مصر ومواجهة ألغاز وتحولات الحرب على غزة.. «السياسة والوحدة» بديلا للدعاية

أى مواجهة عسكرية يفترض أن تكون لها أهداف سياسية، والمعارك العسكرية وسيلة من وسائل الحرب، وليست غاية، هذا هو ما يفترض أن ينظر إليه كل من يسعى لقراءة وتحليل الصراع الدائر الآن فى الإقليم وعنوانه الحرب على غزة، ولا يمكن أن تصلح الشعارات الرنانة وحدها للتعامل مع مواجهة هى الأخطر والأكثر تعقيدا فى أكثر من 70 عاما هى عمر الصراع المعلن، بينما الزحف الصهيونى بدأ قبل هذا بسنوات.
نقول هذا بمناسبة إعلان بنيامين نتنياهو ومجلس الحرب المصغر إعادة احتلال غزة، بعد حرب إبادة ضخمة غير مسبوقة، بدت مخططة ومتعمدة لجعل الحياة فى غزة مستحيلة، مع تضمين خطة الاحتلال عملية تهجير من الشمال للجنوب، الهدف الظاهر هو السعى لتدمير حماس، وهنا مفارقة ولغز أشرنا إليه وما زال ماثلا ومطروحا على كل المحللين الساعين للمعرفة والفهم وليس تبرير الشعارات وإعادة تركيبها.
مفارقة بالفعل أن الاحتلال نجح فى اختراقات أمنية وعسكرية ومعلوماتية لحزب الله وإيران والمنظمات فى سوريا، بل واغتيال قيادات كبرى من حماس، بدءا من إسماعيل هنية فى طهران ويحيى ومحمد السنوار، وقبلهم صالح العارورى فى لبنان، ثم محمد الضيف ومروان عيسى ورافع سلامة وغيرهم، وهى اغتيالات لقيادات عسكرية وسياسية أيضا، بجانب آلاف المقاتلين المحسوبين على السلاح والقوة فى غزة، كل هذا يشير إلى أن الاحتلال حقق خطوات مهمة، وبالطبع كانت هناك عمليات من جانب حماس أوقعت خسائر فى الاحتلال، لكنها لا تقارن، نظرا لفارق القوة والقدرات والتسلح، بجانب أن جبهة الفصائل فقدت بعض الدعم من أطراف إقليمية انعكاس للمواجهة بين الاحتلال وإيران، أو الاختراقات والاغتيالات التى تمت وأخرجت حزب الله تقريبا من المواجهة.
كل هذا يضاعف من تلغيز التحرك الإسرائيلى تجاه إعادة احتلال غزة، والتى تتم بمسميات خادعة، اعتاد عليها رئيس وزراء الاحتلال طوال 20 شهرا مضت، قرار الاحتلال يعكس فى الظاهر مأزقا للاحتلال، وعجزه عن تحقيق هدف القضاء على حماس شكلا، لكنها فى المضمون تضاعف من خطوات الدفع نحو تنفيذ مخططات التهجير، والتى تبدو أنها إحدى نتائج عملية 7 أكتوبر وطوفان الأقصى، التى كان يفترض أن يتم تجاوزها والتعامل مع تداعياتها بمسؤولية القيادة وليس بالسير فى طريق يضاعف الخسائر، وهناك بعض المحللين يروجون أن الاحتلال كان سيبدأ حرب الإبادة حتى لو لم تحدث عملية طوفان الأقصى، لكن هؤلاء يحاولون تبرير عملية تبدو أنها كانت الذريعة المنتظرة لبدء حرب إبادة، لم يكن الاحتلال يجرؤ على بدئها فى عدم تحدث عملية الطوفان.
والواقع أن هذه المواجهة - وبوضوح - هى جولة بين معسكرين، الأول معسكر الحرب والإجرام الإسرائيلى وأيضا توابعه داخل الفصائل ممن عجزوا طوال 20 شهرا على تقديم دليل واحد على مسؤولية سياسية، فهم من بدأوا الانقسام الفلسطينى وغذوه، ومن يقدمون الذرائع للاحتلال ليحصل على مزيد من الدعم السياسى بحرب تعوض فشلا سياسيا واقتصاديا كبيرا.
بينما هناك معسكر السلام القائم على العدل، والذى تقوده مصر من زاوية استراتيجية، وتجربة وخبرة مع كل الأطراف إقليميا ودوليا، وأكده الرئيس عبدالفتاح السيسى رفض التهجير ودعم إنهاء الاحتلال وحل الدولتين، وهى حروب مصر داخل الحرب فى مواجهة أكاذيب الاحتلال، ومزايدات أطراف داخل الفصائل، وأطراف إقليمية تعمل بولاءات متعددة ولا يهمها القضية الفلسطينية، بينما تسعى للعب أدوار أكبر من قدراتها وفهمها.
7 أكتوبر 2023، أتاحت للاحتلال فرصة ما كان يصل إليها مهما كانت الظروف، وتداعيات أتاحت ضرب حزب الله، وضرب سوريا، وحيّدت إيران، بما يفرض إعادة النظر فى ما يمكن أن ينقذ غزة وسكانها، بديلا عن دمار، وإبادة مع ضعف المقاومة، باستثناء عمليات للدعاية وليست للفعل، بينما الأهم هو توحيد الجهود، وتجاوز التناقضات واستعادة الخط الأحمر لوحدة الفلسطينيين الذين يعادون بعضهم أكثر مما يفعلون مع الأعداء، وتصر مصر على توحيد الفلسطينيين بهدف مساندة القضية، بل وتتعامل مع من يزايد عليها فى الفصائل باعتباره طرفا يستحق المساندة والتجاوز عن أخطاء صغيرة وساذجة.
كل هذا يفرض أهمية ظهور قيادات سياسية يمكنها مواجهة المخططات والمناورات والتهجير والإبادة، وإعادة الاحتلال، من خلال مساع سياسية، وخطوات تكتيكية واستراتيجية، وليس فقط البقاء فى حالة دعائية من دون حقيقة واحدة وهو غموض يفيد الاحتلال أكثر مما يفيد القضية.

مقال أكرم القصاص بالعدد الورقى لليوم السابع

Trending Plus