هل كانت هناك عربة مخصصة لنقل الموتى فى مصر القديمة؟

لطالما أثارت الطقوس الجنائزية فى مصر القديمة دهشة العالم وإعجابه، نظرًا لما اتسمت به من عظمة ورمزية وروحانية عالية، ومن بين الجوانب التى تثير التساؤل لدى البعض فى هذا السياق: هل كانت هناك عربة مخصصة لنقل الموتى فى مصر القديمة؟ وهل فكرة "عربة نقل الموتى" اختراع حديث أم أن جذورها تمتد إلى أعماق التاريخ الفرعونى؟
المراكب لا العربات
في الحقيقة، كانت المراكب هي الوسيلة الأساسية لنقل الموتى في مصر القديمة، خصوصًا في الطقوس الرسمية لجنازات الملوك وكبار الكهنة والنبلاء، كان نهر النيل يمثل محورًا روحيًا وجغرافيًا في الحياة المصرية القديمة، بل كان يعد الطريق الإلهي المؤدي إلى "الغرب"، أي إلى عالم الموتى.
ويقول عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير إن نقل الجثمان في مركب عبر النهر من الضفة الشرقية "عالم الأحياء" إلى الضفة الغربية "عالم الأموات" لم يكن مجرد وسيلة تنقل، بل كان جزءًا لا يتجزأ من طقس مقدس يعبر عن رحلة الروح إلى الحياة الأبدية، وقد صورت العديد من النقوش والمناظر الجنائزية فى المقابر والمعابد هذه المراكب التي تحمل التابوت وتتبعها مراكب أخرى لأهل المتوفى والكهنة والمرتلين.
دور العربات
أما العربات ذات العجلات، فقد ظهرت في مصر خلال الدولة الحديثة "الأسرة الثامنة عشرة"، بعد دخول الهكسوس، وكانت تستخدم أساسًا في الحروب والمهام الرسمية وليس في الجنازات، كانت العربة تجرها الخيول وتستخدم من قبل الفرعون وقادة الجيش في ساحات القتال أو الاستعراضات الملكية، ولم يثبت حتى الآن من خلال الأدلة الأثرية أو النقوش أن العربات كانت تستخدم لنقل الموتى في مصر القديمة، وفقًا لما أشار إليه الدكتور حسين عبد البصير.
مشاهد نادرة ومفاهيم مغلوطة
قد تثير بعض الصور المنتشرة أو التمثيلات الفنية الحديثة على وسائل التواصل الاجتماعي ــ والتي تظهر عربات بأربع عجلات تحمل توابيت ــ اعتقادًا خاطئًا بأن هذه كانت وسيلة نقل الموتى في العصور الفرعونية، لكن لا دليل أثري موثوق يؤكد استخدام مثل هذه العربات لهذا الغرض، بل غالبًا ما تكون هذه الصور ناتجة عن إسقاط المفاهيم الحديثة على الماضي، أو فهم غير دقيق لبعض المشاهد.
أهمية العودة إلى المصادر
ولفت الدكتور حسين عبد اليصير، إلى أن الدرس الأهم الذي يجب أن نتعلمه من هذا الجدل، هو ضرورة الرجوع إلى المصادر الأثرية والعلمية الموثوقة في فهم حضارتنا المصرية القديمة، وعدم الانسياق وراء الصور والمقولات المتداولة على الإنترنت دون تمحيص، فالحضارة المصرية تستحق منا قراءة متأنية وعاشقة، تُنصف عظمة الماضي وتضع الأمور في نصابها الصحيح.
إن الموكب الجنائزي في مصر القديمة كان حدثًا روحانيًا عظيمًا، تتلاقى فيه الطقوس الدينية مع المفاهيم الكونية، وكان نقل الجثمان عبر نهر النيل في مركب مقدس يعد ذروة هذا الطقس، أما "عربة نقل الموتى" بالمفهوم الحديث، فهي وليدة العصر الصناعي الحديث، ولا تمت بصلة مباشرة إلى مصر القديمة، إلا إذا كنا نتحدث عن مركب الشمس أو زورق الأبدية، الذي حمل ملوكنا العظام في رحلتهم إلى الخلود.

Trending Plus