سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 أغسطس 1948.. استشهاد البكباشى أحمد عبدالعزيز قائد المتطوعين ضد العصابات الصهيونية محققا أمنيته بالموت فى ميدان القتال على أرض فلسطين

كانت الساعة بعد الثامنة بقليل مساء 22 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1948، حين سجلت الوثائق الرسمية للقيادة المصرية أول حرف فى قصة استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز على أرض فلسطين، حيث تلقت رسالة بالشفرة من الفالوجة نصها: «إلى المستشفى العام، جهزوا حجرة العمليات، أحمد عبدالعزيز جُرح»، وأحدثت الرسالة ارتباكا، ومعها أسئلة، كيف جرح؟ وما الذى أدى به إلى الفالوجة؟ ومن أصابه؟ وما مدى خطورة الإصابة؟ حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى مقاله التحقيقى بعنوان «ومضى عام.. كانت أمنية أحمد عبد العزيز أن يموت فى الميدان وتحققت الأمنية»، والمنشور بمجلة «آخر ساعة، 24 أغسطس 1949».
كان هيكل يغطى حرب 1948 ميدانيا فى فلسطين، وارتبط بعلاقة مع الشهيد، ويكشف فى مقاله: «فى مقر القيادة العليا للجيوش العربية جلس اللواء المواوى (قائد القوات المصرية فى فلسطين) يتحدث مع هيئة أركان حربه عن الرسالة المثيرة، وبعد دقائق، دخل ضابط الإشارة يبكى، وفى يده برقية ناولها الى القائد العام، فأمسك بالرسالة وكانت ألفاظها عادية، ومع ذلك ما كان أقسى النبأ الذى تحمله، كان نصها: «إلى المستشفى العام، لا لزوم لغرفة العمليات استشهد أحمد عبدالعزيز».
بوصف «هيكل»: «كانت أمنية أحمد عبدالعزيز أن يموت فى الميدان وتحققت الأمنية، وكالشهاب لمع فى حياة بلده، ومر مرورا خاطفا ثم مضى، وما أكثر الضوء الذى تركه وراءه، إنه ما زال حتى الآن ينير الطريق لكثيرين، وسوف ينير غدا وبعد غد وإلى الأبد ما بقيت فى حياة مصر مثل عليا».
سلك أحمد عبدالعزيز طريقه إلى فلسطين بتقديمه طلبا للجيش فى 20 أبريل 1948 لإحالته الى الاستيداع ستة أشهر للتطوع خلالها، وبعد شد وجذب تم قبول طلبه، كما تقرر إسناد مهمة قيادة المتطوعين إليه، وكان برتبة «بكباشى»، وأحدث هذا القرار ارتياحا وترحيبا عظيما عند المتطوعين.
وتكشف «آخر ساعة» فى عدد 722، 25 أغسطس 1948، أنه أمضى أسبوعه الأخير مندفعا كالعواصف الجارفة، وكانت معركة القدس التى بدأت فى 17 أغسطس 1948 معركته وحده، ومعركة قواته وحدها، وفيها أجبر العصابات اليهودية الصهيونية على الانسحاب، من المواقع التى احتلتها فى قرية «صور باهر» على حدود القدس.
وتضيف «آخر ساعة» أنه فى يوم استشهاده كان فى طريقه لمقابلة اللواء المواوى بك، وفى الساعة السادسة هبط بسيارته الجيب المكشوفة من بيت لحم فى طريقه إلى الخليل، ولم يدخل الخليل بل انحرف إلى اليمين فى الخط الشرقى نحو البحر، وكان فى هذا كله يمر فى خطوط قواته هو، وفى الساعة السابعة مر بآخر نقطة ملاحظة تابعة له، وأدى له حراسه التحية العسكرية، ثم انطلق بسيارته على آخر سرعتها، وفى الساعة الثامنة وعشر دقائق رفع قدمه من فوق مفتاح البنزين، فهدأت سيارته قليلا دون أن تتوقف، ثم عاد وضغط عليه مرة أخرى لتنطلق بأقصى سرعتها، وفى أقل من نصف دقيقة انطلقت رصاصة طائشة، واستقرت فى جنبه.
بتقدير «هيكل» أن قصة استشهاده بدأت قبل وقوعها بأسبوعين، ويكشف فى «آخر ساعة»: «بدأ يتصرف ويتكلم كما لو كان يعلم أنه سيموت ويريد ذلك فعلا، كان يقضى إجازة فى القاهرة، ولم تكن إجازة بالمعنى المفهوم وإنما كانت كفاحا، وليس سرا أنه كان على وشك أن يجن فى هذه الفترة بسبب ملابس الشتاء اللازمة لقواته، كان المفروض أن الجامعة العربية التى تتولى الإنفاق على قوات المتطوعين ستوفر له هذه الملابس، وتأخر وصولها فطلب إجازة وعاد إلى القاهرة يباشر المسألة بنفسه، وفى الجامعة العربية أحيل من قسم إلى آخر ومن مكتب إلى مكتب».
اقترب العيد ولم تحل مشكلة الملابس، ويكشف هيكل: «أذكر أن أحمد عبدالعزيز قال لى فى هذه الفترة: إنى مضطر إلى السفر لأقضى العيد مع جنودى، قلت له: ابق هنا واقض العيد مع أولادك وانتهز الفرصة واحسم مسألة ملابس الشتاء، وذهبت لأودعه قبل أن يسافر وفجأة أمسك بيدى وقال لى: اسمع هناك وصية، لا تنس أن تهتم بملابس الشتاء لجنودى واذهب إلى عزام باشا (أمين الجامعة العربية) لتذكره بحديثه معى، ودهشت وقلت له لا تقل هذا الكلام، فقال: أعلم أنى سأموت».
يكشف هيكل: «بعد أيام لحقت بأحمد عبدالعزيز فى بيت لحم، وكانت «أخبار اليوم» تريد أن تحصل على مذكراته، ووافق بعد مجهود عنيف، وبقيت حتى يفرغ من الجزء الأول، وفى صباح اليوم المحدد دخل الحجرة التى كنت أنام فيها فى مقر قيادته بفندق «ونستون» وقال لى وهو يناولنى كراسة صغيرة، خد واقرأها الآن وقل لى رأيك فيها».
كان أحمد عبدالعزيز وقت استشهاده يبلغ 41 عاما، فهو من مواليد 29 يوليو 1907، والتحق بالمدرسة الحربية عام 1923 رغم معارضة والده وعائلته ومكث فيها ثلاث سنوات وتخرج وكان ترتيبه الأول على دفعته.

Trending Plus