"الأمة"

عانت أمتنا على مر العصور من ضغوط هائلة، لو فُرضت على غيرنا لكانوا اليوم في مقبرة التاريخ ، لكننا صمدنا، وظل صمودنا ممتدا حتى يومنا هذا.. غير أن قوة الصمود لم تعد كما كانت، وأصبح علينا أن نسأل: لماذا ضعفت عزيمتنا وتراجعت قوتنا؟
في الماضي كان العدو يخطط لنا في الخفاء، لا يجرؤ على إعلان نواياه، أما اليوم فأصبح بكل بجاحة يعلن أنه يسعى لإقامة "إسرائيل الكبرى"، تلك التي تمتد حدودها من العراق وسوريا، مرورا بمصر حتى الدلتا، وشمال السعودية والأردن،
أي باختصار: من النيل إلى الفرات.....
كل ذلك تمهيدا لظهور "ملك اليهود" وإقامة هيكلهم الثالث ،
وللأسف، تروج بين الناس إشاعة خطيرة مفادها أن إسرائيل لن تسقط إلا يوم القيامة، وأن نهايتها مرتبطة بآخر الزمان! هذا غير صحيح إطلاقا؛ فهي قد سقطت من قبل، واحتل بيت المقدس ثم تحرر، ولم تقم الساعة....
مثل هذه الأقاويل لا تفعل شيئًا سوى إضعاف الأمة، وإشاعة روح التواكل وانتظار "جيش آخر الزمان"، بدلا من أن نسعى بأنفسنا للتحرير والكرامة ،
إن الأمم العظمى لا تنهض إلا بسواعد أبنائها ، وعدونا ظل يخطط لعشرات ومئات السنين، حتى حقق هدفه عام 1948، وفرض علينا الأمر الواقع ،
وقد صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
حين قال:"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن.. فقيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"
فلنتأمل هذا الحديث جيدا.... لم يكن يقصد المغول أو الإنجليز أو الفرنسيين الذين تكالبوا علينا في الماضي، لأننا في تلك الفترات قاومنا القهر، وناضلنا حتى استعدنا قوتنا ، بل أظن أن النبي "صلى الله عليه وسلم " كان يقصد زماننا هذا؛ حيث صرنا نخشى عدونا ونراه عصيا على الهزيمة، بينما نقتل بعضنا بعضا بسلاح اشتريناه بأيدينا،
لقد تحول المشهد إلى ما يشبه المسرح الروماني القديم: إخوة يتقاتلون حتى الموت، والعدو يضحك من بعيد....
وليس هذا استنتاجي فقط، بل أكده تصريح "بن غوريون"، أول رئيس وزراء لإسرائيل، حين قال: "قوتنا ليست في سلاحنا النووي، بل في تفتيت ثلاث دول هي العراق وسوريا ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية. نجاحنا في هذا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر"
فلنبدأ جولتنا في واقعنا العربي:
• العراق: بلد الحضارات الذي كان قريبًا من امتلاك سلاح نووي، بات منقسما بين سنة وشيعة وأكراد، يتنازعون على قضايا مضى عليها أكثر من ألف عام.
• سوريا: عروس العرب التي تحولت إلى أنهار دماء، وصار مشهدها أقرب إلى تنفيذ مخطط برنارد لتقسيم المنطقة إلى ثلاث دول: سنية وشيعية ودرزية، واليوم نرى بعض الفصائل تطلب تدخل إسرائيل لإنقاذها!
• مصر: دولتنا التي نعتز بها كثيرا ، يحاولون جذبها إلى حرب نفسية قذرة، فتبدو وكأنها في موقع الدفاع عن نفسها، رغم أنها أشرف من كل دعاياتهم ومؤامراتهم .
فماذا نحن فاعلون؟ هل سنظل نركع وننتظر "جيش آخر الزمان"؟ أم أننا سننهض، ونكون نحن هذا الجيش، حتى نسلم الراية لأبنائنا بيضاء نقية، كما استلمناها من أجدادنا العظماء؟
قال تعالى: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
الله – الأمة – الوطن.

Trending Plus