عصام عبد القادر يكتب عن استراتيجيات تفكيك الأوطان: الغزو المباشر.. الإرهاب الأسود.. غياب الديمقراطية المسئولة.. الانهيار الاقتصادى الممنهج.. الإعلام غير الهادف.. الفساد المؤسسي.. إضعاف منظومة القيم

ندرك أن التدخلات العسكرية المباشرة، التى تستهدف الغزو، أو الاحتلال تحت أية ذريعة، تحكمها حسابات دقيقة لمن يقوم بهذا العمل العنيف؛ حيث لديه دراية مسبقة بأن الطرف الآخر لا يمتلك قوة الردع الغاشمة، أو سرعة الرد، التى من شأنها أن تدحر محاولات الاحتلال؛ ومن ثم تستطيع الدول القوية أن تفكك الدول غير المتماسكة، أو التى قد نصفها تجاوزًا بالضعيفة؛ قد يكون لمحدودية مواردها، وتجهيزاتها العسكرية، أو لصعوبة الدعم اللوجستى من الدول الحليفة، أو لتفكك، وتصدع الجبهة الداخلية بها؛ حيث ندرة الدعم، والاصطفاف خلف المؤسسة العسكرية، التى مخوّل بها أن تدافع عن أمنها القومى وحدودها من جميع الاتجاهات.
الغزو العسكرى المباشر يستهدف فى المقام الأول السيطرة التامة من طرف قوى على طرف ضعيف، وهنا يتم القضاء على نظام إدارة شئون الدولة المحتلة، واستبدالها بإدارة تابعة لمن يستخدم القوة العسكرية، كما يتم السيطرة التامة على كافة الموارد المادية، وتقويض صور العمل المؤسسى فى شتى المجالات، وتعطيل كافة المداخل، والمخارج بهدف الإذعان التام، وإحكام القبضة الأمنية على الشعب، والكيانات فى آن واحد، ناهيك عن فرض سيناريوهات من شأنها تسير الشئون المعيشية بشكل مؤقت.
جراء الغزو العسكري، والاحتلال، يسهل تفكيك الدول، وتبديد جهود تنميتها، وتقويض نهضتها، والاستيلاء على مقدراتها؛ بالإضافة إلى العمل الممنهج تجاه التقسيم، الذى يضير حتمًا بالتركيبة الجيوسياسية لجغرافية تلك الدولة، وهنا نتوقع مزيدا من التوتر، والصراعات، والخروج عن النظم، التى تفرض على المجتمعات؛ ومن ثم يزداد لهيب الفتن، وتبدأ مراحل الحروب بكافة تنوعاتها، سواءً أكانت طائفية، أم قبلية، أم أيدولوجية، وبذلك نكون قد وصلنا إلى مرحلة ضياع الأوطان، ودخول شعوبها فى أنفاق مظلمة، يصعب الخروج منها إلى عقود من الزمان.
تمويل الإرهاب استراتيجية تعتمد عليها دول لها أجندات، ومخططات ضد أوطان مستقرة؛ لكن سيناريوهات النيل منها بدايتها من تشويه الفكر، خاصة لدى ثروتها البشرية؛ لتصبح مهيأة لأن تقوم بمهام يتم التدريب عليها، من خلال عمليات تكتيكية شديدة التعقيد؛ حيث التمويل غير المباشر، والتدريب فى أرض مؤمنة، وتعزيز الفكرة الشائبة، التى من أجلها يتدافع المغيبون؛ كى يحققوا مآرب، ومخططات تم تجهيزها وفق متغيرات بعينها، وتحت رعاية مباشرة من الدول الداعمة، التى تنشد تفكيك تلك الأوطان بيد منتسبيها.
