مصر.. حروب فى مواجهة الإبادة ومناورات التهجير

منذ 7 أكتوبر 2023 كان واضحا أن الإقليم أمام جولة تختلف عن الجولات السابقة التى كانت تبدأ وتنتهى خلال فترات محددة، لكن عملية 7 أكتوبر وانعكاساتها، حددت رد الفعل الذى تحول من قبل الاحتلال إلى حرب إبادة بدا أنها كانت جاهزة وفى انتظار خطوة تشعل الفتيل، وخلال الحرب اختلفت الصورة عما كانت عليه فى 7 أكتوبر، اختفت جبهات واختلت جبهات، وبدا أن هناك إطاحة بالثوابت بشكل لم تكن الأطراف التى صنعت «طوفان الأقصى» تعلمها أو تتوقعها، خرجت قوى إقليمية من المعادلة، وتراجعت قوى إقليمية أمام صدام قصير.
ومن المفارقات أو الأسئلة والألغاز، أنه بالرغم من أن هذه الحرب إحدى أكثر حروب المعلومات والاختراقات ضراوة، لكن بدا أن القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية التى اخترقت حزب الله واغتالت إسماعيل هنية فى طهران، عاجزة أو غير مهتمة باستعادة المحتجزين، وكأنها تريد إطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية، تناقضا مع صورة ظهرت فى عمليات الاختراق والاغتيالات لأكثر من 400 قيادة كبيرة فى حزب الله، وعمليات «البيجر» و«تلى توك» وعمليات اختراق وتجسس وزرع متفجرات واغتيال إسماعيل هنية داخل إيران، ثم اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وخلفائه، وليست هذه فقط المفارقات، لكن من بين الألغاز أن الفصائل فى غزة، حماس وغيرها، تقبل التفاوض من الاحتلال ولا تقترب بالقدر ذاته من الفصائل الأخرى وتسعى لتوحيد صف أصبح ضروريا وتعالج تفسخا كان الاحتلال هو الرابح الوحيد منه.
الحرب التى بدأت بـ«طوفان الأقصى» تفاعلت بشكل تجاوز غزة أو الضفة إلى لبنان وسوريا وإلى إيران، لكنها بدت حرب إبادة شنها الاحتلال الإسرائيلى فى محاولة لجعل غزة غير قابلة للحياة، مع ظهور مخططات تهجير قسرى أو طوعى، وهذه التحولات الكبرى تفرض إعادة النظر فى الأولويات والسيناريوهات، وربما يكون الفلسطينيون هم الطرف الأكثر حاجة إلى إعادة النظر فى التعامل، والبحث عن سبيل لوحدة الأطراف والفصائل، بحثا عن مسار موحد، بعيدا عن تجاذبات أيديولوجية أو خلافات سياسية لم تنتج سوى مزيد من التمزق والتفكك.
وربما تكون مصر هى أكثر الأطراف دفعا للوحدة الفلسطينية ومصالحة الفصائل، لأن مصر هى الطرف الذى ليست له مصالح غير القضية الفلسطينية، التى شهدت تدخلات أضاعت الكثير من الفرص، وقد يكون خروج الأطراف الإقليمية من الصورة بداية لطريق واقعى.
لا تزال تفاعلات وتقاطعات 7 أكتوبر 2023، مستمرة، وهناك دائما سيناريوهات التهجير، التى تظهر بطرق مختلفة وكلما تمت مواجهتها فى جهة ظهرت فى جهة أخرى، ولعل هذا هو ما انتبهت له مصر على مدى الشهور التى تقترب من العامين، بل إن مصر حذرت مبكرا من عمليات أو خطوات عير محسوبة تفتح أبواب الخطر، وهو ما يبدو أنه مستمر، ضمن انقلاب المعادلة الإقليمية، يمكن لأى محلل أن يلاحظها، بعيدا عن الخيال، ومن هنا أيضا يمكن تفهم حجم الجهد الذى بذلته مصر والأطراف العربية الفاعلة لوقف التدهور أو الانزلاق إلى مسارات خطرة، مصر رفضت التهجير بكل صوره ومعادلاته، ولا تزال تواصل العمل فى دوائرها الإقليمية والعربية والدولية لمواجهة التطورات الخطرة والتهجير وتنتزع اعترافا بالدولة الفلسطينية من أطراف كانت حتى وقت قريب تتبنى الرواية الإسرائيلية.
ومن هنا يمكن تفهم اللقاءات المصرية السعودية، أو اتصالات الرئيس السيسى مع قيادات أوروبية، ونجاح مصر فى اجتذاب دول أوروبية فاعلة للموقف العربى، ودعم الخطة العربية التى أطلقت من مؤتمر القاهرة لإعادة الإعمار وتقوم على دراسات واقعية، وتتضمن تفاصيل كثيرة تتعلق بإدارة القطاع من قبل الفلسطينيين أنفسهم، وعقد مؤتمر دولى فى القاهرة، بعد إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار للتعافى وإعادة الإعمار فى قطاع غزة، الخطة أصبحت خطة عربية ثم إسلامية، ووافقت عليها دول كبرى بالشكل الذى يجعلها قابلة للتنفيذ، حال انتهاء جهود مصر وقطر والولايات المتحدة للوصول إلى هدنة تمهد لانتهاء الحرب.
مصر لا ترفض فقط مخططات التهجير، لكنها تقدم البديل لإعادة الإعمار فى وجود سكان غزة، وتواجه مناورات الاحتلال وأكاذيبه، والتى تتواصل، بينما كمصر تخوض حروبا داخل الحرب وفى مواجهة الاحتلال وتجار الحرب.

Trending Plus