سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 أغسطس 1970.. عبدالناصر للملك حسين: «نجاح الحل السلمى ما زال بعيدا والأمريكان كدابين ويعملون من أجل ضم إسرائيل لأراض عربية جديدة إليها وهناك تفكك عربى»

فى قاعة الاجتماعات الكبرى بقصر رأس التين بالإسكندرية عقد الرئيس جمال عبدالناصر اجتماعه مع العاهل الأردنى الملك حسين، ثلاث ساعات متواصلة، بحسب محضر الاجتماع فى كتاب «من محاضر اجتماعات عبدالناصر العربية والدولية.. 1967 - 1970» إعداد عبدالمجيد فريد «الأمين العام لرئاسة الجمهورية من 1959 إلى 1970»، والذى حضر اجتماعات عبدالناصر وقام بتدوينها بخط يده، مما مكنه فى كتابه من «تقديم عبدالناصر خالصا وصادقا تماما كما كان، وكما يجب أن يعرفه الناس»، وفقا لرأى الكاتب الكبير محمد عودة فى مقدمته للكتاب.
فى هذا الاجتماع يدق جرس إنذار تفجر الاقتتال الفلسطينى الأردنى المعروف تاريخيا باسم «أيلول الأسود»، والذى بدأ فى الأسبوع الأخير من سبتمبر 1970، كما كشف الاجتماع مقدار المخاوف من تأثير الأوضاع العربية سلبيا على القضية الفلسطينية والتى انتهت إلى ما نحن عليه الآن.
بدأ الاجتماع بترحيب عبدالناصر بالملك حسين، والثناء على موقف الأردن الذى دخل حرب 5 يونيو 1967، وتأكيده على أنه لم يكن يرغب فى إقحام الجيش الأردنى فيها، ورد حسين بأنه فعل ذلك تلبية للواجب وما تمليه المسؤولية العربية عليه، وأضاف موجها كلامه لعبدالناصر: «نحن فى الأردن نقدر زعامتك ومواقفك الوطنية التى تعبر عن شعور كل عربى أصيل تعبيرا صادقا».
يؤكد «فريد»، أن الملك حسين أعطى إشارة برأسه إلى رئيس وزرائه عبدالمنعم الرفاعى، ليتكلم، ويلقى ما لديه من أسئلة، فقال الرفاعى، إنهم فى الأردن يفتقرون إلى وضوح الرؤية بالنسبة للموقف السياسى فى الوقت الحاضر، ثم طرح أسئلته، حول ما إذا كان اتفاق تم بين أمريكا وروسيا بخصوص الصراع مع إسرائيل، وهل هناك تصور لدى روسيا عن كيفية الحل؟ وقال الرفاعى إنه من الملاحظ أن أمريكا وروسيا وحتى الدول الكبرى غير جادة فى طرح حل للمشكلة رغم مضى شهر على مبادرة «روجرز»، وزير الخارجية الأمريكية.
انطلق عبدالناصر مجيبا: «الموضوع معقد كثيرا وليس سهل الحل، وأساس المشكلة أن هناك تفوقا عسكريا إسرائيليا، فى نفس الوقت هناك تفكك عربى، فمثلا إذا حسبنا حجم وقوة جيوش الدول العربية نجد أنفسنا متفوقين على إسرائيل، ولكن نحن عدة جيوش، وعدة قيادات، بينما هم جيش واحد وقيادة واحدة، بالإضافة إلى أن هناك بيننا من يريد أن يتجاهل الاشتراك أو المساهمة الإيجابية فى المعركة بحجة أن فلسطين من مسؤولية الفلسطينيين فقط، عامة خطتنا الاستراتيجية فى مصر الآن هى العمل على إزالة آثار العدوان، وتحرير الأرض العربية المحتلة مع عدم التنازل عن أى شبر منها بما فى ذلك القدس، كذلك تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن فلسطين، وبالنسبة للإعداد العسكرى فإننا نعمل على بناء قواتنا المسلحة لتصل إلى مليون مقاتل، وفعلا ستصل قواتنا خلال ديسمبر إلى ثلاثة أرباع مليون مقاتل، من هنا فإن عبور القناة وتحرير سيناء ليس هدفا وإنما واجبا علينا».
وقال عن العمل السياسى: «هاجمنى البعض فى تحركى السياسى الأخير متسائلين: كيف لنا أن نقبل وجود إسرائيل؟ علما بأن الجميع يدركون تماما أننا كعرب سبق وأن وافقنا على وجود إسرائيل فى اتفاقية 1949، وسبق أن قلت لكم (موجها حديثه للملك حسين) أن تذهب لأمريكا وترجو الرئيس جونسون أن يعيد الضفة الغربية، ولكن أمريكا تجاهلتكم لأن لديها ما هو أهم من ذلك، وهو رغبة حليفتها إسرائيل فى ضم أراض عربية جديدة إليها».
يضيف عبدالناصر: «فى رأيى أن نجاح الحل السلمى ما زال بعيدا، والأمريكان ناس كدابين، ولكن رغم ذلك قبلنا المبادأة السياسية الأخيرة (مباردة روجرز) لسبب رئيسى، وهو أن نستكمل إعدادنا العسكرى، وإن ننتهى من التحضيرات اللازمة لخطتنا العسكرية، لأننا فى الآخر احنا سنحارب، طبعا ثقتى فى الولايات المتحدة ضعيفة، ولكن يحتمل ولو بنسبة نصف فى المائة أن تكون هناك لعبة دولية قد تؤثر على حل المشكلة لصالحنا».
وقال: «تحرير فلسطين لن يتم فى ستة أيام ولا فى ست سنين، إذن مين اللى سيحرر من النهر إلى البحر؟ وفى كم سنة؟ هذه أمور لا بد من توضيحها إلى جماهيرنا العربية بصراحة تامة، أنا أعتقد أنه علينا الآن واجب أن نزيل آثار العدوان، ونعيد الأرض العربية التى احتلها اليهود، ثم بعد ذلك من الممكن أن نناضل تحت الأرض لتحرير أرض فلسطين، لتحرير حيفا ويافا».
وأضاف: «أنا قابلت قيادات المقاومة الفلسطينية، وقلت لهم إن حقكم أن ترفضوا مبادرة روجرز، وترفضوا الحل السلمى حتى لو وافقت عليه جميع الدول العربية»، ووجه حديثه إلى الملك حسين راجيا أن لا يهاجمهم أو يعمل ضدهم، لأن المستفيد هو العدو الإسرائيلى، وأضاف: «جلالة الملك أرجو أن تأخذهم بالصبر حتى لو غلطوا من أجل شعبكم ومن أجل الشعب الفلسطينى، ولا تنسى أن سيدنا أيوب كان من سكان نهر الأردن، وأرجو أن نتشاور دائما فى هذا الموضوع».

Trending Plus