم تمد يوما يدها عليه، فلماذا كل هذا الخوف؟ إنها لا شك أكثر ذكاء منه في معالجة الأمور ومواجتها، ولكن ليس مبررا في خوفه الشديد منها، ووقوفه عاريا من شخصيته ورجولته، التي بعثرتها أمامنا، هل راجع إلى ضعفه في الفراش؟ لذا يتحمل كل هذا الهوان، لا أدري؟ فهو دائما يسقط من تل مرتفع على وجهه أمامها وأمام سطوتها، ولكن لماذا لا ترحم ضعفه؟ وتتعمد إهانته.
كل هذا جعلني أفكر في أمر تلك المرأة وطبيعتها، فهي في حالة من حالاتها تستمتع بموقف الرجل حين يخلع أمامها زي رجولته، ويبدو كطفل صغير مرتبك، يخشى العقاب دائما، إن قيادته سهلة بالنسبة لها، فهو مطيع لا رأي له أمام رأيها، ولا كلمة له تنفذ إلا إذا صرحت هي له بذلك، هل تسعد المرأة حين ترى رجلها بهذا الخنوع؟ إن طبيعتها تأبى ذلك، لعلها بينها وبين نفسها تتألم، تنظر إلى هؤلاء الرجال الذين يتولون قيادة بيوتهم، فتحزن لأن الحياة تضعها موضع غير طبيعي، إنها تمارس دورا ليس دورها، وتعيش حياة ليست حياتها.
إن المراة تحتاج إلى ذلك الرجل الذي يتحمل عبأ الحياة، ثم تعيش في ظله تنعم بأنوثتها بين يديه، إنها تضع الرجل موضع الاختبار وهي تتمنى أن ينجح، تتمنى لو أنها نالت هزيمتها على مذبح إرادته القوية، فتلمس يدها الناعمة تشد من أزرها وتمنحها القوة والطلاوة، فتصطبغ بها، أليس هذا ما ترجوه، تتمناه في قرارة نفسها، إنها دائما ما تحتاج أن تذكر نفسها بأنوثها الناعمة، أمام رجل قوي، إنها تخوض المعركة، وهي أشد ما تتمنى هزيمتها، لترفع رايته خفاقة في ساحة أنوثتها المتوهجة، إنها لا تريد أن تمنح أنوثتها إلا لذلك الرجل، تهديها إليه راضية، عن طواعية، وفي قلبها حب غامر لذلك المنتصر، ما أشد ما تكذب على نفسها حين تتمنى شيء، وفي قرارة نفسها عكس ذلك، أليس جميل أن نفهم تلك الطبيعة ما تحتاج إليه، وما ترغب فيه، كي تستمر الحياة ناجحة بين الاثنين، فيمارس كل منهما دوره المنوط به في الحياة دون إجحاف، دون أن تتبدل الأدوار، فتصير الحياة بوجه مشوه، إننا نرى ألاف ممن فرقتهم الحياة، بعد أن كان التوافق والإنسجام هو القائم بينهم، فاذا ما خل التوازن وأنعكست الأمور أنقلبت، فتتهدم بينهم الألفة، ويبهت الانسجام، حتى يصبح تنافر لا علاج له إلا الانفصال والابتعاد.

Trending Plus