الدول الداعمة للإرهاب الأسود تعمل بحرفية على تعضيد ادعاءات، وأباطيل الجماعات الإرهابية؛ لتخلق لها غطاءً يساعدها فى تحقيق مآربها، غير السّوية، وهذا الأمر يجعلنا على دراية بأن إصابة المجتمعات بحالة من الذعر، والقلق، وضعف حالة الاستقرار فى شتى مجالات الحياة هدف رئيس للجماعات المموّلة؛ فقد يصل الأمر إلى تعطيل منشآت، وكيانات حيوية بالدول المستهدفة، وهنا تتعالى أصوات تنادى بحلول، من بينها التقسيم، والتفكيك، وفصل المقدرات بما يضير بصورة مباشرة بالشعوب، والمجتمعات، ويجعلها تحت رحمة، ووطأة العدو، الذى قد أضحى متحكمًا بقوة فى تسيير مناحى الحياة؛ ومن ثم تفقد الدولة المستهدفة بوصلتها، واتزانها؛ لتدخل معترك الصراعات، التى لا تنتهي.
تعد إفشال العملية السياسية داخل الدولة أحد أسباب تفككها، وتشرذمها؛ حيث الفوضى الممنهجة، التى تقوم على فلسفة التدخلات السافرة فى الشأن الخاص بالأوطان، التى تعانى من حالات احتقان، ولدى الطوائف بها جاهزية للخروج عن السياق العام؛ بهدف تحقيق غايات بعينها؛ ومن ثم تدفع الجهات الخارجية فى اتجاه تفكيك اللحمة الداخلية، وإضعاف النسيج الوطني، والسعى وراء اقتناص المكاسب الخاصة على حساب المصالح العليا للبلاد، وهذا فى حد ذاته يؤدى على المدى القريب، أو البعيد إلى إيقاف مسيرة التقدم، والسقوط فى هاوية الصراع، الذى لا ينتهى مداه.
عندما تغيب الديمقراطية فى إطارها المسئول، وتغدو حالة من الارتباك فى الساحة السياسية، وتعلو النعرات الأحادية، التى تستهدف حصد ثمار لفئة بعينها؛ فإن حاجات، ومطالب الشعوب تسقط من الأجندات الحزبية، أو الفردية، وتحل مكانها الوفاء بإشباع الذات، التى لا تعرف الإيثار، وفضيلة العمل العام، وأهمية خدمة المجتمع؛ ومن ثم تزداد حالات القنوط، والإحباط على مستوى الفرد، والجماعة، وتلوح فى الأفق رغبة جامحة فى التخلص من صور الفساد، والإفساد عبر حركات قد تكون مموّلة، أو تلقائية تدعو إلى الخروج عن الأنظمة، وهنا يسهل إيجاد ثغرات، تؤدى إلى بداية مراحل التفكك، التى تضير بالدولة، ومصالح شعبها بصورة مباشرة.
نتفق سويًّا على أن الضعف الاقتصادى للدولة له آثار سلبية على كافة مناحى الحياة؛ لذا فإنه يستغل بصورة غير قويمة؛ من أجل مآرب مغرضة، من خلال أيدٍ خارجية، تعينها، وتخدمها أصحاب القلوب المريضة من الداخل؛ حيث يتم استثمار حالة الاحتقان المجتمعي، التى تتأتى من تدهور الحالة الاجتماعية؛ نتيجة للفروق، والفجوات، التى تحدثها الطبقية، وهذا فى واقع الأمر يفتح المجال للاحتجاجات، ويزيد من حالة الاضطراب، ويؤدى حتمًا إلى مزيد من ضعف الانتاجية؛ نتيجة لتدنى مستويات الأداء، التى سبّبتها الأوضاع الاقتصادية المنهارة.
ندرك أن الانهيار الاقتصادى له العديد من التبعات، والآثار السلبية، خاصة على الجانب النفسى لدى الإنسان؛ فعندما تتفاقم معدلات التضخم، ويعجز الفرد عن الوفاء بسد احتياجاته الأساسية، وتوفير أدنى المستويات المعيشية؛ فإن بعض القيم لديه تتبدل، وتتغير جراء ذلك، منها ضعف درجة، أو مستوى الولاء، والانتماء المرتبطة بماهية المواطنة الصالحة؛ حيث تشويه الثوابت، التى تدعم الهوية الوطنية، وتستبدلها بخيارات منها: خيانة الوطن بأبخس الأثمان، وهنا تبدأ مرحلة التفكك الوطني، التى نخشاها.
الآلة الإعلامية الوطنية المنوط بها، المساهمة فى بناء إنسان يدافع عن مقدرات وطنه، ويصون ترابه، عندما تتبدل رسالتها؛ لتصبح معول هدم، تضير بالفكر، وتعمل على تشويهه، وتغرس المفاهيم المغلوطة، التى تعزز التفرقة، والطبقية، وتحث على رعاية المصلحة الخاصة، دون الالتفات للمصالح العليا للوطن، كما تبث الفتن، وتوجه نحو التدمير، والتخريب، والإطاحة بالنظم المستقرة، سواءً أكان ذلك بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، ناهيك عن إضعافها للمنظومة النسق القيمى النبيلة، التى يتبناها المجتمع، وتسهم فى تماسكه؛ حيث تنشر المحتوى الهابط، الذى يثير الغرائز، ويؤدى إلى العنف المجتمعي، ويدعم صور الشذوذ؛ ومن ثم تنهار الأخلاق، التى يتلوها دون مواربة انهيار المجتمعات.
الفساد المؤسسى أحد الأساليب، التى تطيح بمقدرات الأوطان، وتقوّض تنميتها، وتؤدى حتمًا إلى تفككها، والإضرار البالغ بشعوبها؛ حيث أن غياب المحاسبية، وتطبيق المعايير، وإغفال نتائج التقويم، وتعطيل القانون من أجل مصالح خاصة، ونهب المال العام بطرائق شيطانية، تعتمد على الغش، والتزوير، والتزييف، والفبركة كل هذا، وغيره من الممارسات، التى تنزوى تحت فلسفة الإفساد بكافة صوره يتمخض عنه سقوط الدول فى مستنقع التدليس، والغش الذى يفشل مسيرتها بصورة متسارعة.
نوقن أهمية التمسك بالقيم من قبل المجتمعات التى نصفها بالمتماسكة؛ والتى تشير إلى مجموعة المعايير والمبادئ التى يقرها المجتمع، وتُسهم فى تشكيل معتقد الإنسان، وتصبح لبنة لتفكيره وفحوى لقناعاته، وموجه لسلوكه وفق ما ينبغى القيام به من واجبات، وما يتمسك به من حقوق مشروعة فى أبعاد الحياة الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية والاقتصادية والبيئية والعسكرية والصحية، بما يؤدى إلى تكوين المواطن الصالح الذى يمتلك من الخبرات ما يجعله قادرًا على تحمل المسئولية مواليًا ومنتميًا لتراب وطنه محافظًا على مقدراته وهويته القومية، مضحيًا بنفسه من أجل حماية أمن وطنه القومي، معتزًا بثقافته مفتخرًا بحضارته، مشاركًا فى الإعمار والنهضة.
فى حال غياب منظومة القيم، التى أشرنا إلى ماهيتها؛ فإن تشرذم وتفكك المجتمع، بات أمر متوقعًا؛ حيث أن التخلى عنها بمثابة مفارقة الروح للجسد؛ فلا تجد الحافز الذى يحث على التضافر، والتماسك، والترابط، والتكافل، والتعاون؛ لكن ترى المشهد مفعم بالنفعية، والتهرب من المسئولية، والسقوط فى هاوية النزوات، والبعد عن كل ما يؤدى إلى ضبط السلوك، وحسن التصرف؛ لتجد أن ساحة ممتلئة بالتناحر والتنازع، ونوقن أن استراتيجية إضعاف منظومة القيم تستخدمها دول بعينها؛ من أجل فت عضد تماسك ووحدة الشعوب؛ بغية فرقتها وسهولة النيل من مقدراتها المادية والبشرية على السواء.. ودى ومحبتى لوطنى وللجميع.

Trending Plus